وضاح حيدر - الخليج أونلاين-
أغرق "طوفان الأقصى"، وهي العملية التي أطلقتها حركة "حماس" الفلسطينية ضد "إسرائيل"، مسارات التطبيع العربية التي كانت تسير بشكل سلس خلال السنوات والأشهر الماضية.
إذ أصبح الحديث اليوم يركز على ضرورة وقف الحرب في غزة، وحتى الأردن أحد أقدم الدول المطبعة مع "إسرائيل" حذر مراراً، على لسان وزير خارجيته أيمن الصفدي، من حرب إقليمية في حال توسعت الحرب الإسرائيلية على القطاع، مؤكداً وقوف بلاده بكل إمكاناتها وجهودها لوقف الحرب "المستعرة" على القطاع.
وقوبلت "طوفان الأقصى" بعملية "السيوف الحديدية" الإسرائيلية، حيث يشن الجيش الإسرائيلي غارات وحشية على المدنيين في قطاع غزة، الذي يسكنه أكثر من مليوني فلسطيني يعانون من أوضاع معيشية متدهورة، من جراء حصار إسرائيلي متواصل منذ 2006.
حطمت الحُلم
تشير الحرب الدائرة في غزة إلى أن جهود التطبيع أصيبت في مقتل، إذ أثبتت أنه لا يمكن لأحد تجاوز القضية الفلسطينية والقفز فوقها، فهي أساس الصراع والاضطرابات في المنطقة، وستبقى مستمرة إن لم تحل بشكل مشروع.
ويؤيد هذه السردية، المتحدث السابق باسم القيادة المركزية الأمريكية جو بوتشينو، في مقال نشره بموقع "ذا هيل" الأمريكي، إذ شدد على أن عملية "طوفان الأقصى" حطمت الحُلم الأمريكي بالتكامل الأمني بين "إسرائيل" والعرب.
وأضاف بوتشينو: "على مدار 3 سنوات، كثفت الولايات المتحدة الأمريكية جهودها الرامية إلى إقامة تكامل أمني في الشرق الأوسط عبر ربط قوات الدفاع الإسرائيلية (جيش الاحتلال) وجيوش الدول العربية المجاورة في بنية أمنية ثورية".
وشبّه المتحدث الأمريكي السابق باسم القيادة المركزية، طوفان الأقصى، بـ"هجوم 11 سبتمبر لمنطقة الشرق الأوسط"، لافتاً إلى أنه سيعيد "تشكيل البنية الأمنية في الشرق الأوسط لعقود من الزمن".
واستشهد الجنرال الأمريكي بـ"بيانات السعودية وقطر التي أعقبت هجوم حماس على (إسرائيل)"، مؤكداً أنها ليست مجرد خطاب دبلوماسي، لكن مشاعر الدولتين الخليجيتين توضح أن الخلافات العميقة مع تل أبيب لا تزال قائمة وربما لا يمكن إصلاحها".
ولفت إلى أن "بيان السعودية التي كانت في طريقها للتطبيع مع (إسرائيل)، أدان الأخيرة، في حين أظهر تلميحات بالتعاطف مع حماس"، مشيراً إلى أن "انحراف موقف الرياض بعيداً عن تل أبيب يهز أسس البنية الأمنية المقترحة من قبل واشنطن".
كما كشفت وكالة "أسوشييتد برس"، يوم 10 أكتوبر 2023، عن أن وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، ألغى اجتماع منتدى النقب في المغرب.
وأكد المسؤولون أنه "من شبه المؤكد تأجيل زيارة بلينكن إلى المغرب لعقد اجتماع لوزراء خارجية منتدى النقب"، الذي يضم دولاً عربية ترتبط بعلاقات تطبيع مع "إسرائيل"، وهي: مصر والمغرب والبحرين والإمارات، إلى جانب الولايات المتحدة، وعقدت النسخة الأولى منه في مارس 2022 في النقب.
تحرك سعودي
وقبل الحرب، كانت المملكة العربية السعودية، كما أكد ولي العهد الأمير محمد بن سلمان آل سعود، تتقدم يومياً نحو السلام والتطبيع مع "إسرائيل"، لكنه شدد أيضاً على أن "حل القضية الفلسطينية بشكل عادل مهم لتطبيع العلاقات".
