يوسف حمود - الخليج أونلاين-
تعتبر اتفاقية "خور عبد الله" التي تنظم الملاحة البحرية بالخليج العربي بين العراق والكويت أحد أبرز الملفات الحساسة في قضية ترسيم الحدود البرية والمائية بين البلدين، وهو الملف الذي أعاد الأزمة بين البلدين بعد تفاهمات واسعة بينهما.
ولعل موقف الكويت التصعيدي على خلفية حكم المحكمة الاتحادية العليا العراقية بالطعن في دستورية اتفاق خور عبد الله، ولجوئها إلى مجلس التعاون والأمم المتحدة وواشنطن، يشير إلى أن خلافات الماضي قد تعود.
ووسط تحركات مكثفة من الكويت، يطرح التساؤل فيما إذا كانت هذه الأزمة الأخيرة بوابة لإنهاء هذا الملف العالق منذ سنوات، وعودة العلاقات بشكلٍ أكبر من قبل، أم بداية لخلافات جديدة؟
تحركات مكثفة
لا يزال ملف "خور عبد الله" حديث الساعة ليس على نطاق العراق والكويت، بل وصل مداه إلى تحت أقبية الأمم المتحدة، حيث كانت نيويورك على موعدٍ مع لقاءات مكثفة، أبرزها بين الجانبين الخليجي والأمريكي.
وفي اجتماع مشترك، دعا وزراء خارجية دول الخليج وأمريكا (20 سبتمبر 2023)، إلى استكمال ترسيم الحدود البحرية الكويتية العراقية، مناشدين في الوقت ذاته إيران التعاون مع وكالة الطاقة النووية.
كما دعا البيان الحكومة العراقية إلى "الإسراع لتسوية الوضع القانوني الداخلي، لضمان استمرار تطبيق الاتفاقية المتعلقة بتنظيم الملاحة البحرية في خور عبد الله بين الكويت والعراق لعام 2012".
وقال البيان: "جدد الوزراء دعمهم لقرار مجلس الأمن رقم 2107 لعام 2013، بشأن إحالة الملف المتعلق بإعادة جميع الكويتيين إلى وطنهم، بمن فيهم الكويتيون المفقودون، وإعادة الممتلكات الكويتية، بما في ذلك الأرشيف الوطني، إلى بعثة الأمم المتحدة في العراق".
وفي (21 سبتمبر 2023)، التقى رئيس الحكومة العراقية محمد شياع السوداني، رئيس مجلس وزراء دولة الكويت أحمد نواف الصباح، في نيويورك، حيث أكد الأول التزام بلاده بقرارات مجلس الأمن ذات الصلة، ومبادئ القانون الدولي، والتفاهمات المشتركة وحسن الجوار، وسيادة أراضي دولة الكويت الشقيقة وسلامتها.
ووفق وسائل إعلام عراقية، عبر عن رغبة العراق بـ"الاستمرار في عقد اجتماعات اللجان المشتركة، وتبادل الزيارات بين المسؤولين والخبراء في البلدين، وفي جميع المجالات، من أجل تعزيز مستويات التعاون والشراكة وبناء الثقة، والارتقاء بالعلاقات الثنائية، وتجاوز جميع العقبات".
غضب كويتي وتهدئة عراقية
ومقابل محاولات التهدئة العراقية، يبدو أن الغضب الكويتي من المحكمة العراقية مستمر، حيث أشارت وكالة الأنباء الكويتية "كونا" إلى أن رئيس الوزراء أكد خلال لقائه السوداني أن الحكم العراقي تشوبه "مغالطات تاريخية".
ونقلت الوكالة عن الصباح القول إن على حكومة العراق اتخاذ "إجراءات ملموسة وحاسمة وعاجلة لمعالجة الحكم والمغالطات التاريخية الواردة فيه بما يحفظ علاقات حسن الجوار".
وشدد رئيس الوزراء الكويتي على الالتزام بأمن واستقلالية وسلامة أراضي كلا البلدين وبالاتفاقيات المبرمة بينهما والقرارات الدولية ذات الصلة، وعلى رأسها قرار مجلس الأمن رقم 833 الذي خطط الحدود البرية والبحرية بين الجانبين حتى العلامة 162 بحري.
كما أكد رغبة الكويت بأن يتم الانتهاء من ترسيم الحدود البحرية الكويتية - العراقية لما بعد العلامة 162 وذلك خلال الفترة القادمة ووفقاً للقوانين والمواثيق الدولية.
بدوره قال وزير الخارجية الكويتي، الشيخ سالم عبد الله الجابر الصباح، في تصريحات تلفزيونية: "نتمنى على الحكومة العراقية بأن تأخذ الخطوات الضرورية لمعالجة هذا الأمر" واحترام سيادة الكويت وحرمة أراضيها والاتفاقية الموقعة بين البلدين.
وفي سياق تصاعد المواقف الكويتية للضغط على العراق، دعا 32 نائباً كويتياً جميع برلمانات الدول إلى دعم الحق الكويتي وتأييد اتفاقية تنظيم الملاحة البحرية في خور عبد الله.
