(أحمد شوقي \ راصد الخليج)
بعد إشارات إيجابيّة اتخذتها السعوديّة تُوحي بانتهاء الحرب في اليمن، وبعد تجديد الهدنة لأكثر من مرّة، إلّا أنّ بوادر التسوية السياسيّة العمليّة والواقعيّة لمّا تتحقق بعد.
إذ ما يزال الحصار لليمن مستمرًا، وما تزال الأوضاع مزرية فيما يتعلّق بالشعب اليمني، وكذلك ما تزال التعقيدات السياسيّة والتدخّلات الدوليّة تشكّل صواعق تفجير تنتظر شرارة صغيرة لعودة الحرب.
ورغم كلّ التقارير الدوليّة التي تفيد بأنّ السعوديّة ترغب في اتباع سياسة "صفر مشاكل" للتفرّغ لمشروعها الطموح، وتاليًا إبقاء النفط عند أسعار مرتفعة وتسوية الخلافات الحادة التي يمكن أن تنذر بحروب تهدّد مستقبل مشروع الأمير "محمّد بن سلمان"، عبر التهدئة مع إيران ومحاولات التقارب وعودة السّفارات، وكذلك الدخول في صفقات إقليميّة لا تستثني دولة الاحتلال "إسرائيل"، إلا أنّ هناك فيما يبدو استهانةً بالملف اليمني وعدم وضعه على جدول خطة تصفية المشاكل والنزاعات.
ومؤخرًا، أعلنت وزارة الخارجيّة الأمريكيّة عن زيارة سيقوم بها المبعوث الأمريكي الخاص لليمن "تيم ليندركينغ" إلى منطقة الخليج. وأوضحت، في بيان لها، أنّ زيارته تهدف إلى "دفع الجهود الجارية التي تقودها الأمم المتّحدة لتوسيع الهدنة في اليمن، وإطلاق عمليّة سلام شاملة".
وقالت الخارجية الأمريكيّة في بيانها: "أمريكا ملتزمة بدعم حلّ للصراع اليمني في أقرب وقت ممكن، نحن نعمل عن كثب مع الأمم المتّحدة والمملكة العربيّة السعوديّة والإمارات العربيّة المتّحدة وسلطنة عمان والشركاء الآخرين، للبناء على الهدنة التي توسطت فيها الأمم المتّحدة، والتي قدّمت أطول مرحلة هدوء منذ بدء الحرب، وتمكين اليمنيين من تشكيل مستقبل أكثر إشراقا لبلدهم".
إلّا أنّ الأوضاع على الأرض تتناقض مع ما تعلنه أمريكا، كما أنّ القراءة اليمنيّة لهذه التحركات والتصريحات المتناقضة والإجراءات العمليّة، هي قراءة متشائمة وتصل إلى درجة الاستفزاز والغضب والتلويح بتجدّد المعارك مرة أخرى.
هذه القراءة أوضحها "توفيق الحميري"، وهو مستشار وزارة الإعلام في حكومة الإنقاذ في العاصمة اليمنيّة صنعاء، والذي قال في تصريحات صحفية: "عندما نقرأ تصريح الخارجية الأمريكيّة عن زيارة مبعوثها لليمن إلى المنطقة، هو في الحقيقة لم يأتِ إلى اليمن؛ لكنّه سيذهب إلى الإمارات والسعوديّة لمناقشة إمكان التوصل إلى وقف دائم لإطلاق النار في اليمن - بحسب بيان الخارجية الأمريكية- والتخفيف من معاناة المواطنين كما زعم البيان، وعند إسقاط هذا التصريح على المؤشرات على الأرض، نجد أنّ جميع الشواهد تؤكد عدم وجود نية حقيقيّة عند الأمريكان في التوصل إلى تهدئة".
وتابع "الحميري": "التعزيزات العسكريّة الأمريكيّة تؤكد عدم جديّة الأمريكيين لتحقيق أي سلام في اليمن. وعلى المستوى الاقتصادي نجد أنّ كلاً من واشنطن ولندن وباريس يرفضون كلّ ما يتعلّق ببند مرتّبات موظفي الجمهورية اليمنيّة، وهذا ما يؤكد عدم جديّة العدوان في التوصل إلى تهدئة في البلاد، بحكم أنّهم المتحكّمون في أي تحرك أو قرار".
وأشار الحميري" إلى أنّ: "كلّ ما يدور في الميدان يخالف كلّ ما جاء في تصريحات الخارجية الأمريكيّة. ونرى أن زيارة المبعوث الأمريكي هي نوع من التصعيد، ولا تختلف عن التعزيزات العسكريّة الأمريكيّة في البحر الأحمر وبالقرب من المياه الإقليميّة اليمنيّة".
وحول إمكان عودة استهداف السعوديّة يقول "الحميري": "عندما نستهدف المصالح السعوديّة أو شركة أرامكو -على سبيل المثال- فإنّنا نستهدف أمريكا والدولار الأمريكي؛ لأنّ هؤلاء ما همّ إلا أدوات، وفي المرحلة القادمة لن تكون القوات الأمريكيّة بمنأى عن ضرباتنا".
ووفقًا لهذا المناخ، فإنّ الخلافات السعوديّة- الإماراتيّة من جهة، والهيمنة الأمريكيّة والغربيّة على الملف اليمني من جهة أخرى، قد تعيد الحرب مجددًا. وهذا ما يتناقض والمصالح السعوديّة وخريطة الطريق التي يحاول إرساءها الأمير "محمّد بن سلمان".
فهل تذهب الطموحات السعوديّة أدراج الرياح، بسبب خضوعها لهيمنة أمريكا؟
هل كان كلّ ما أبدته السعوديّة من شواهد للاستقلال النسبي عن أمريكا مجرد أوهام؟
الوضع جد خطير، وبحاجة لمعالجة حكيمة وشجاعة وعدم الاستهانة بالملف اليمني، أو الوقوع في خطأ قاتل يرى أنّ جماعة الحوثي تابعة لإيران، وأنّ التهدئة مع إيراّن كفيلة بضمان الهدنة في اليمن.. فجماعة الحوثي (انصار الله)، كما تثبت الوقائع مستقلّة، وايران كما قالت في أكثر من مناسبة لا تتدخّل في شؤونها أو في شؤون غيرها من البلدان، وهو ما أثبتته الاحداث في جبهات متعدّدة.