علاقات » عربي

رسمياً وشعبياً.. كيف عززت الكويت موقفها التاريخي تجاه فلسطين؟

في 2023/10/10

كمال السلامي - الخليج أونلاين- 

قليلة هي الدول التي ينسجم الموقفان الرسمي والشعبي فيها من قضية فلسطين، وإحداها -بل على رأسها- الكويت، التي يقود الموقف الرسمي فيها الموقف الشعبي في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي الغاشم.

وعقب "طوفان الأقصى" كانت الكويت من أوائل الدول التي طالبت المجتمع الدولي ومجلس الأمن بتوفير الحماية للشعب الفلسطيني، وإنهاء ممارسات سلطات الاحتلال الاستفزازية بعد الأحداث المتصاعدة في الأراضي المحتلة.

كما أطلقت الحكومة الكويتية حملات إغاثة عاجلة للفلسطينيين؛ لمواجهة تداعيات العدوان الإسرائيلي، وهي بذلك سباقة إلى مد يد العون، مثلما كانت دائماً حاضرة في كل محفل دفاعاً عن الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة.

انسجام الموقف الرسمي والشعبي

وبعد ساعات فقط من انطلاق عملية "طوفان الأقصى"، تقاطر المئات من المواطنين الكويتيين والمقيمين إلى ساحة الإرادة للمشاركة في الوقفة التضامنية دعماً للمقاومة الفلسطينية، في حين أكد اتحاد الجمعيات والمبرات الخيرية الكويتية دعمه لحقوق الشعب الفلسطيني.

وحملت وزارة الخارجية الكويتية في بيان لها، السبت 7 أكتوبر، "إسرائيل" مسؤولية التصعيد جراء استمرار اعتداءاتها السافرة، داعية إلى وقف انتهاكات الاحتلال المستمرة لحرمة المسجد الأقصى، ووقف سياسة التوسع الاستيطاني، مجددةً تأكيد حق الشعب الفلسطيني في إقامته دولته المستقلة على حدود 1967، وعاصمتها القدس الشريف.

ولم يكن الموقف الكويتي مجرد بيانات أو تصريحات، بل أصبح سلوكاً في تعامل السياسيين والمسؤولين الكويتيين، وفي أكثر من مناسبة يتخذ المسؤولون الكويتيون موقفاً تجاه الحضور الإسرائيلي، فعلى سبيل المثال في 20 سبتمبر الماضي، انسحب وزير الصحة الكويتي أحمد العوضي من مؤتمر وزراء الصحة في نيويورك؛ احتجاجاً على حضور وزير الصحة الإسرائيلي.

وفي مطلع مارس 2022، غادر وفد أكاديمي كويتي مؤتمراً استضافته جامعة البحرين الحكومية؛ بسبب مشاركة وفد إسرائيلي في فعالياته، وهذه مجرد نماذج عدة حالات في ميادين الرياضة والسياسة والثقافة كانت ساحات لموقف كويتي ضد "إسرائيل".

مجلس الأمة

في كل مناسبة أو حدث يتعلق بفلسطين كان مجلس الأمة الكويتي متصدراً للرد والتعبير عن الإرادة الشعبية والرسمية في الكويت، ولطالما سجل المجلس وقياداته المتعاقبة ونوابه مواقف تاريخية مساندة للشعب الفلسطيني وقضيته العادلة.

ويوم 7 أكتوبر، أصدر 45 نائباً في مجلس الأمة الكويتي بياناً أكدوا فيه "دعمهم الكامل لحق الشعب الفلسطيني في مقاومة الاحتلال الإسرائيلي، والرد على اعتداءاته وانتهاكاته حتى تحقيق حريته، معتبرين أن ما يجري رد طبيعي على جرائم الاحتلال تجاه المقدسات".

وفي أغسطس من العام 2020، أكد 37 برلمانياً كويتياً موقف بلادهم الثابت من قضية فلسطين، مؤكدين أن الشعب الكويتي يشد على يد القيادة السياسية في موقفها الثابت والشجاع والمستمر تجاه القضية الفلسطينية على مر السنين.

ولعل رئيس مجلس الأمة الكويتي السابق مرزوق الغانم كان أبرز من يعبر عن موقف الكويت الحقيقي تجاه فلسطين والعدو الإسرائيلي، ولطالما أدلى بتصريحات صارمة تجاه فلسطين، وتبنى مواقف لا تزال باقية في الأذهان.

أبرز تلك المواقف كانت طرده للوفد الإسرائيلي من قاعة مؤتمر الاتحاد البرلماني الدولي المنعقد بروسيا، في 18 أكتوبر 2017، واصفاً وفد "إسرائيل" بـ"قتلة الأطفال"، مخاطباً إياه بالقول: "عليك أن تحمل حقائبك وتخرج من القاعة بعد أن رأيت ردة الفعل من كل البرلمانات الشريفة".

