علاقات » عربي

إعادة تموضع.. حسابات معقدة دفعت الإمارات لتغيير سياستها تجاه ليبيا

في 2022/11/01

عماد الدين بادي- أتلانتك كاونسل - ترجمة الخليج الجديد- 

مهدت محاولات الجنرال الليبي "خليفة حفتر" للاستيلاء على طرابلس عام 2019 الطريق لمزيد من بروز دور تركيا وروسيا في ليبيا. لكن بعد تدخل الدولتين في البداية لدعم الفصائل المتحاربة، قامتا بتهدئة التصعيد بعد ذلك، وركزتا على ترسيخ أنفسهما مع تقسيم ليبيا إلى نطاقات نفوذ منفصلة.

ومع ذلك، هناك عنصر لا يحظى بالاهتمام في التهدئة النسبية منذ نهاية الصدام العسكري الشامل في 2019-2020 وهو التحول في سياسة الإمارات.

وفي حين أن هذا التحول يعزى جزئيًا إلى عمليات إعادة الضبط الكبيرة التي شهدها الشرق الأوسط، فإن سياسة "صفر-مشاكل" التي اتبعتها أبوظبي تجاه جيرانها، وذوبان جليد العلاقات مع المنافسين الإقليميين، وديناميات ليبيا الخاصة أيضًا لعبت دورًا رئيسيًا في تغير حسابات الإمارات.

خسائر "حفتر"

يعود تدخل الإمارات في ليبيا إلى عام 2011، فقد اعتبرت الإمارات ليبيا ساحة رئيسية في معركة النفوذ الإقليمي ما بعد الانتفاضات العربية، واضعة نصب عينيها تقويض دور الأحزاب الإسلامية في المنطقة، خاصة جماعة "الإخوان المسلمين".

وتجلت هذه السياسة في دعم سياسي وعسكري حصري لـ"حفتر"، ووازنت الإمارات بين التدخل أحادي الجانب وتمرير الدعم عبر استخدام مصر كوكيل لها، مستفيدة من الحدود المصرية الليبية البرية.

كما استخدمت قوتها الناعمة في الإليزيه، ودعمت مساعي فرنسا لتعزيز الوضع العسكري والدبلوماسي للجنرال الليبي. وعززت هذه الجهود مكانة "حفتر" الدولية خاصة مع نجاحه في السيطرة على شرق ثم جنوب ليبيا وكذلك الهلال النفطي، باستخدام المعدات والدعم الجوي اللذين وفرتهما الإمارات بشكل أساسي.

ووصل الدعم العسكري الإماراتي لـ"حفتر" إلى ذروته في 2019-2020، لكن ذلك كان له تداعيات سلبية على سمعة الإمارات، خاصة مع مشاركتها في التحالف الذي تقوده السعودية في اليمن. فخلال هجوم "حفتر"، نفذت الإمارات مئات الضربات باستخدام الطائرات المسيرة نيابة عن "حفتر"، وقدمت له أسلحة متقدمة ومولت المرتزقة السودانيين الذين قاتلوا مع قواته.

ومع ذلك، واجه مجهود "حفتر" الحربي انتكاسات، ما دفع أبوظبي إلى إعادة ضبط سياستها الخارجية لاحتواء التدقيق المتزايد تجاه مغامرتها العسكرية.

وبدلاً من تكثيف التدخل المباشر لدعم هجوم "حفتر" على طرابلس، أصبحت أبوظبي القناة الرئيسية لدعم المرتزقة الروس في ضواحي طرابلس. ووفقًا لوزارة الدفاع الأمريكية، فإن الإمارات مولت تدخل موسكو في ليبيا عبر تحويل مدفوعات إلى مجموعة المرتزقة الروسية "فاجنر". وجاء هذا التدخل في لحظة حرجة بالنسبة لـ"حفتر" وعوض تراجع قدرته على تعبئة القوات البرية من أجل هجومه.

توافق مع الحكومة الجديدة

كان تغيير الحكومة في ليبيا إلى حكومة وحدة وطنية جديدة بعد حوار سياسي برعاية الأمم المتحدة في عام 2021 نقطة تحول أخرى في سياسة الإمارات. فقد تصادف وصول حكومة الوحدة الوطنية الليبية مع توقيع الإمارات على "اتفاقيات إبراهيم" وتركيزها المتزايد على تحسين العلاقات مع الجيران الإقليميين.

وتوافق ظهور "عبدالحميد دبيبة" كرئيس وزراء لحكومة الوحدة الوطنية مع ميل أبوظبي لتبني رؤية سياسة خارجية تتركز على البراجماتية والاستقرار الاقتصادي والشراكات التجارية. وفي حين أن الإمارات لم تغير جوهر سياستها الخارجية، فإن خطابها بدا أقل ميلا لاستعراض العضلات في السياسة الخارجية.

وبالرغم من عدم ارتياح الإمارات مبدئيا تجاه "الدبيبة" بسبب علاقاته مع الوسط الإسلامي في ليبيا، لكن رئيس الوزراء - الذي لا يعد أيضًا نصيرًا للديمقراطية الليبرالية - حصل في نهاية المطاف على رضا أبوظبي بسبب نهجه البراجماتي الذي يتماشى مع السياسة الخارجية لأبوظبي.

ومما عزز الارتياح الإماراتي لاحقا، عدم تفضيل "الدبيبة" لاختيار الممثلين الإسلاميين في مناصب السلطة التنفيذية. وأدى ذلك إلى علاقة مزدهرة بين أبوظبي وطرابلس، مع سعي "الدبيبة" لإحياء صفقات عصر "القذافي" مع الإمارات في قطاعات الاتصالات والطاقة والبناء، فضلاً عن التفاوض السري على وصول الشركات الإماراتية لإدارة مناطق التجارة الحرة والمناطق الاقتصادية والموانئ.

