علاقات » عربي

ماذا تعني عودة العلاقات الدبلوماسية بين السعودية وسوريا؟

في 2023/05/11

طه العاني - الخليج أونلاين- 

يكتسب قرار عودة التمثيل الدبلوماسي بين السعودية والنظام السوري أهمية خاصة، بالنظر لما تمتلكه الرياض من ثقل عربي ومكانة إقليمية ودولية.

ويشدد مراقبون على ضرورة أن يسهم قرار عودة سوريا إلى الجامعة العربية مؤخراً في مواصلة الضغوط على النظام السوري بهدف التوصل إلى حل سياسي للأزمة السورية، وتهيئة الظروف الملائمة وتأمين عودة اللاجئين والنازحين السوريين إلى مناطقهم.

التمثيل الدبلوماسي

ويأتي قرار الرياض ودمشق استئناف عمل بعثتيهما الدبلوماسية ليؤكد رغبة البلدين في تحقيق المزيد من التقارب، بعد قطيعة دامت أكثر من 10 سنوات.

وقال بيان لوزارة الخارجية السعودية، مساء الثلاثاء 9 مايو 2023، إن عودة عمل البعثة الدبلوماسية في دمشق "يأتي انطلاقاً من روابط الأخوة التي تجمع البلدين، وحرصاً على تطوير العمل العربي المشترك، وتعزيز الأمن والاستقرار في المنطقة".

وأشارت الوزارة، في بيان نشرته وكالة الأنباء السعودية "واس"، إلى أن الخطوة هذه أخذت في الحسبان قرار مجلس وزراء الخارجية العرب باستئناف مشاركة وفود سوريا في اجتماعات الجامعة العربية.

من جانبها نقلت وكالة الأنباء السورية "سانا" عن مصدر من وزارة الخارجية والمغتربين، قوله إن قرار بلاده استئناف عمل بعثتها الدبلوماسية في السعودية ينطلق من الروابط العميقة ويجسّد تطلعات شعبي البلدين، ويخدم العمل العربي المشترك.

وكانت السعودية قد كشفت، في مارس الماضي، عن محادثات تجريها مع النظام السوري تتعلق باستئناف الخدمات القنصلية بين البلدين.

يذكر أن قرار عودة التبادل الدبلوماسي جاء بعد يومين من إعلان الجامعة العربية استئناف مشاركة النظام السوري في اجتماعاتها، بعد أكثر من 11 عاماً على تعليق أنشطة دمشق، على خلفية الأزمة السورية.

وكان وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان أجرى، في 18 أبريل الماضي، أول زيارة رسمية سعودية لدمشق منذ قطع علاقات البلدين، والتقى خلالها بالرئيس الأسد.

كما أجرى وزير الخارجية السوري، فيصل المقداد، جولة على دول عربية، بينها مصر وتونس والأردن والجزائر والسعودية.

وقطع الأسد عزلته العربية بزيارتين أجراهما قبل نحو شهرين، للإمارات وسلطنة عمان، حيث إنه لم يقم بزيارة أي دولة عربية أخرى منذ اندلاع الأزمة السورية.

ومع عودة العلاقات الرسمية مع السعودية أثيرت التساؤلات حول احتمالية مشاركة الأسد في القمة العربية المرتقبة في السعودية في 19 مايو المقبل، قبل أن يتلقى دعوة رسمية من العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز.

مكاسب وعوائق

وتشتمل عودة العلاقات السعودية السورية على العديد من المكاسب المهمة للبلدين، لكنها في المقابل تواجه الكثير من العوائق والتحديات.

ويشير المعهد الدولي للدراسات الإيرانية، ومقره الرياض، إلى أن الطرفين السعودي والسوري يتطلعان من خلال استئناف العلاقات إلى تحقيق جملة من الغايات على الأصعدة الداخلية والخارجية.

وبحسب تقرير المعهد، الصادر في 13 أبريل 2023، فإن المملكة تهدف إلى محاولة تصفير المشكلات، وإزالة العقبات الدبلوماسية للمباشرة في التعاطي مع المسائل الخلافية، ضمن مساعيها لقيادة البيت العربي.

كما تحاول السعودية الضغط على الولايات المتحدة، في ضوء التحولات التي تطرأ على ميزان العلاقات الدولية، وتنويع خياراتها، في إدارة توازنات المنطقة بما يخدم مصالحها الاستراتيجية، فضلاً عن التصدي لعمليات تهريب المخدرات من سوريا، التي امتدت إلى دول الخليج.

وفي المقابل تسعى سوريا -بحسب التقرير- إلى كسر عزلتها الدولية واستعادة مكانتها بين الدول العربية، كما تريد تحسين الاقتصاد من خلال الحصول على الدعم العربي، وزيادة التبادل التجاري، واستقطاب الاستثمارات وشركات الإعمار.

لكن يبدو أن الطريق بين دمشق والرياض ليس مفروشاً بالورود؛ حيث يحتفظ البلدان بوجهات نظر متناقضة حول عدة ملفات عالقة، وخاصة فيما يتعلق بالساحة اللبنانية.

