متابعات-
يتأثر الصراع الدائر في السودان بين الجيش وقوات "الدعم السريع" بحسابات إقليمية لدول عديدة في المنطقة أبرزها الإمارات والسعودية ومصر، ما قد يطيل أمد الأزمة.
ومنذ اندلاع القتال في 15 أبريل/ نيسان الماضي أُعلن عن 7 هدن لوقف إطلاق النار جميعها كانت هشة وتخللها خروقات واشتباكات بين الجانبين.
وبينما تواصل قوات الدعم السريع السيطرة على أماكن حيوية بالعاصمة كمطار الخرطوم وهيئة البث والإذاعة التلفزيونية ومجلس الوزراء، يحاول وسطاء إبرام هدنة دائمة بين طرفي النزاع.
وتقول "منصة أسباب" في تقرير لها إنه منذ عزل الرئيس السابق عمر البشير قدمت السعودية والإمارات الوعود الأساسية لدعم السودان اقتصاديا.
وتشير إلى أن الإمارات وفرت دعما سياسيا لأجندة نخب سياسية من قوى "الحرية التغيير"، كما نسجت علاقات أمنية واقتصادية مع قائد الدعم السريع محمد حمدان دقلو "حميدتي"، وقدمت له إمدادا عسكريا مهما خلال الفترة الماضية لتعزيز وضع قواته، فضلا عن مؤشرات على تقديم دعم لتحركه الأخير ضد الجيش في البداية.
وبينما تحافظ السعودية على حياد ظاهري، فإن نفوذها الاقتصادي جعلها تلعب دورا سياسيا رئيسيا تجلى في توقيع الاتفاق الإطاري، وفق التقرير.
والاتفاق الإطاري وقعه مجلس السيادة ومكونات مدنية أبرزها قوى الحرية والتغيير (المجلس المركزي) في 5 ديسمبر/ كانون الأول 2022، لتدشين مرحلة انتقالية جديدة في البلاد، مقابل رفض قوى أخرى التوقيع عليه بينها قوى الحرية والتغيير (الكتلة الديمقراطية) التي تضم حركات مسلحة بقيادة جبريل إبراهيم وأركو مناوي وقوى مدنية أخرى، بالإضافة إلى الحزب الشيوعي ولجان المقاومة (نشطاء) وتجمع المهنيين السودانيين.
حسابات اقتصادية
ويذكر التقرير أن السودان يمثل موقعا حيويا في حسابات السعودية والإمارات الإقليمية.
ففي ديسمبر الماضي، وقعت شركة إماراتية صفقة بقيمة 6 مليارات دولار لتطوير ميناء ومنطقة اقتصادية على ساحل البحر الأحمر في السودان، وهي خطوة لا تنفصل عن رؤية الإمارات الواسعة لخلق تواجد استراتيجي، اقتصادي و/أو عسكري، ممتد من الخليج العربي مرورا بجزر اليمن الاستراتيجية والقرن الأفريقي وحتى السودان وموانئ مصرية على البحر الأحمر.
في حين يمثل السودان تقليديا في الاستراتيجية السعودية موقعا على البحر الأحمر تفرض ضرورات المملكة الجيوسياسية عدم وجود سلطة معادية فيه. لذلك؛ كانت السعودية من أبرز الداعمين الاقتصاديين للسودان منذ سبعينيات القرن الماضي، بحسب التقرير.
ويضيف: "سواء تم هذا بقصد أم لا؛ فإن الدور السعودي والإماراتي منذ سقوط نظام البشير همّش الدور المصري في السودان وقيّد فاعليته بصورة لافتة، فباتت الرياض وأبوظبي تتقاسمان النفوذ فيه على حساب النفوذ المصري التاريخي".
فبينما قامت المقاربة المصرية على الاستثمار في الجيش كمؤسسة مركزية تقليدية، راهنت السعودية والإمارات على إضعاف دور الجيش السياسي لإبعاد "شبح الإسلاميين".
تجلى هذا في الاتفاق الإطاري الذي لم يكن محل ترحيب مصري، ثم بات أكثر وضوحا في تحالف القوى السياسية الموالية للإمارات مع "حميدتي" تحت شعار مواجهة الإسلاميين في الجيش.
محدودية الدور المصري
ويقول التقرير إنه عند بدء القتال؛ مثلت اتصالات وزير الخارجية الأمريكي مع وزيري خارجية السعودية والإمارات لبحث الأزمة، ثم مساعي عقد المفاوضات في جدة، مؤشراً مهما على حدود دور مصر التي رغم تعزيز تحالفها مع البرهان، كانت قدرتها على توفير الدعم اللازم لتعزيز موقعه دائما محدودة في ظل قصور الموارد المصرية اقتصاديا وتراجع نفوذها في المنطقة سياسيا.
ويضيف أن المعلومات تشير إلى أن القاهرة قدمت دعما عسكريا جويا للجيش السوداني في بداية المعركة الحالية.
لذلك؛ ليس من المستبعد - حسب التقرير- أن تلجأ إلى تقديم دعم أوضح إذا قدرت أن السلطة المركزية في السودان ستتعرض للهزيمة والانهيار، بما يمثل تهديدا لمصالح مصر؛ فاستمرار القتال يضعف من موقف القاهرة – المتراجع أصلا- في أزمة سد النهضة.
وعند ذلك سيكون من المتعذر على مصر بناء توافق مع السودان في مواجهة أثيوبيا إذا تدهورت الأوضاع في السودان إلى فصائل متحاربة بدلا من حكومة مركزية يسيطر على قرارها قادة الجيش.
وينبه تقرير "أسباب" إلى مشكلة تدفق اللاجئين عبر الحدود المصرية السودانية قائلا إنه ينذر بمزيد من التداعيات الاقتصادية في وقت تعاني فيه القاهرة بالفعل.
كما من المرجح - بحسبه- تنامي أنشطة التهريب عبر الحدود كلما تدهورت الأوضاع وطال أمد الأزمة في السودان مما سيكون له انعكاسات أمنية سلبية على مصر.
تهديد للعلاقات
وبحسب التقرير فإن الدول الثلاث، السعودية ومصر والإمارات، تحرص على إدارة تبايناتها الإقليمية بما يضمن عدم تضرر علاقاتها الاستراتيجية.
لكنّ تزايد وتعدد أوجه هذه التباينات مؤخرا، يجعل علاقات هذه الدول أكثر تعقيدا من أي وقت مضى؛ إذ تتفهم الأطراف الإقليمية والدولية أهمية السـودان بالنسبة لمصر، لكنّ النفوذ السعودي والإماراتي بات أمر واقعا لا يمكن تجاوزه.
وبينما يمكن للقاهرة التدخل في الصراع لترجيح كفة الجيش، فإن نفوذ كل من السعودية والإمارات سيظل ضروريا للتوصل لتسوية في نهاية المطاف، خاصة وأن المؤشرات حتى الآن ترجح أن الأطراف الثلاثة تميل لاحتواء الصراع ووقف المعارك، حتى وإن ظلت هناك تباينات بينها حول طبيعة الحل السياسي الذي تفضله كل منها.
والأحد الماضي عقدت الجامعة العربية، دورة غير عادية لوزراء الخارجية العرب لبحث الأزمة في السـودان، بناء على طلب مصر وبالتنسيق مع السعودية.