كمال السلامي - الخليج أونلاين-
في أول تحرك له خارج القيادة العامة للجيش بالخرطوم، يبدأ رئيس مجلس السيادة السوداني، القائد العام للجيش عبد الفتاح البرهان، زيارة خارجية يستهلها بمصر، وتشمل كلاً من السعودية والإمارات.
ونقلت وكالتا "رويترز"، و"فرانس برس"، عن مصادر حكومية، قولها إن البرهان يعتزم مغادرة السودان لإجراء محادثات في عدد من دول الجوار، دون أن تحدد المصادر هوية تلك الدول، لكن مصادر لقناة "العربي"، وموقع "سودان تريبيون"، أكدت أن الزيارة تشمل إلى جانب مصر، السعودية والإمارات.
ومنذ اندلاع المعارك في 15 أبريل الماضي، بين الجيش السوداني بقيادة البرهان، وقوات الدعم السريع، بقيادة محمد حمدان دقلو، المعروف بـ"حميدتي"، انحصرت تحركات الأول داخل مقر القيادة العامة للقوات المسلحة السودانية في الخرطوم.
لكنه اليوم، خارج ذلك المربع، بعيداً عن أصوات الانفجارات وسُحب الدخان، فما دلالة تلك الزيارة، وتوقيتها، وكيف ستؤثر على المشهد السوداني؟
ظهور أول على وقع الانفجارات
فجر الخميس 24 أغسطس، ظهر البرهان في مدينة أم درمان (30 كيلومتر غرب الخرطوم)، مبتهجاً والجنود حوله يرددون الشعارات، كما نشرت حسابات الجيش السوداني مقاطع له وهو يتفقد قاعدة لسلاح المدفعية في منطقة عطبرة، التابعة لولاية نهر النيل شمال الخرطوم.
وبعد زيارة أم درمان وعطبرة، وصل البرهان، الأحد 27 أغسطس، إلى مدينة بورتسودان، بعد أكثر من 130 يوماً من الوجود داخل مقر القيادة العامة للجيش، ومن المتوقع أن يغادر في أول زيارة خارجية له منذ اندلاع القتال في 15 أبريل الماضي.
وتعليقاً على ظهور البرهان خارج الخرطوم، اعتبر مستشار قائد قوات الدعم السريع، مصطفى محمد إبراهيم، ذلك بمنزلة الانتصار لقواته، وفقاً لتصريح أدلى به لوكالة أنباء العالم العربي، الخميس 24 أغسطس.
وبينما كان البرهان في طريقه إلى خارج البلاد بأول جولة له منذ بداية الصراع، كان الطيران الحربي التابع لقواته، يشن غارات مكثفة على مواقع قوات الدعم السريع في مناطق متفرقة من الخرطوم.
وبحسب وسائل إعلام سودانية، استهدفت مقاتلات الجيش السوداني مواقع للدعم السريع وسط وجنوب الخرطوم، ومحيط القصر الجمهوري، كما وقع انفجار ضخم أعقبه حريق جراء استهداف مستودع أسلحة ووقود تابع لقوات الدعم في محيط مطار الخرطوم.
وتبادل الجانبان القصف، السبت 26 أغسطس، حيث أكدت قوات الدعم أنها استهدفت مواقع للجيش وسط أم درمان، رداً على القصف الأعنف للجيش منذ أسابيع.
وعادةً ما يتبادل الجانبان (الجيش والدعم السريع)، بيانات السيطرة والتقدم، في المعارك الدائرة بالسودان منذ أكثر من أربعة أشهر، وسط تحذيرات دولية من مخاطر استمرار القتال.
دلالة الخروج للشارع
لا شك في أن خروج البرهان من مقر قيادة الجيش بالخرطوم، بعد 130 يوماً من المرابطة فيه، يمثل في الميزان السياسي والعسكري بعض الدلالة، كما أنه يعكس واقع تغير موازين القوى على الأرض.
ووفقاً للباحث والمحلل السوداني عباس محمد صالح عباس، فإن هذه الزيارة "تمثل تأكيداً لشرعية مؤسسة قوات الشعب، وشرعية البرهان، بصفته القائد العام للقوات المسلحة".
ولفت عباس، في تصريح لـ"الخليج أونلاين"، إلى أن الزيارة تكتسب أهميتها أيضاً، من "كونها تأتي في ظل حملات تشكيك، وأحاديث جرى ترويجها مؤخراً من قبل بعض الدوائر، عن وجود فراغ في قيادة البلاد، يستوجب البحث عن قيادة بديلة، وكذا إعادة بناء القوات الأمنية في البلاد، وهو ما يعني الطعن في قيادة البلد سياسياً وعسكرياً".
وأضاف الباحث والمحلل السوداني: "خروج البرهان إلى خارج الخرطوم وخارج البلاد، كَسَر سردية حصار القيادة العامة للقوات المسلحة وقيادتها، ومن ثم الطعن في قدرتها على حسم ما تراه تمرداً مسلحاً، وليس مجرد أزمة سياسية يعد الجيش طرفاً فيها".
وتطرق إلى "فرضيات أُسست على هذه السردية، بشأن سيطرة قوات الدعم السريع، ومن ثم ضرورة الدخول معها في عملية تفاوض تتبعها تدابير لوقف الأعمال العدائية، وصولاً لتكوين جيش مهني واحد، وهو التوجه الذي تتجنبه القوات المسلحة وقيادتها"، وفقاً للمحلل السياسي السوداني.