جاء ذلك في بيان لـ32 نائباً من مجلس الأمة الكويتي حول اتفاقية "خور عبد الله"، الثلاثاء 3 أكتوبر الجاري، وذلك بعد إبطال الاتفاقية من قبل محكمة عراقية الشهر الماضي.
وأكد النواب أهمية تعزيز العلاقات الثنائية والحفاظ على الأواصر القائمة بين الدول، واحترام سيادتها واستقلالها ووحدة أراضيها، بالإضافة إلى احترام الاتفاقيات والقوانين الدولية.
ولم يتأخر الرد العراقي على بيان النواب، حيث أكد رئيس المحكمة الاتحادية العليا في العراق، القاضي جاسم محمد عبود، أن اتفاقية خور عبد الله ليس لها تأثير سلبي على حسن الجوار مع الكويت.
وأوضح عبود، في تصريح لوكالة الأنباء العراقية "واع"، الجمعة (6 أكتوبر)، أن المحكمة الاتحادية أصدرت حكماً يقضي بعدم دستورية اتفاقية خور عبد الله، ولم تخض في الجوانب الفنية للاتفاقية.
وأشار إلى أن المحكمة الاتحادية "قامت بتوازن بين دستورية القانون ومصلحة البلاد عندما قررت عدم دستورية الاتفاقية"، مشيداً "بالعلاقات التاريخية والقديمة سواء على الصعيد الشعبي أو على الصعيد الرسمي".
وفي 19 سبتمبر، أعلن مجلس القضاء الأعلى في العراق أن رئيسه، فائق زيدان، أكد خلال استقباله سفير الكويت في العراق، طارق الفرج، "أهمية احترام وتنفيذ الاتفاقيات والمعاهدات المبرمة بين العراق والكويت وفق السياقات الدستورية والقانونية، واحترام تنفيذ قرارات مجلس الأمن الدولي ذات العلاقة".
الحوار طريق للحل
الكاتب والمحلل السياسي الكويتي، عايد المناع، يؤكد أن حكم المحكمة الاتحادية متناقض، حيث سبق لها في عام 2013 أن أكدت قانونية الاتفاق، ولكن في عام 2023 عادت وقالت إنه لم يستوف الشروط الدستورية.
ويقول المناع، في حديثه لـ"الخليج أونلاين": "يمكن لرئيس الحكومة العراقية الضغط على الجهات التي تريد إثارة القضية، من خلال مناقشة الكتل النيابية، والحصول على موافقة البرلمان للملف ثم ترسيم الحدود مع الكويت".
وأوضح أن بغداد من خلال مجلس الوزراء أعلنت التزامها بالقرارات الدولية والحل بهدوء مع الكويت من خلال الحوار بعيداً عن الضغوط الداخلية من بعض الجهات السياسية.
وأشار إلى أن "الكويت ملتزمة بما تم الاتفاق عليه، وما بقي مطلوباً من العراق التواصل والحوار من أجل إنهاء الملف".
ويلفت إلى أن حجة الحكومة العراقية ليست قوية، "ولكن هناك قوى سواء لأسباب سياسية داخلية أو بدوافع خارجية تضغط باتجاه تعطيل الاتفاق".
ويذكر أنه بعد ترسيم الحدود، يمكن للعراق الحوار مع الكويت والنقاش حول وجود ضرر عليه وحل الأمور من خلال المناقشات.
خور عبد الله والاتفاقيات
وكان تطور جديد طرأ على ملف ترسيم الحدود البحرية بين الكويت والعراق، من خلال اتخاذ المحكمة الاتحادية العراقية حكماً (4 سبتمبر 2023) بعدم دستورية قانون تصديق اتفاقية تنظيم الملاحة البحرية في "خور عبد الله" لسنة 2013.
وأرجعت المحكمة قرارها "لمخالفة أحكام المادة (61 / رابعاً) من دستور العراق، والتي نصت على أن تنظم عملية المصادقة على المعاهدات والاتفاقيات الدولية بقانون يُسنُّ بأغلبية ثلثي أعضاء مجلس النواب".
وترجع قضية الحدود إلى ما بعد انتهاء الغزو العراقي للكويت في عام 1990، حيث أدت الأمم المتحدة دور الوسيط الأساسي في العلاقات بين البلدين، وقامت المنظمة بترسيم الحدود البرية بين البلدين عام 1993، لكنها لم تعمد إلى ترسيم الحدود البحرية التي تبلغ 216 كم بكاملها، وتركت هذه المهمة للدولتين.
و"خور عبد الله" هي اتفاقية دولية حدودية، تم التصديق عليها في العراق من قبل البرلمان في عام 2013، تنفيذاً لقرار مجلس الأمن الدولي رقم 833 لعام 1993، واستكمالاً لإجراءات ترسيم الحدود بين البلدين.
وتنظم الاتفاقية الملاحة البحرية في خور عبد الله الذي يقع شمال الخليج العربي، بين جزيرتي بوبيان ووربة الكويتيتين، وشبه جزيرة الفاو العراقية، ويمتد إلى داخل الأراضي العراقية مشكلاً خور الزبير الذي يقع فيه ميناء أم قصر العراقي.
ونتج عن الاتفاقية تقسيم خور عبد الله، وإنشاء موانئ جديدة، أبرزها مشروع ميناء مبارك الكويتي.