وكان أهم امتياز منحته أبوظبي لحكومة الوحدة الوطنية، هو تقليل بصمتها في الدعم المالي للوسائط الإعلامية المؤيدة لـ"حفتر"، ما أجبر بعضها على الإغلاق.

التقارب مع تركيا

تأثرت هذه التطورات أيضًا بانخراط الإمارات في عملية تقارب سريع الخطى مع تركيا، ما أدى إلى تعزيز العلاقات الاقتصادية مع أنقرة.

وتسببت الآثار المترتبة على الانسحاب الفوضوي للولايات المتحدة من أفغانستان في عام 2021 لدفع الإمارات إلى إعطاء الأولوية لتوسيع التحالفات في محاولة لتجنب الاعتماد على الولايات المتحدة.

وأدى ذلك إلى تركيز الإمارات على الدبلوماسية الإقليمية، ما جعل أبوظبي أقرب إلى أنقرة. وبالتالي كان من المنطقي ألا تضحي الإمارات بتقاربها مع تركيا بتعزيز دعم "حفتر" أو تقويض "الدبيبة" الذي تدعمه تركيا.

وبدلاً من ذلك، ركزت الإمارات على التوسط في الاجتماعات التوافقية والدبلوماسية المكوكية بين دوائر "حفتر" و"الدبيبة"، في محاولة لوضع ترتيبات لمشاركة السلطة بينهما. وربما يكون أحد أبرز الآثار لهذه الوساطة حتى الآن، استبدال "الدبيبة" لرئيس المؤسسة الوطنية للنفط "مصطفى صنع الله"، والذي تلاه رفع "حفتر" للحظر على موانئ النفط.

لكن تقارب الرئيس الجديد للمؤسسة الوطنية للنفط "فرحات بن قدارة" مع أبوظبي يوضح أيضًا أن جزءًا من جهود الوساطة الإماراتية يُعزى إلى المصلحة الذاتية والسياسة الأوسع والمتعلقة بمنظمة "أوبك".

ومع اختيار الإمارات لعدم التضحية بتقاربها مع تركيا ودعم "الدبيبة"، خالفت الإمارات شركاءها القدامى في ليبيا (مصر وفرنسا). ومنذ مارس/آذار من هذا العام، ركزت فرنسا على تقويض حكومة الوحدة الوطنية علنا، ودعمت تنافس وزير الداخلية الليبي السابق "فتحي باشاغا" على منصب رئيس الوزراء. أما الإمارات فلم تشارك بشكل واضح في هذا الجهد.

تجاهل الإمارات لـ"باشاغا"

في حين أن الديناميات المذكورة أعلاه لعبت دورًا في تشكيل سياسة الإمارات الجديدة المتمثلة في أخذ مسافة متساوية من "حفتر" و"الدبيبة"، فقد لعبت عوامل أخرى أقل بروزًا دورًا في اللامبالاة الإماراتية تجاه "باشاغا"؛ منها أن تنافسه على رئاسة الوزراء قد يسبب انتكاسة في الصراع، ما يؤثر على علاقات الإمارات الاقتصادية الحالية مع طرابلس.

علاوة على ذلك، إذا شاركت أبوظبي في جولة أخرى من الحرب الليبية، فإن الإمارات سوف تتحمل أضراراً جديدة في سمعتها وستضطر إلى التنازل عن علاقاتها مع تركيا والولايات المتحدة و/أو روسيا اعتمادًا على الموقف الذي تتخذه.

وهناك مصدر قلق آخر يتمثل في أن منافسة "باشاغا" على منصب رئيس الوزراء مدعوم بشخصيات بارزة من جماعة "الإخوان المسلمين" في ليبيا لهم صلات بقطر، المنافس الإقليمي الرئيسي للإمارات.

وأخيرًا، من المحتمل أيضا أن يكون لدى أبوظبي عداء شخصي تجاه "باشاغا" حيث لعب دورًا بارزًا في مواجهة هجوم "حفتر" المدعوم من الإمارات في عام 2019.

ويتكهن البعض بأن المسؤولين الإماراتيين يحملون "باشاغا" المسؤولية عن مقتل 6 جنود إماراتين، تم نشرهم سراً في قاعدة "الجفرة"، من خلال ضربة طائرة مسيرة في أواخر عام 2019.

ترتيب جديد يظل هشًا

بشكل عام، لا ينبغي المبالغة في التأكيد على أن تحول سياسة الإمارات إزاء ليبيا كان نتيجة إعادة المعايرة الإقليمية من جانبها.

وباعتبار الإمارات ممثلًا مؤثرًا في المشهد الليبي لأكثر من عقد من الزمان، فليس من المستغرب أن يكون للتغيرات في سياسة الإمارات تأثير مباشر على مستويات الاستقرار في ليبيا، وبالفعل أثر تحول موقفها بشكل إيجابي على هدوء الوضع في ليبيا.

لكن تحول شياسة الإمارات تأثرت أيضًا بالتطورات في السياق الليبي. وبالرغم أن السلام النسبي التي تشهده ليبيا منذ انتهاء جولة الصدام العسكري في عام 2020، فإن صانعي السياسات عليهم ألا يطمئنوا معتقدين أن هذا الترتيب الإقليمي هو الوضع الطبيعي الجديد.

وقد يستمر الوضع الهش الحالي لبعض الوقت نتيجة إعادة ضبط السياسات في الشرق الأوسط، لكن هذه العملية بنيت على نظرة قصيرة الأجل، لذلك فإن الحسابات الجيوسياسية التي تحفظ السلام في ليبيا حاليا قد تنهار أسرع مما يتخيله البعض.