علاقات » عربي

تواجه أزمة اقتصادية حادة.. هل تنقذ الرياض وأبوظبي حكومة اليمن؟

في 2023/07/14

يوسف صالح - الخليج أونلاين-

تواجه الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً أزمة اقتصادية جديدة مع نقص كبير في الموارد بسبب إجراءات جماعة "الحوثي"، وهو ما دعاها إلى إطلاق نداء طلب مساعدة اقتصادية عاجلة، كان آخره من الإمارات؛ خشية تدهور مالي جديد قد يزيد معاناة اليمنيين.

يأتي هذا في ظل نُذُر أزمة اقتصادية حادة يعيشها اليمن بعد نحو 9 أشهر من منع جماعة الحوثي تصدير الخام بعد قصف موانئ التصدير آنذاك، وكذلك معلومات عن قرب نفاد الاحتياطي من النقد الأجنبي، والذي صاحبه تدهور سريع في قيمة العملة اليمنية خلال الأيام الماضية.

وبينما أكدت الحكومة اليمنية، منتصف يونيو الماضي، "الدور المعول على الأشقاء في تحالف دعم الشرعية بقيادة السعودية والإمارات، في هذه المرحلة الحرجة والاستثنائية، لدعم جهود وإجراءات الحكومة، وتقديم حزمة دعم عاجلة؛ للمساهمة في تخفيف معاناة المواطنين"، دعت الإمارات إلى الإسراع بتقديم مساعدات مالية عاجلة.

لماذا السعودية والإمارات؟

مؤخراً وتحديداً في (12 يوليو 2023)، حمّل البنك المركزي اليمني مليشيا الحوثي مسؤولية تدهور العملة المحلية، ودعا الإمارات العربية المتحدة إلى الإسهام في دعم الريال "بشكل سريع".

ووفق ما أورده البنك في بيان على موقعه الإلكتروني، ثمّن البنك المركزي اليمني استجابة السعودية بدعم الشعب اليمني في هذه الأوقات الصعبة، وأعرب عن أمله في إسهام الإمارات "بشكل فعال وسريع كما هو متوقع منها".

واتهم البنك مليشيا الحوثي بالتورط في حملة تستهدف الاقتصاد، مؤكداً ضرورة تشديد الإجراءات ومعاقبة المتلاعبين الذين يؤثرون على الاستقرار الاقتصادي ومعيشة الشعب.

وتخصيص الحكومة اليمنية طلبها المباشر، للسعودية والإمارات؛ لكونهما الأكثر انخراطاً في الشأن اليمني، وسبق أن تعهدتا قبل أكثر من عام بتقديم ملياري دولار كوديعة دعماً لاقتصاد البلد، عقب القرار الذي أصدره الرئيس اليمني السابق عبد ربه منصور هادي، في أبريل 2022، بتشكيل مجلس قيادة رئاسي ونقل صلاحياته إليه.

وتأخر إعلان تقديم الدعم حتى فبراير من العام الحالي، حين أعلن عن التوقيع على تقديم الوديعة السعودية البالغة مليار دولار، في حين أعلن رئيس الحكومة اليمنية أن الإمارات أودعت ملياراً و100 مليون درهم إماراتي (300 مليون دولار)، في نوفمبر من العام الماضي، كدفعة أولى من الوديعة.

شكوك بشأن نفاد الاحتياطي النقدي

وسبق أن نقلت وكالة "رويترز" مطلع يونيو الماضي عن ثلاثة مصادر في الحكومة اليمنية قولهم، إن الاحتياطي النقدي لدى البنك المركزي انخفض بشدة ويقترب من النفاد، وأن التعهدات المالية التي أعلنت عنها السعودية والإمارات قبل عام لم تصل حتى الآن.

وقالت الوكالة، إن زيارة رئيس مجلس القيادة الرئاسي، رشاد العليمي، في مايو الماضي، إلى أبوظبي كانت بهدف طلب تقديم مبالغ الدعم التي أعلنتها الإمارات، وإن رئيس الحكومة غادر عدن مطلع يونيو المنقضي إلى الرياض في مسعى للبحث عن دعم سعودي عاجل.

