علاقات » عربي

"الودائع".. سياسة سعودية لإنقاذ حلفائها وتعزيز نفوذها إقليمياً

في 2022/12/01

سلمى حداد - الخليج أونلاين

لا تتوقف المملكة العربية السعودية عن دعم الدول الصديقة اقتصادياً خاصة في ظل الظروف التي يواجهها الاقتصاد العالمي حالياً بسبب تداعيات جائحة كورونا والحرب الروسية على أوكرانيا.

وظلت الودائع السعودية الضخمة في البنوك المركزية لدول من أبرزها مصر واليمن وباكستان وربما تركيا قريباً، أحد أهم الطرق خلال السنوات القليلة الماضية لدعم اقتصادات هذه البلدان ومنعها من الانهيار.

وربما لا تستفيد المملكة اقتصادياً من هذه الودائع، إلا أنها تساهم في تعزيز نفوذها ودورها سياسياً على الصعيدين الإقليمي والدولي، ويعزز علاقتها مع هذه الدول لتكون حليفة قوية لها، ما يوسع من القاعدة الدولية الداعمة للرياض.

ودائع متفرقة

أحدث القرارات السعودية المرتبطة بودائعها بالخارج كانت في 20 نوفمبر 2022، بإعلانها تمديد أجل وديعة مالية لدى البنك المركزي المصري بقيمة إجمالية تبلغ 5 مليارات دولار.

وقال بيان لوزارة المالية السعودية، إن تمديد الوديعة يأتي "امتداداً للروابط التاريخية وأواصر التعاون الوثيقة التي تجمع المملكة بمصر، ووفقاً لتوجيهات من خادم الحرمين الشريفين وولي العهد".

ويأتي القرار السعودي في وقت تواجه فيه مصر تحديات مرتبطة بوفرة النقد الأجنبي داخل السوق المحلية، الأمر الذي دفع البنك المركزي للاجتماع مع رؤساء البنوك العاملة في البلاد، في 28 نوفمبر 2022، للبحث عن قنوات تعزيز النقد الأجنبي في السوق.

وتتجه مصر لتوقيع اتفاقية قرض مالي مع صندوق النقد الدولي بقيمة 3 مليارات دولار، من إجمالي احتياجات تمويلية بقيمة 12 مليار دولار.

وتبلغ قيمة ودائع الرياض لدى البنك المركزي المصري منذ العام 2012 نحو 15.5 مليار دولار، سددت القاهرة وديعة واحدة منها بقيمة ملياري دولار، ليعود المبلغ إلى 13.5 مليار دولار.

باكستان الدولة الصديقة للسعودية كان لها نصيب أيضاً من ودائع المملكة؛ ففي العام 2021 وقع الصندوق السعودي للتنمية، اتفاقية اقتصادية مع الجانب الباكستاني بقيمة 3 مليارات دولار أمريكي.

وشملت الاتفاقية وديعة بقيمة 3 مليارات دولار، تقدمها المملكة لصالح البنك المركزي الباكستاني لدعم احتياطي العملة الأجنبية، ومساعدة باكستان في مواجهة تداعيات جائحة كورونا الاقتصادية.

وكانت مدة الوديعة سنة واحدة فقط، إلا أن البنك المركزي الباكستاني أعلن في 18 سبتمبر الماضي، أن "الصندوق السعودي للتنمية" أكد أنه سيمدد أجل الوديعة لمدة عام واحد.

وأضاف المركزي الباكستاني، في بيان له، أن "الوديعة كان من المقرر أن تستحق في الخامس من ديسمبر 2022، لكن الآن تم تمديد أجلها حتى العام المقبل".

وفي 23 نوفمبر الجاري، أعلن رئيس الحكومة اليمنية معين عبد الملك، تحويل الإمارات ملياراً و100 مليون درهم (نحو 300 مليون دولار) إلى حساب البنك المركزي اليمني كدفعة أولى من وديعة إماراتية سعودية بقيمة ملياري دولار.

وضمن تطور العلاقات التركية السعودية، أعلن متحدث باسم وزارة المالية السعودية، في 22 نوفمبر 2022، أن المملكة وتركيا تناقشان وضع وديعة قيمتها خمسة مليارات دولار في البنك المركزي التركي، بحسب ما نقلت وكالة "رويترز".

أهمية الودائع

وتكمن أهمية مثل هذه الودائع في أنها سيولة نقدية تطمئن المستثمرين الأجانب، خاصة الذين يفكرون بالخروج من أسواق تلك الدول.

