الخليج الجديد-
أقرت السعودية، ببدء مباحثات مع النظام السوري، خطوة تهدف إلى الوصول إلى توافق بشأن عودة الخدمات القنصلية قبل القمة العربية المقرر عقدها في الرياض، خلال مايو/أيار المقبل.
ووفق مصدر بالخارجية السعودية لقناة الإخبارية (رسمية)، فإن هذه المباحثات تأتي في سياق حرص المملكة على تسهيل تقديم الخدمات القنصلية الضرورية للشعبين.
وحسب أحد المصادر الإقليمية ودبلوماسي في الخليج، فقد جاءت هذه المباحثات في السعودية مع مسؤول استخباراتي سوري رفيع، بعد اتفاق إعادة العلاقات بين السعودية وإيران، وإعلان إعادة فتح سفارتيهما في كلا البلدين خلال الأسابيع المقبلة، بعد 7 سنوات من التوترات بين البلدين.
ولعل الزلزال الذي ضرب سوريا في فبراير/شباط الماضي، هو أول تحرك رسمي من السعودية تجاه نظام بشار الأسد، وذلك من خلال إطلاقها لمنصة "ساهم"، وهي منصة عنيت بجمع التبرعات لضحايا زلزالي تركيا وسوريا.
هذه التبرعات وإن كان أغلبها ذهب لمناطق المعارضة، فإن بعضها الآخر ذهب إلى مطارات حلب، بالتنسيق مع الهلال الأحمر السوري، وهي خطوة لها دلالاتها السياسية، ومؤشر على إمكانية التقارب المدفوع بعدد من المعطيات.
مركز "الفكر الاستراتيجي للدراسات"، ترتبط هذه المؤشرات بوجود دوافع محركة للطرفين في إحداث تقارب بينهما.
وتتجلى الدوافع السعودية، في تخفيف التوتر في المنطقة، إذ تعيش المنطقة عموماً وعلى مدار عقد حالة من الفوضى والاحتراب الداخلي الذي جعلها عرضة بشكل أكبر لانتشار الجماعات المتطرفة، وللتدخل الخارجي.
وبشكل خاص، والحديث للتحليل، تكررت حالات الاستفزاز والتوتر بين إسرائيل من جهة وإيران وميليشياتها من جهة أخرى على الأرض السورية، وفي حال استمرت فقد تؤدي إلى حدوث اشتباكات موسعة قد تتحول لحرب إقليمية ليست في مصلحة المنطقة.
ويمكن حل هذه المعضلة عن طريق استعادة الأمن في سوريا، وإخراج القوات الأجنبية والميليشيات منها، وهو أمر يصب في مصلحة المنطقة عموماً والرياض خصوصاً.
كما يعد تحجيم الدور الإيراني في سوريا، أحد الدوافع الرئيسية التي تحرك السعودية للتقارب مع النظام السوري، الذي أصبح مستلباً بالكامل لإيران وروسيا، لتصبح في الوضع الحالي رهينة لاعتبارات إقليمية ودولية لا تراعي بالأساس المصلحة السورية، بقدر ما تراعي مصالح الأطراف المتدخلة.
ومن خلال تقاربها مع دمشق تحاول الرياض مواصلة نهجها الجديد في مساومة إيران عبر تطبيع العلاقات مع حلفائها في المنطقة.
كما تستهدف السعودية التفاعل مع المتغيرات الإقليمية الجمة التي وقعت خلال السنوات الأخيرة، وأبرزها وجود مساعٍ لإعادة العلاقات التركية السورية نتيجة ضغط ملف اللاجئين على السياسة الداخلية التركية.
في 28 يناير/كانون الثاني 2022، وبعد قطيعة دامت 11 عاماً، اجتمع في موسكو وزيرا الدفاع التركي والسوري بحضور ومشاركة نظيرهما الروسي.
وقالت المصادر إن الوزراء اتفقوا على تأسيس لجان مشتركة من مسؤولي الدفاع والمخابرات في الفترة المقبلة ستبدأ في موسكو، تعقبها اجتماعات في أنقرة ودمشق.
هذه الخطوات، وفق التحليل، تأتي ضمن اتفاقات استراتيجية تجمع بين هذه الأطراف، وتعزز الدوافع السعودية نحو تفعيل دورها والتعاطي مع التغيرات الإقليمية القائمة من أجل حماية مصالحها.
كما تستهدف السعودية إعادة ترتيب البيت العربي، إذ منح الزلزال غطاء لتسريع خطوات ترميم العلاقة بين دول عربية ودمشق.
وزار أعضاء البرلمان العربي دمشق، كما زار وزير الخارجية المصري سامح شكري دمشق ضمن المساعي المصرية الحثيثة لإعادة دمشق للجامعة العربية، وقبل ذلك استعادت الإمارات علاقتها بالنظام السوري منذ 2018.
يقول التحليل: "مثل هذه الخطوات قد تسهم في إحداث تقارب جزئي مع النظام السوري، كما أن لها دلالاتها السياسية المتمثلة في رفع الحرج عن السعودية في حال أقدمت على تبني مقاربة جزئية مع النظام السوري".
ويضيف: "من هنا تأتي جهود السعودية ربما ضمن رغبتها في استعادة توازن المنطقة وتفعيل دورها الإقليمي وإعادة النظام السوري ضمن اشتراطاتها السابقة التي لا تغفل حقوق اللاجئين وضرورة أخذ ملف المعارضة السورية في الحسبان".