رفض التطبيع

الكويتيون رسمياً وشعبياً كانوا سباقين في رفض محاولات تسويق التطبيع، وربطه بمصالح وأوهام مستقبلية، وهو ما وقعت فيه بعض العواصم، دون أن تدرك عواقب ما ذهبت إليه.

وفي هذا السياق شدد 37 نائباً كويتياً، في أغسطس 2020، على ضرورة أن تؤكد حكومتهم إلى تأكيد موقف الكويت الثابت ضد التطبيع، وذلك بالتزامن مع توقيع عدد من دول المنطقة اتفاق التطبيع مع "إسرائيل".

ومنتصف أغسطس 2020، شددت تيارات كويتية عدة، على أن التطبيع خيانة، مؤكدة أن "مشاريع التطبيع مع الكيان الصهيوني استكمال لتنفيذ بنود صفقة العار، المسماة صفقة القرن عملياً".

كما أعلنت حينها 31 جمعية ورابطة كويتية رفضها التطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي، معتبرة أي تطبيع "طعنة في ظهر الشعب الفلسطيني والعربي".

وفي أواخر يوليو 2022، أكد ممثل الكويت في اجتماع مؤتمر ضباط اتصال المكاتب الإقليمية لمقاطعة "إسرائيل"، مشاري الجار الله، تمسك بلاده بمقاطعة الاحتلال، مؤكداً أن أي بضائع عليها شبهة بأنها إسرائيلية أو تتبع شركات محظورة تصادر، وفقاً لوكالة الأنباء الكويتية "كونا".

وليس الأمر بجديد، بل كانت الكويت سباقة في الوقوف في وجه التطبيع، وفي عام 1957 تم تأسيس "مكتب مقاطعة إسرائيل"، وفي 1964 صدر قانون يحظر حيازة وتداول السلع الإسرائيلية بكل أنواعها، وكذا حظر التعامل مع أي شخص له علاقة بالاحتلال.

كما كانت الكويت من أوائل الدول التي فتحت أبوابها أمام الفلسطينيين الباحثين عن عمل، وبحلول عام 1991 كان الفلسطينيون الأكثر بين القوى العاملة في الدولة الخليجية.

الدعم الإغاثي

تجاوز الموقف الكويتي حدود السياسة، وكان حاضراً بقوة في ميدان الإغاثة والدعم الإنساني، وفي هذا السياق تنطلق، يوم الثلاثاء القادم 10 أكتوبر، حملة وطنية كويتية تحت وسم #فزعة_لفلسطين، بالتعاون مع وزارة الشؤون الاجتماعية ووزارة الخارجية ووزارة الإعلام.

كما أطلقت جمعية الهلال الأحمر الكويتي، الاثنين 9 أكتوبر، حملة لجمع التبرعات للشعب الفلسطيني، تحت شعار "أغيثوا فلسطين"، عبر الموقع الإلكتروني للجمعية، وقال رئيس مجلس إدارة الجمعية هلال الساير لوكالة "كونا" الحكومية: إن "الحملة تأتي في ضوء توجيهات قيادة البلاد لتقديم الدعم والمساندة اللازمين للمتضررين من الشعب الفلسطيني في قطاع غزة".

ويوم الأحد، أعلنت وزارة الشؤون الاجتماعية بدولة الكويت إطلاق حملة إغاثة عاجلة للشعب الفلسطيني لمواجهة تداعيات العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة.

وقال المتحدث الرسمي باسم وزارة الشؤون الاجتماعية أحمد العنزي، في تصريح نشرته وكالة الأنباء الكويتية "كونا"، إنه يمكن للجمعيات الخيرية الراغبة بالمشاركة في الحملة الحصول على الموافقة المسبقة فور إبداء رغبتها، من خلال برنامج ميكنة إدارة الجمعيات الخيرية والمبرات.

من جانبها وجهت وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية الكويتية الأئمة والخطباء بالقنوت في الصلوات الجهرية والدعاء للشعب الفلسطيني.

وأضاف التعميم، وفقاً لصحيفة "الوطن" الكويتية، الاثنين 9 أكتوبر: "ندعوكم للقنوت في الصلوات الجهرية والدعاء للشعب الفلسطيني الشقيق بأن يحفظهم الله تعالى وينصرهم على تلك الممارسات".

تاريخ مشرف

وتعليقاً على الدعم الكويتي غير المحدود للشعب الفلسطيني قال طارق الشايع، رئيس رابطة شباب لأجل القدس العالمية: إن "تاريخ الكويت مشرف في نصرة القضية الفلسطينية، وكذا مواقفها الراسخة التي تأبى أن تتنكر لقيمها وثوابتها الأصيلة الداعمة للحق الفلسطيني منذ اندلاع الصراع مع العصابات الصهيونية وعبر جميع المراحل".

