يوسف حمود - الخليج أونلاين-
لا تزال الإمارات تستثمر مشاركتها في التحالف العربي الذي تقوده السعودية ضد انقلاب جماعة الحوثي لتحقيق أهدافها في السيطرة على مطارات وموانئ يمنية، والتمدد في مناطق أوسع.
وبينما تسيطر الإمارات بشكل مباشر أو عبر مليشياتها على موانئ في عدن وتعز وحضرموت وسقطرى وشبوة، دخلت هذه المرة إلى المهرة الحدودية مع سلطنة عُمان (شرق) عبر بوابة الاستثمار في أحد موانئ هذه المحافظة بموافقة مباشرة من الحكومة اليمنية.
ومع حصول الإمارات على امتياز إدارة ميناء في محافظة الحديدة، وسط غضب شعبي من سكان المحافظة، تطرح تساؤلات حول هدف أبوظبي من الاستثمار في هذا الميناء، وما أهمية المهرة بالنسبة لسلطنة عُمان.
ميناء جديد
في ختام العام الماضي 2022، وتحديداً في 31 ديسمبر، أقرت الحكومة اليمنية عقداً مع الإمارات لإنشاء ميناء بحري جديد، في منطقة رأس شروين بمحافظة المهرة، باستثماراتٍ قيمتها 100 مليون دولار.
وقالت وكالة "رويترز" إن الميناء الجديد سيخصص للنشاط التجاري التعديني بمحافظة المهرة أقصى شرقي اليمن.
ونقلت الوكالة عن مسؤول حكومي قوله إن العقد وُقّع مع شركة "أجهام" الإماراتية لإنشاء الميناء البحري بمنطقة رأس شروين في المهرة بنظام التشييد والتشغيل ونقل الملكية (بي.أو.تي).
وبيَّن المصدر الذي رفض الكشف عن اسمه، أن المشروع يتضمن إنشاء ميناء مكون من لسان بحري على عدة مستويات، تشمل كاسر أمواج بطول 1000 متر، ورصيفاً بحرياً بطول 300 متر لرسوّ السفن، وغاطساً يبلغ 14 متراً في مرحلته الأولى.
وأوضح أن الميناء سيكون مخصصاً لتصدير الحجر الجيري ومعادن أخرى، إلى جانب مناولة الحاويات والبضائع بأنواعها المختلفة وتموين السفن.
غضب شعبي
عقب الإعلان كان الغضب قد جاء من اليمنيين، خصوصاً من سكان محافظة المهرة، الذين اعتبروا هذه الاتفاقية مفتاحاً للإمارات للدخول رسمياً إلى محافظتهم البعيدة عن الصراع في البلاد.
وكتب الناشط والصحفي اليمني أنيس منصور قائلاً: "إن أبناء المهرة أفشلوا مشروعاً ضخماً وكبيراً ودولياً، وهو مشروع أنبوب النفط، فما بالكم بمشروع لسان بحري (مينا قشن)".
وعدد منصور الموانئ اليمنية التي تقع تحت سيطرة الإمارات أو مليشياتها، وهي: "ميناء عدن، وميناء المخاء، وميناء المكلا، وميناء الضبة، وميناء بير علي، وميناء بلحاف، وميناء رضوم، وميناء ذباب، وميناء الخوخة، وميناء الخوبة، وميناء قنا، وميناء النشيمة".
بدورها استنكرت لجنة الاعتصام الرسمي بمحافظة شبوة، على لسان ناطقها علي بن محامد، "إعلان حكومة معين وإقرارها عقد إنشاء ميناء قشن بالمهرة"، مضيفاً: "نرفض بشكل قاطع هذا القرار المبهم والمجهول والذي نؤكد أنه لا يمتلك أي شرعية دستورية أو قانونية".
أما الناشط علي المهري فقد أشار إلى أن "الدستور والقانون يتعارض مع إقرار صفقة ميناء قشن؛ لأن شركة جهام وهمية، وتوقيع الاتفاقية ليست من حكومة شرعية"، مشيراً إلى أنه "يعد احتيالاً واضحاً على أبناء المهرة".