وتؤدي هذه الأموال دوراً في دعم استقرار سعر صرف العملة المحلية، إضافة إلى أنها ستعمل على دعم احتياطي النقد الأجنبي الذي يعاني من ضغوط شديدة بسبب الفجوة التمويلية نتيجة الأزمة العالمية.

ويرى الكاتب الاقتصادي السعودي فهد بن عبد الله الحويماني، بمقال نشره في صحيفة "الاقتصادية" المحلية في أبريل 2022، أن هدف المملكة من هذه الودائع يعود إلى المسؤوليات التي وضعتها على عاتقها لنصرة الدول الشقيقة في أزماتها المالية امتداداً للروابط التاريخية وتقوية لأواصر التعاون الثنائي.

وقال الحويماني: "تقف المملكة إلى جانب الدول العربية في الأزمات المالية، ويأتي التدخل في بعض صوره على هيئة ضخ سيولة لدى البنوك المركزية".

وأضاف: "تلك الدول تعتمد بشكل كبير على السيولة الأجنبية لديها للوفاء بالتزاماتها المالية الأجنبية والحفاظ على استقرار عملاتها الوطنية".

وأشار الكاتب الاقتصادي، إلى أن الودائع السعودية لمصر عززت موقفها أمام صندوق النقد الدولي للحصول على مزيد من الدعم المالي.

رؤية سياسية استراتيجية

وفي رؤية سياسية استراتيجية للخطوات السعودية، قال د. حسن عبد الله الدعجة، رئيس قسم الإعلام والدراسات الاستراتيجية بجامعة الحسين بن طلال الأردنية: إن "السعودية وضعت بالفترة الأخيرة ودائع في البنوك المركزية لعدد من الدول منها مصر وباكستان واليمن ويتم دراسة وضع وديعة في تركيا".

وأضاف الدعجة، في حديثه لـ"الخليج أونلاين"، أن "هذه الدول تعاني من نسب تضخم متفاوتة؛ أعلاها في تركيا حيث اقتربت من الـ90%، ومن ثم هبطت الليرة التركية لأدنى مستوياتها، إضافة لارتفاع نسب التضخم في مصر واليمن وباكستان، وتراجع احتياطيات النقد الأجنبي لهذه الدول بسبب الأزمة الحالية".

ولفت إلى أن "السعودية تدخلت لمساعدة هذه الدول على النهوض وتحمل الأعباء الاقتصادية والمالية الملقاة على عاتقها والمحافظة على عملاتها من الانهيار".

وأكد أن هذه الدول تعتبر صديقة للسعودية وإن كان هناك أحياناً بعض الخلافات حول سياسات معينة لكنها تبقى ضمن المجال الحيوي الاستراتيجي للمملكة.

واعتبر أن "السعودية تعي الأبعاد الإقليمية وتحاول توظيفها وتسعى لأن تكون الدول الصديقة متحالفة معها بالكثير من القضايا، وهذا له تأثير على توسيع النفوذ السياسي للمملكة في هذه الدول وعلى الصعيد العالمي".

وأشار إلى أن الرياض تدرك أن هذه الدول تمر بأزمات مالية ونقص في العملة الصعبة وارتفاع مستويات التضخم، وكوارث طبيعية؛ مثل ما حدث في باكستان الصيف الماضي، وكل ذلك يجعلها ضعيفة اقتصادياً.

ويوضح أن "المملكة لديها قناعة تتمثل بضرورة أن تبقى هذه الدول قوية نظراً لعدة عوامل؛ منها الصداقة القائمة معها والروابط الدينية والاجتماعية والسياسية التي تجمعها".

ورأى "الدعجة" أن هذه البلدان ما كانت قوية فإنها تقوي موقف السعودية سياسياً واقتصادياً واستثمارياً واجتماعياً.

وأوضح أن مواقف دول مثل مصر وباكستان واليمن وتركيا تتوافق مع التوجهات السياسية الخارجية المملكة بالكثير من القضايا، لذلك فإنها تحتاج أحياناً إلى مساندة منها، وظهر ذلك بالدعم الذي قدمته عندما اتخذت الرياض مع مجموعة "أوبك+" قراراً بخفض إنتاج النفط الخام للحفاظ على استقرار السوق العالمية.

ولفت إلى أن مصر وتركيا وباكستان أعلنت دعمها لموقف المملكة عندما هاجمتها الولايات المتحدة واتهمتها بالانحياز لروسيا في قرارها.

وخلص في ختام حديثه إلى أن "السعودية تراعي الجوانب الاستراتيجية والجيوسياسية بعيدة المدى والبعد الإقليمي والدولي بعلاقتها مع الدول، وتسعى دائماً عبر خطواتها الاقتصادية والسياسية لخدمة المصلحة العليا للبلاد".