دوافع النظام السوري
أما عن دوافع النظام السوري، فأبرزها كسر العزلة الإقليمية وتسريع عملية التطبيع للعودة إلى جامعة الدول العربية، حيث يعاني نظام الأسد من عزلة دولية لا تقتصر على محيطه العربي، بل تشمل دولاً كبرى ومختلف المؤسسات الدولية.
هذه العزلة حجَّمت قدرته على التأثير في محيطه، فضلاً عن قدرته على حماية نفسه من ضربات إسرائيلية أو التدخلات الخارجية، وهو أمر لطالما مثل هاجساً ودفع النظام السوري إلى المحاولة جاهداً لتطبيع علاقته مع دول العالم، واستعادة مقعده في الجامعة العربية؛ من أجل تحسين اقتصاده والحصول على دعم عربي، خصوصاً مع تأثير العقوبات عليه وعلى داعمتيه روسيا وإيران.
كما يحرص النظام على تقاربه مع السعودية، لأنها تمثل جسراً يمكن أن يحسن علاقته بالدول العربية، خصوصاً أن كثيراً من الدول العربية قطعت علاقتها بدمشق بعد تعليق عضويتها في جامعة الدول العربية منذ 2012.
ومن جهة أخرى يمكن أن يكون للسعودية دور مهم في عودة النظام السوري إلى المنظمات والمحافل الدولية.
كما يستهدف نظام الأسد من إعادة علاقته بالسعودية إلى استعادة شرعيته في مناطق المعارضة، حيث تلقف النظام السوري الفرصة التي خلقها الزلزال ليحسن صورته أمام العالم، إذ رغم حصره مسألة إيصال المساعدات في الحكومة، صرح بموافقته على تسهيل إيصال المساعدات إلى جميع المناطق، ومن ضمنها تلك التي تقع خارج سيطرته.
ورغم وجود قطيعة دولية وعربية، وقائمة من العقوبات الاقتصادية والمساءلات والتقارير والاتهامات ضد مؤسسات وشخصيات سورية، قد تسهم الاتصالات والزيارات الرسمية العربية مع النظام السوري في إضفاء مرونة للتقريب بينه وبين السعودية وتركيا وبعض الدول التي نسق معها لإيصال المساعدات.
هذه المرونة قد تسهل في وقت لاحق دور السعودية لإحداث تقريب بينه وبين الفصائل المعارضة السورية.
كما يستهدف النظام السوري أيضا عبر تقاربه مع المملكة تحييد الدور السعودي الداعم للمعارضة.
يقول التحليل: "عقب انتفاضة الشعب السوري في 2011 سارعت السعودية إلى طرد السفير السوري في 2012، وعملت على دعم المعارضة بشكل كبير".
ويضيف: "رغم ابتعادها عن الملف السوري بعد اندلاع حرب اليمن، فإنها لم تتخذ أي خطوات داعمة للنظام السوري، بل على العكس؛ استمرت في دعم المعارضة السورية سياسياً، ولكن بشكل أقل، خصوصاً مع التغيرات الدولية وتدخُّل روسيا عسكرياً لمصلحة النظام السوري، وهو ما حقق له تقدماً عسكرياً على حساب الفصائل المحسوبة على الثورة".
ويتابع: "من خلال تقارب دمشق مع الرياض تحاول تحييد دور السعودية، وهو أمر يعزز من قوة النظام السوري ويقلل من إمكانيات مواجهته ولو في المستقبل".
ومطلع الشهر الجاري، قال وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان، إن زيادة التواصل مع سوريا قد يمهد الطريق لعودتها إلى جامعة الدول العربية مع تحسن العلاقات بعد عزلة تجاوزت عشر سنوات، لكن من السابق لأوانه في الوقت الحالي مناقشة مثل هذه الخطوة.
وجدد الوزير السعودي التأكيد على أن الإجماع يتزايد في العالم العربي على أن عزل سوريا لا يجدي، وأن الحوار مع دمشق ضروري خاصة لمعالجة الوضع الإنساني هناك.
ولاحقا، قال رئيس النظام السوري بشار الأسد، إن السياسة السعودية اتخذت منحى مختلفا تجاه سوريا منذ سنوات، ولم تتدخل في شؤون سوريا الداخلية كما أنها لم تدعم أيا من الفصائل.
ومن شأن تحسن العلاقات السعودية مع النظام السوري التمهيد بشكل كبير لعودة دمشق إلى الصف العربي.
وسوريا معزولة إلى حد بعيد عن بقية العالم العربي في أعقاب حملة دامية شنها الأسد على الاحتجاجات المناهضة لحكمه في 2011.
وعلقت الجامعة العربية عضوية سوريا في 2011، وسحب العديد من الدول العربية مبعوثيها من دمشق.
لكن الأسد استفاد من تدفق الدعم من الدول العربية في أعقاب الزلزال المدمر الذي وقع في 6 فبراير/شباط، والذي أودى بحياة آلاف السوريين.
وسبق أن حذرت الولايات المتحدة من محاولات إحياء نظام الأسد، وقالت الخارجية الأمريكية في أكثر من بيان إن ما يحدث لن ينفي حقيقة المجازر التي ارتكبها الأسد بحق السوريين.