لكن البنك المركزي اليمني نفى المعلومات بشأن قرب نفاد الاحتياطي النقدي لديه، وقال إنه يمتلك احتياطيات كافية لتغطية نفقة الاستيراد، رغم الصعوبات الكبيرة من جراء فقدان جزء كبير من الإيرادات بسبب توقف تصدير النفط وكذلك إجراءات الحوثيين بحق القطاع الخاص.

يرى الصحفي اليمني المتخصص في الشأن الاقتصادي، وفيق صالح، أن احتياطي النقد الأجنبي للبنك المركزي اليمني في وضع "حرج للغاية"؛ لأن الصادرات النفطية متوقفة منذ 8 أشهر وعائدات النفط الخام كانت تشكل العائد الوحيد للبنك المركزي من العملة الأجنبية.

وأضاف، في حديث لـ"الخليج أونلاين"، أنه "من الطبيعي أن يتلاشى الاحتياطي النقدي للبنك المركزي مهما كان حجمه في الحسابات الخارجية للبنك"، موضحاً: "بدون أن يكون هناك ديمومة واستدامة لمصادر البنك المركزي من العملة الصعبة فهذا الاحتياطي سيتلاشى".

مناشدات سابقة.. وغضب شعبي

هذه المناشدات ليست الوحيدة للحكومة اليمنية، لكنها جاءت بلهجة طلب عاجل خلال اجتماع استثنائي للبنك المركزي، وأيضاً الاجتماع السابق للحكومة منتصف يونيو الماضي، والذي أعلنت فيه اتخاذ إجراءات إضافية لمواجهة التحديات والصعوبات القائمة في الجوانب الاقتصادية، خاصةً تراجع الخدمات الأساسية وفي مقدمتها الكهرباء، ووقف تراجع العملة الوطنية، وارتفاع أسعار السلع.

ويأتي ذلك في ظل تراجع قيمة الريال اليمني منتصف يوليو 2023 أمام العملات الأجنبية، حيث وصل سعر صرف الدولار إلى نحو 1450 ريالاً في مناطق سيطرة الحكومة، بعد أن كان نحو 1200 مطلع يونيو الماضي.

وشهدت مدن عدن والمكلا وتعز والحوطة (مركز محافظة لحج) في اليمن، (12 يوليو)، احتجاجات شعبية تنديداً باستمرار تدهور العملة المحلية التي شهدت انهياراً سريعاً خلال الأيام الأخيرة.

وبالتزامن مع ذلك، أغلقت محلات تجارية في عدن ومدن أخرى، من بينها لحج وأبين والمكلا وتعز، أبوابها بسبب اضطراب سوق الصرف، وتغير أسعار السلع تبعاً لذلك.

إلى ذلك، وخلال لقاء جمعه بسفير فرنسا لدى اليمن (12 يوليو)، وعد رئيس مجلس القيادة الرئاسي، رشاد العليمي، بالتدخل العاجل لضمان استقرار العملة بدعم إقليمي ودولي.

كما نقلت وسائل إعلام يمنية، أن العليمي استدعى محافظ البنك المركزي اليمني أحمد غالب المعبقي ووزير المالية سالم بن بريك إلى الرياض، للتوقيع على اتفاقية الدعم السعودي للموازنة العامة للدولة، لكن لم تعلن أي وسائل إعلام رسمية عن ذلك حتى اليوم (13 يوليو).

حلول غير دائمة

لكن اعتماد الحكومة اليمنية على المساعدات لن يكون حلاً دائماً، حيث يقول الصحفي المختص بالشأن الاقتصادي وفيق صالح إنه "لا بد أن يكون هناك معالجات وحلول سريعة في حشد الدعم الدولي والحصول على منح وقروض وهبات دولية".

وأضاف، في حديثه لـ"الخليج أونلاين"، أنه "مهما كان حجم الدعم المرتقب من السعودية والإمارات بدون إصلاحات شاملة ودعم استئناف الصادرات النفطية والغازية، وكذلك عمل إصلاحات هيكلية في المؤسسات الحكومية والقطاعات العامة، ستظل عملية الدعم هذه مجرد مهدئات مؤقتة ولا يعول عليها لإعادة انعاش الوضع الاقتصادي".