كما يشكّل ارتهان القرار السوري للتأثير الروسي والإيراني إحدى العقبات الرئيسية أمام علاقات البلدين، بالإضافة إلى انقسام سوريا إلى مناطق نفوذ لعدة فاعلين مؤثرين في المنطقة.

وتعتبر العقوبات الأمريكية على النظام السوري من أبرز العراقيل أمام تقدم العلاقات بين الرياض ودمشق، خصوصاً في المجالات الاقتصادية والتجارية، حيث يفرض قانون "قيصر" الأمريكي عقوبات على أي حكومة أو شركة أو فرد يتعامل مع الحكومة السورية في أربعة قطاعات حيوية، منها الطاقة، والطيران، والتحويلات المالية والمصرفية، والبناء والهندسة.

توجه عربي

ويبين أستاذ الجغرافية السياسية، مثنى مشعان المزروعي، أن ما يجري الآن في منطقة الشرق الأوسط هو حراك سياسي دؤوب ينبئ بتغيير في المرحلة القادمة.

ويشير، في حديثه مع "الخليج أونلاين"، إلى أن هناك توجهات عربية عامة لإعادة سوريا إلى الحضن العربي، بعد أن عملت دمشق "بكل جهدها من خلال نظامها السياسي على إعادة علاقاتها مع الدول العربية، لا سيما مع دول الخليج، وذلك لأن لها تأثيراً كبيراً على السياسة الخارجية".

ويرى أن "عودة العلاقات الخليجية السورية تعود بفائدة سياسية كبيرة على سوريا، أولها بقاء النظام السياسي في دمشق"، مضيفاً أن عودة العلاقات السعودية الخليجية مع سوريا ستفتح آفاقاً سياسية واقتصادية جديدة من الممكن أن تساهم في إعادة تأهيل البنى التحتية التي دمرتها الحرب في سوريا.

ويستدرك الأكاديمي أن عملية التطبيع ستتبعها تحركات سياسية وتبادل للزيارات، وبالتأكيد عودة إلى الحضن العربي، وللجامعة العربية، ولمنظمة المؤتمر الإسلامي، فهي عودة سياسية شاملة إلى المنطقة العربية.

جدل تطبيع العلاقات

وفيما اتجهت كثير من الدول العربية إلى استئناف علاقاتها مع النظام السوري، التزمت قطر والكويت برفض التطبيع قبل أن يقوم الأسد بخطوات جادة لمعالجة جذور الأزمة.

وجدد المتحدث الرسمي للخارجية القطرية، ماجد الأنصاري، في 7 مايو 2023، موقف بلاده الرافض للتطبيع مع النظام السوري قبل تحقيق تطلعات الشعب السوري.

ونقلت وكالة الأنباء القطرية "قنا" عن الأنصاري قوله: إن "دولة قطر تسعى دائماً لدعم ما يحقق الإجماع العربي، ولن تكون عائقاً في سبيل ذلك، لكن الموقف الرسمي لدولة قطر من التطبيع مع الحكومة السورية قرار يرتبط في المقام الأول بالتقدم في الحل السياسي الذي يحقق تطلعات الشعب السوري الشقيق".

وأعرب الأنصاري عن "تطلع الدوحة إلى العمل مع الأشقاء العرب في تحقيق تطلعات الشعب السوري الشقيق في الكرامة والسلام والتنمية والازدهار، وأن يكون هذا الإجماع دافعاً للحكومة السورية لمعالجة جذور الأزمة التي أدت إلى مقاطعته".

بدوره شدد وزير الخارجية الكويتي، الشيخ سالم عبد الله الجابر الصباح، على ضرورة التزام الحكومة السورية بتنفيذ التفاهمات والالتزامات التي تضمنها القرار العربي، وبشكل خاص ما يتعلق بالملف الإنساني والعودة الآمنة للاجئين والنازحين، وتهريب المخدرات، وفق الآليات التي نصت عليها قرارات مجلس الأمن ذات الصلة.

رفض غربي

وقوبلت تحركات الدول العربية إلى مصالحة النظام السوري قبل التوصل إلى صيغة لحل الأزمة السورية بانتقادات دولية.

وأعربت الإدارة الأمريكية عن توجسها من خطوات التطبيع مع النظام السوري في الوقت الراهن، مؤكدة أن الوقت ما يزال مبكراً على ذلك.

وقال وزير الخارجيّة الأمريكي، أنتوني بلينكن، في مؤتمر مشترك مع نظيره البريطاني، في 9 مايو 2023: "لا نعتقد أنّ سوريا تستحقّ إعادتها إلى الجامعة العربيّة، أوضحنا هذه النقطة لجميع شركائنا الإقليميّين، لكن يتعيّن عليهم اتّخاذ قراراتهم بأنفسهم".

بدوره قال وزير الخارجية البريطاني، جيمس كليفرلي، إن بلاده منزعجة من عودة سوريا غير المشروطة إلى الجامعة العربية، مشيراً إلى أن بلاده أبلغت شركاءها في المنطقة بذلك.

وشدد كليفرلي على ضرورة عدم تجاهل الوحشيّة ضد الشعب السوري، مشيراً إلى وجود ضغوط هائلة على دول المنطقة.