علاقات » عربي

"طوفان الأقصى" يفتح بابًا للخليج للتوبة وتصحيح المسار

في 2023/10/10

(أحمد شوقي \ راصد الخليج)

شكّلت عملية "طوفان الأقصى" تحوّلًا إستراتيجيًا تاريخيًا في الصّراع مع الصّهاينة، فقد بدت المشاهد غير المسبوقة تجربة حقيقيّة لمشاهد زوال العدو التي يترقّبها كلّ حرّ من أحرار الشّعوب العربيّة والإسلاميّة. وأبرز ملامح هذا التحوّل هو انتقال المبادرة لحركات التحرّر الوطني وتراجع دور الدّول لمحاولة ضبط التفاعلات أو التهدئة، أو حتى استغلال الموقف لتحسين شروط دورها السّياسي في المنطقة والعالم.

ففي حين نجد تفاعلاً شعبيًا داعمًا للمقاومة الفلسطينيّة ومتعاطفًا مع الشّعب الفلسطيني، نجد، في الوقت نفسه وبشكل موازٍ، سخطًا على التطبيع وخيارات السّلام المزعومة مع العدو الإسرائيلي، فتنتقل الأنظار فورًا إلى الدّول التي عقدت مؤخرًا اتفاقيّات التطبيع، والدّول التي تفيد التقارير المتواترة باقتراب عقد صفقة للتطبيع معها، وبشكل أكثر تحديدًا، فقد انتقلت الأنظار إلى دولة الإمارات العربيّة والسّعوديّة.

بسبب الدّور المؤثر لكلّ من الإمارات والسّعوديّة في الخليج، فقد راقبت الجماهير بيانات مجلس التعاون الخليجي كما راقبت بيانات كلّ دولة على حدة. وهنا بعض من المفارقات، فبينما توحّدت الدّول الغربيّة الكبرى في إبراز التضامن مع العدو الإسرائيلي، لم نجد توحّدًا عربيًا ولا خليجيًا في التضامن مع فلسطين!.. لقد تعهّد قادة الولايات المتحدة وفرنسا وألمانيا وإيطاليا وبريطانيا بـــــ"دعم إسرائيل في جهودها للدفاع عن نفسها" بعد الهجمات المفاجئة من حركة "حماس " الفلسطينيّة. بينما على مستوى مجلس التعاون الخليجي، دعا "جاسم محمّد البديوي" الأمين العام للمجلس دول الخليج العربي إلى وقف التصعيد الفلسطيني - الإسرائيلي "فورا"، وحماية "المدنيين الأبرياء". وبالرغم من أنّ الأمين العام للمجلس حمّل قوات الاحتلال مسؤوليّة هذه الأوضاع لاستمرار الاعتداءات الإسرائيليّة الصّارخة والمستمرّة على الشّعب الفلسطيني والأماكن المقدّسة، إلّا أنّ إشارات التضامن والدّعم للمقاومة لم تكن حاضرة في البيان.

في السّعوديّة؛ قالت وزارة الخارجيّة في بيانها: "تتابع المملكة العربيّة السّعوديذة عن كثب تطورات الأوضاع غير المسبوقة بين عددٍ من الفصائل الفلسطينيّة وقوات الاحتلال الإسرائيلي، ما نتج عنها ارتفاع مستوى العنف الدائر في عددٍ من الجبهات هناك.. وتدعو المملكة للوقف الفوري للتصعيد بين الجانبين وحماية المدنيين وضبط النفس". وأعربت وزارة الخارجيّة القطريّة عن: "قلقها البالغ إزاء تطورات الأوضاع في قطاع غزة"، داعية "جميع الأطراف إلى وقف التصعيد والتهدئة، وممارسة أقصى درجات ضبط النفس". بينما جاء الموقف الإماراتي مختلفًا، فقد انطوى على إدانة لعمليات المقاومة وأبدت تعاطفًا مع العدو. فقد أعربت وزارة الخارجيّة الإماراتيّة، في بادئ الأمر في بيان، عن :"قلق بلادها الشديد إزاء تصاعد العنف بين الإسرائيليين والفلسطينيين"، مشيرة إلى أنّها بصفتها عضوًا غير دائم في مجلس الأمن تدعو إلى ضرورة إعادة التفعيل الفوري للجنة الرباعيّة الدوليّة لإحياء مسار السّلام العربي- الإسرائيلي.

هذا؛ وشدّدت الوزارة، في البيان الرسمي، على أنّ الهجمات التي تشنّها "حماس" ضد "البلدات والقرى الإسرائيليةّ" القريبة من قطاع غزة، بما في ذلك إطلاق آلاف الصواريخ على المراكز "السّكانيّة"، تشكّل تصعيدًا خطيرًا. وأكدت الحكومة الإماراتيّة أنّ: "الوزارة تشعر بالفزع إزاء التقارير التي تفيد باختطاف مدنيين إسرائيليين رهائنَ من منازلهم.. يجب أن يتمتّع المدنيون على كلا الجانبين دائمًا بالحماية الكاملة بموجب القانون الإنساني الدّولي، ويجب ألا يكونوا أبدًا هدفًا للصراع". 

كما جاءت مواقف سلطنة عمان والكويت أفضل كثيرا، فقد قالت سلطنة عمان، في بيان للخارجيّة، إنّها: "تتابع باهتمام وقلق التصعيد الجاري بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي". وأوضحت أنّ هذا التصعيد هو :"نتيجة استمرار الاحتلال الإسرائيلي غير المشروع للأراضي الفلسطينيّة والاعتداءات الإسرائيليّة المستمرة، وينذر بتداعيات خطيرة"، داعية الطرفين إلى "ممارسة أقصى درجات ضبط النفس وضرورة حماية المدنيين". فيما أعربت الكويت عن "قلقها البالغ"، مشيرةً في بيان صادر عن وزارة الخارجيّة إلى أنّ التصعيد :"جاء نتيجة استمرار الانتهاكات والاعتداءات السّافرة التي ارتكبتها سلطات الاحتلال الإسرائيلي ضد الشّعب الفلسطيني الشقيق".

في المجمل لم تكن المواقف الخليجيّة ولا العربيّة عمومًا على مستوى اللحظة التاريخيّة التي تمثل انفجارًا غير مسبوق، نتيجة تراكم الغضب الفلسطيني وتراكم الضغوط والجرائم والانتهاكات التي ارتكبت في حقه، وتراكم الخذلان، وما بدا أنّه يقين فلسطيني بأنّ أحدًا من أشقائه العرب لن يحميه ولن يتعاون معه، ولا خلاص سوى بالمقاومة والتضحيات.

هناك فرصة تاريخيّة عربيّة وخليجيّة لغسل عار التطبيع وتصحيح مسار التخاذل والتخلّي عن القضية المركزيّة، وهو ما يتمثل على الأقل بدعم مقاومة الشّعب الفلسطيني ورفع الغطاء عن الجرائم الصهيونيّة وتوظيف القوّة العربّية وخاصة الخليجيّة في الاقتصاد العالمي لفرملة التوحّش الإسرائيلي والأمريكي، فهل يستغلّها الخليج نوعًا من التوبة وتصحيح المسار؟