فيما رأى أمير شامي أن اتفاقية ميناء قشن بمحافظة المهرة "هي تمكين الإمارات من السيطرة على كل الموانئ اليمنية".
أما هبود المهري فقد قال إن تأجير ميناء قشن لما أسماها بـ"دولة الاحتلال الإماراتي لمدة 50 عاماً من قبل حكومة معين عبد الملك، وما يسمى المجلس الرئاسي، أمر مرفوض ولن يسمح به أحرار المهرة وكل الشعب اليمني".
فيما قال الناشط عبد الحميد السلطان: إن أبناء المهرة "ومعهم كل أحرار اليمن، لن يقبلوا باتفاقية بيع ميناء قشن، ولن يسمحوا بتمرير المخطط الخبيث الذي يستهدف احتلال الميناء ونهب ثروات المحافظة".
اتفاقية مريبة
يشير الناشط السياسي ماهر عبد الرحيم المهري، إلى أن الاتفاقية التي وقعت مع شركة "جهام" السعودية الإماراتية تعد "احتيالاً واضحاً على أبناء منطقة قشن في المهرة، وتمنعهم من أحقية الصيد، وتنهب موارد المحافظة وتمنعها على أبنائها".
ويؤكد في حديثه لـ"الخليج أونلاين" أن شركة جهام "هي شركة وهمية تأسست 2017 من قبل الإمارات على أنها شركة سعودية، بهدف الفيد والنهب والتدخلات في الأراضي المهرية".
ويلفت إلى أن رئيس الحكومة "منح شركة جهام امتيازات خارج الأطر الدستورية والقانونية والتشريعية، من خلال نيابته عن كل مؤسسات الدولة المعنية بالمواثيق والمعاهدات والاتفاقات وتقديم التنازلات المريبة".
ويضيف: "الاتفاقية بواقعها تهدف إلى الكشف والتنقيب لاستخراج المعادن الثمينة ونهبها للخارج، وعدم استفادة أبناء المحافظة من ذلك، وربما تستفيد الدولة بجزء محدود فقط".
وإلى جانب ذلك أشار إلى أن الميناء قد يتحول إلى ثكنة عسكرية على غرار الموانئ الأخرى في عدة محافظات، والتي لم يستفد منها المواطن اليمني"، مضيفاً: "لذلك ما قد عجزت عنه الإمارات سابقاً من إدخال قواتها أو أخرى موالية لها إلى المهرة الآن ستقوم بإدخالهم تحت مسمى حماية الميناء".
المهرة وأهميتها
وتُعَد المهرة، وهي أقصى محافظة يمنية شرقي البلاد وتربطها حدود طويلة مع سلطنة عمان، منعزلة بفعل الوديان الواسعة والطبيعة التي تشبه سطح القمر، وقد تجنَّبت أهوال سنوات الحرب الخمس التي أشعلها الحوثيون بعد إطاحتهم بالحكومة اليمنية المُعتَرَف بها دولياً، في سبتمبر 2014، وتبعه دخول السعودية والإمارات في تحالف لدعم الشرعية باليمن، في مارس 2015.
وبدأت الإمارات تخطط للسيطرة على المهرة مبكراً، مثلما فعلت مع عدن وبعض مدن الجنوب، فقد وصل ممثلون إماراتيون إلى المحافظة، في أغسطس 2015، أي بعد 4 أشهر فقط من الدخول في اليمن، وكان المعلن أنها مهمة لدعم السلطة المحلية والحفاظ على الأمن بالمحافظة التي لم يصل إليها الصراع قط، قبل أن تنكشف تحركاتها في اليمن.
في المقابل فإن سلطنة عُمان تحاول تمكين نفسها في محافظة المهرة؛ بهدف تأمين نافذة لها باليمن، بغية الاحتفاظ بقدر كافٍ من الحضور في البلد الذي يشرف على أحد أهم منافذ التجارة البحرية.
ويصب وجودها بالمهرة من خلال علاقتها الواسعة مع القبائل والشخصيات البارزة فيها في مصلحة الأمن القومي للسلطنة، ومن خلال تأمين حدودها الغربية.