وأشار إلى أن خروج البرهان "يعكس إلى حدٍّ كبير لصالح من تسير موازين القوة على الأرض، كما أن خروجه يعطي مؤشراً على أن الجيش قد استعاد زمام المبادرة بعد امتصاص الصدمة جراء حرب المدن التي واجهها من عناصر قوات الدعم السريع، علاوة على ذلك فإنه يكسر فرضية محاصرة البرهان وعدم مقدرته على الحركة، ومن ثم ضعف موقفه وموقف القوات المسلحة نفسها".
بُعد معنوي
ويؤيد هذا القول مدير المركز الأفريقي للأبحاث ودراسة السياسات، محمد صالح عمر، الذي قال إن خروج البرهان جاء رداً على الدعاية التي أطلقها إعلام ونشطاء الدعم السريع، حول أنه (البرهان) لا يستطيع الخروج من مقر قيادة القوات المسلحة، واصفاً تلك الدعاية بـ"الكاذبة".
وأشار عمر لـ"الخليج أونلاين"، إلى أن هناك بعداً معنوياً في خروج البرهان من القيادة العامة، ووصوله إلى عدد من المواقع في السودان، إضافة إلى أنه "خرج ليتابع المؤسسات المدنية التي تدير الشأن السوداني من بورتسودان، وهذه نقطة أخرى في غاية الأهمية.
ولفت إلى أنه ذهب أيضاً "للتشاور مع القيادات المدنية التي تدير دولاب الدولة، من الوزراء الموجودين، والمسؤولين المكلفين في الوزارات التي ليس فيها وزراء في بورتسودان".
لماذا الرياض وأبوظبي؟
بالنظر إلى طبيعة العلاقات التي نسجتها الأطراف السودانية منذ تأسيس مجلس السيادة السوداني في أغسطس 2019، وصولاً إلى اندثار التوافق، واندلاع المعارك في 15 أبريل الماضي، ليس غريباً أن تكون السعودية والإمارات ومصر الوجهة الأولى للبرهان.
ووفقاً لمدير المركز الأفريقي للأبحاث ودراسة السياسات، فإن زيارة كل دولة تكتسب أهميتها من طبيعة دور تلك الدولة في السودان، خلال الفترة الحالية والسابقة.
وأوضح أن زيارة البرهان لمصر، "لكون الأخيرة جارة، ولا يمكن تجاوزها في أي تشاور قادم"، مضيفاً: "عندما رأت مصر أن الأمور لا تمضي في مصلحة القوات المسلحة السودانية، عقدت قمة، وسحبت البساط من تحت مبادرات الاتحاد الأفريقي، كما عقدت قمة أطلقت عليها قمة دول جوار السودان، وحضرها الجميع، وعقدت أول اجتماع لها بعد شهر، على مستوى رؤساء الوزراء ووزراء الخارجية".
أما السعودية، فرأى الباحث السوداني عمر أن المملكة "تعتبر من الدول المحورية في معالجة ملف السودان، وظلت ضمن الجهات الحاضرة في الشأن السوداني باستمرار، حتى ما قبل اندلاع الحرب، كما أنها فتحت منبر جدة مع الولايات المتحدة الأمريكية، كمنبر وسيط يعمل على معالجة القضايا التي تتفاقم في السودان، وبالذات بعد الحرب".
وأشار إلى أن السعودية "نجحت في إيقاف الحرب أكثر من مرة، وبذلت جهوداً كبيرة، كما أن منبر جدة ظل أكثر منبر تثق به الأطراف، وأكثر منبر ظل يقدم رأياً مقبولاً لدى الأطراف السودانية".
وحول الدور الإماراتي، قال الباحث السوداني: إن "البرهان في حال زار أبوظبي، سيطلب منها وقف دعم قوات الدعم السريع؛ لكون الأخيرة توشك على الخسارة، وهناك كثير من المؤشرات على ذلك".
وأضاف: "الإمارات تعتبر طرفاً في حرب السودان، لم يتم ذكرها بالاسم، لكن الوسائط الإعلامية، والسياسيين والإعلاميين المحسوبين على الجيش، كلهم يقولون إن الإمارات تقف وراء قوات الدعم السريع وتساندها".
حكومة تصريف أعمال
يدور كثير من الأحاديث في السودان حول وجود توجه لتشكيل حكومة طوارئ، أو تصريف أعمال، وفقاً للباحث عمر، الذي أكد هذه الأنباء لـ"الخليج أونلاين".
وقال: "هناك مبادرات أو نقاشات حول تكوين حكومة تصريف أعمال؛ حتى لا يستمر الفراغ هكذا، ومهمتها ترتيب الأوراق، خاصة مع تقدم القوات المسلحة في كثير من المواقع، واقتراب الحرب من نهايتها".
وأضاف: "الحرب توشك على النهاية، وإن لم يكن عسكرياً فأصبح من السهل إنهاؤها بالتفاوض"، لافتاً إلى أن "موقف قوات الدعم أصبح ضعيفاً، وخسرت أغلب مواقعها، باستثناء بعض المواقع في ولايات غرب السودان".
واختتم حديثه بالقول: "بات من الممكن التوافق على تشكيل حكومة تصريف أعمال، تبدأ بمعالجة القضايا الراهنة، والمشاكل المستقبلية، منذ أبريل 2019 إلى يومنا هذا".