ويعاني الاقتصاد اليمني انهياراً سبّبته أكثر من ثمان سنوات من الحرب، كما يعيش انقساماً اقتصادياً حاداً بين مناطق سيطرة الحكومة اليمنية ومناطق سيطرة الحوثيين، ويشمل ذلك الانقسام في قيمة العملة مع تمسك الحوثيين بالأوراق النقدية القديمة للريال اليمني، وتداول أوراق جديدة في مناطق سيطرة الحكومة؛ وهو ما خلق فجوة كبيرة تصل إلى أكثر من الضعف في تعاملات المواطنين الساكنين في الجانبين.

وفرض الحوثيون إجراءات أمنية على التعاملات الاقتصادية، واستخدموا الأوراق النقدية القديمة من الريال اليمني، ما جعل سعر صرف الدولار في مناطق سيطرتهم يستقر عند نحو 550 ريالاً، في مقابل نحو 1450 ريال للدولار الواحد بمناطق سيطرة الحكومة التي تستخدم الأوراق النقدية الجديدة المطبوعة خلال السنوات الماضية.

وقال محافظ البنك المركزي اليمني، في مقابلة بثها التلفزيون الحكومي اليمني (11 يونيو 2023)، إن البنك المركزي استطاع تحقيق بعض الاستقرار رغم حرمانه من واردات النفط الأساسية للنقد الأجنبي، إضافة إلى حرمانه من جزء كبير من الجمارك والضرائب من جراء فتح ميناء الحديدة غربي اليمن، الذي تسيطر عليه جماعة الحوثيين.

هل هناك ضغوط على اليمن؟

وحتى الآن، ليس هناك أي تعليق من جانب السعودية والإمارات على مناشدات تقديم مساعدات اقتصادية للحكومة اليمنية، فيما تقول وسائل إعلام محلية إن تجاهل تقديم مساعدات يأتي في سبيل الضغط على الحكومة لتقديم تنازلات لجماعة الحوثيين للتوصل إلى اتفاق سياسي مرتقب.

وقال بيان صادر عن خبراء صندوق النقد الدولي، يوم (7 يونيو 2023)، إن "هناك حاجة ماسة للدعم الخارجي لليمن للتخفيف من ضغوط التمويل، وتقليل التمويل النقدي، وحماية سعر الصرف واستقرار الأسعار الذي تم الحصول عليه بشق الأنفس".

وأضاف البيان الذي جاء بعد لقاءات مستمرة أجراها الخبراء مع مسؤولين اقتصاديين يمنيين ومن المانحين، أن على المانحين استمرار الانخراط لسد الفجوات المتبقية في الاقتصاد مع زيادة توافر التمويل، وأن سرعة الدعم تعد أمراً أساسياً.

ومنعت جماعة الحوثي بالقوة الحكومة من تصدير النفط الخام منذ نهاية العام الماضي (2022)، وشنت قصفاً بطائرات مسيرة، في نوفمبر الماضي، استهدف موانئ تصدير النفط الرئيسة في حضرموت وشبوة شرقي اليمن؛ لمنع اقتراب ناقلات نفط كانت تنوي تصدير النفط.

وإلى جانب ذلك، أجبر الحوثيون القطاع الخاص على استيراد السلع والبضائع عبر ميناء الحديدة الذي فُتح خلال الأشهر الماضية بعد تفاهمات مع السعودية، ومقاطعة الموانئ الخاضعة لسيطرة الحكومة، وهو ما حرم الحكومة من إيرادات قدرها نحو 50 مليار ريال يمني شهرياً (نحو 27.5 مليون دولار) بحسب محافظ البنك المركزي.

وقالت وزارة الخارجية الأمريكية، في الـ8 من يونيو الماضي، إن الوزير أنتوني بلينكن اجتمع في الرياض مع العليمي، وعبر عن قلقه من أفعال الحوثيين التي تحول بين اليمنيين والموارد، كما أبلغه أن على أطراف الصراع في اليمن التوصل إلى اتفاق جديد وأكثر شمولاً لإنهاء الحرب.