وأضاف الناشط الكويتي في تصريحه لـ"الخليج أونلاين": "لا أدل على هذه النصرة من احتضان مقاومة الشعب الفلسطيني حين تأسيس كبرى حركاته على أرضها الطيبة كفتح وحماس وغيرها؛ والذي ينبع من أصالة الموقف الإنساني والقومي والديني للكويتيين، ومناهضة الكيان الإسرائيلي، والتصدي لخطوات ومشاريع التطبيع معه قد شكلت سمة أساسية في حراك قوى الشعب الكويتي وموقفها من طبيعة هذا الكيان الغاصب".

وأشار إلى أن "موقف الكويت النبيل يتأكد في تفاعل الأفراد والمؤسسات عبر وسائل عديدة يتخذونها ليعبروا عن ارتباطهم بالقضية الفلسطينية ودفاعهم عنها".

واستعرض الشايع جوانب الدعم الكويتي للشعب الفلسطيني، ففي الجانب التربوي بدأ ارتباط الكويت والكويتيين بفلسطين في أول بعثة تعليمية في الكويت من المدرسين الفلسطينيين سنة 1936.

مقاطعة شاملة

ولفت أيضاً إلى المواقف المشرفة للرياضيين الكويتيين الذين يرفضون في كل مرة اللعب ضد أي رياضي من الكيان الإسرائيلي، معلنين انسحابهم، وهو بذاته موقف كل الاتحادات الرياضية الكويتية الرافضة بشكل قاطع الاعتراف بما يسمى "بإسرائيل" ورياضييها.

وقال الشايع: "الكويت تزخر بالندوات والمحاضرات والمؤتمرات والحلقات النقاشية التي تندد بالكيان الصهيوني، رافضة التطبيع معه، داعمة للحق الفلسطيني.. وحق الأمة في الأرض المباركة، فضلاً عن طباعة الكتب والمنشورات التثقيفية والتعليمية المعنية بالقضية الفلسطينية، وإقامة الحملات الإعلامية والإعلانية في مختلف الوسائل كالتلفزيون والإذاعة والجرائد والمجلات ولوحات الشوارع وغيرها".

وتطرق إلى صدور فتوى بعدم جواز زيارة القدس والأراضي الفلسطينية ما دامت تحت ظل الاحتلال، "وهذه الفتوى من أعلى هيئة فتوى رسمية تابعة للحكومة الكويتية ممثلة بوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية (رقم الفتوى: 14هـ / 2011م)".

وذكّر الشايع بتاريخ الدعم الإنساني والإغاثي والخيري الذي تقدمه الكويت للشعب الفلسطيني، مشيراً إلى أنه في عام 1932، استقبلت الكويت مفتي فلسطين ورئيس الهيئة العربية العليا الحاج أمين الحسيني في إطار جولة عربية لجمع التبرعات لإعمار المسجد الأقصى.

وأضاف: "لا يخفى عليكم ما تقدمه الكويت من دعم مادي ومعنوي، سواء كان رسمياً أو أهلياً. وفي هذا الإطار نذكر بأن أول مكتب للهلال الأحمر الفلسطيني أسس كان في الكويت، فقد بذل أبناء الكويت جهوداً مباركة لتأسيس الهلال الأحمر الفلسطيني، وذلك عام 1968، ثم تأسست فروع له في الأردن وسوريا ثم لبنان".

الموقف السياسي في المقدمة

وفيما يتعلق بالجوانب السياسية قال الشايع إن القيادة السياسية ممثلة بأمير الكويت وحكومتها ومجلس الأمة ونوابه، وكذلك قوى الشعب وحركاته، عبروا جميعاً عن مواقفهم الثابتة تجاه الحق الفلسطيني، مضيفاً: "ترى مسؤولي دولة الكويت في خطاباتهم وحضورهم الإقليمي والدولي؛ ما يعبر بوضوح عن هذا الموقف الصلب".

واستطرد قائلاً: "لا غرابة حقيقة في هذه المواقف المتقدمة من دولة الكويت حينما تعلم أن الكويت قد سنت القوانين اللازمة في شأن مقاطعة هذا الكيان الغاصب؛ أولها هو المرسوم الأميري الصادر في 26 مايو 1957 الخاص بمقاطعة البضائع الإسرائيلية، ثم تلاه القانون رقم 21 لسنة 1964 في شأن القانون الموحد لمقاطعة إسرائيل، ثم تلاه المرسوم الأميري بتاريخ 5 يونيو 1967، بإعلان قيام الحرب الدفاعية بين الكويت والعصابات الصهيونية بفلسطين المحتلة، ولا يزال هذا المرسوم قائم وساري المفعول".

واختتم حديثه لـ"الخليج أونلاين" بالقول: "وهو رسالة واضحة للكيان الإسرائيلي وللمطبعين معه، بأننا لن نخضع، ولن نركع، ولن نطبِّع، ولن نخون، ولن نعترف بإسرائيل.. ولن ننسى الدم.. ولن نتصالح مع القتلة المجرمين؛ حتى تحرر فلسطين كل فلسطين".