وخلال العدوان على غزة كانت الرياض من أوائل الدول التي تقود حراكاً دبلوماسياً مكثفاً لوقف الحرب، ففي تصريحات رسمية في أكثر من مناسبة، كرر بن سلمان تأكيده على ضرورة بذل كل الجهود الممكنة لخفض وتيرة التصعيد في غزة وضمان عدم اتساع رقعة العنف لتلافي تداعياته الخطيرة على الأمن والسلام في المنطقة والعالم، داعياً لتهيئة الظروف لعودة الاستقرار واستعادة مسار السلام بما يكفل حصول الشعب الفلسطيني على حقوقه المشروعة.
كما نقلت وكالة "رويترز"، يوم 13 أكتوبر، عن مصدر مطلع قوله: إن "السعودية جمدت خططها الهادفة إلى تطبيع علاقاتها مع إسرائيل، مما يشير إلى سعيها لإعادة التفكير في أولويات سياستها الخارجية في ظل تصاعد العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة".
وقال المصدر: إن "المحادثات لا يمكن استئنافها الآن، وإن قضية التنازلات الإسرائيلية للفلسطينيين سيتعين أن تكون ضرورة أكبر عند استئناف المباحثات".
وأضاف أن "واشنطن ضغطت على الرياض لإدانة هجوم حماس"، لكنه قال إن وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان رفض ذلك، فيما أكد مصدر أمريكي مطلع على الأمر الرفض السعودي، وفق "رويترز".
ونقلت الوكالة عن المحلل السعودي عزيز الغشيان قوله: إن "التطبيع كان بالفعل يعد محظوراً في العالم العربي، وهذه الحرب تبرز ذلك فحسب".
تحرك بحريني - إماراتي
البحرين والإمارات، اللتان كانتا من أوائل الدول الخليجية التي أبرمت اتفاق تطبيع مع "إسرائيل" عام 2020، كانت كذلك من الدول التي أدانت القصف الإسرائيلي الممنهج على غزة، رغم رفضهما أيضاً هجوم "حماس".
فقد شهدت العديد من مدن البحرين، ومن بينها العاصمة المنامة، تظاهرات ومسيرات حاشدة تضامناً مع قطاع غزة، واستنكاراً للمجازر التي يرتكبها الجيش الإسرائيلي ضد الفلسطينيين.
كما طالب المتظاهرون، وكذلك مغردون على منصة "إكس"، بطرد السفير الإسرائيلي من المنامة وقطع العلاقات.
وأطلقت البحرين (الجمعة 20 أكتوبر) حملة وطنية لمناصرة الشعب الفلسطيني في غزة، تحت شعار "نحن معكم"، في برنامج خاص على تلفزيون البحرين، بمشاركة عدد من الشخصيات الوطنية من العلماء والمفكرين ورجال الأعمال للحديث حول أهمية الإسهام في الحملة.
أما الإمارات، فكانت نشطة دبلوماسية على أعلى المستويات لوضع حد للحرب في غزة، كما أطلقت حملة وطنية بعنوان "تراحم من أجل غزة"، بالتعاون مع برنامج الغذاء العالمي، للتضامن مع الأطفال الفلسطينيين والأسر المتأثرة بالحرب، خصوصاً الأطفال.
وتحدث الرئيس الإماراتي الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، يوم (16 أكتوبر)، مع رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، في أول اتصال لزعيم عربي معه منذ اندلاع الحرب.
وأكد بن زايد خلال الاتصال، بحسب وكالة "وام" الرسمية، "أولوية الحفاظ على أرواح المدنيين، وعدم الزج بهم في دائرة العنف والصراع المتصاعد، وممارسة المسؤولية القانونية، التي تضمن حمايتهم وسلامتهم، خاصة الأطفال والنساء وكبار السن، أثناء الصراعات، وإطلاق سراح الرهائن المحتجزين".
كما شدد على ضرورة فتح ممرات إنسانية عاجلة لنقل المساعدات الطبية والإغاثية إلى قطاع غزة دون عوائق، وتيسير وصول الآليات الكفيلة بتوفير الحماية اللازمة لهذه الممرات وتمكين المنظمات الإنسانية المعنية من القيام بمسؤولياتها، بما يضمن عدم تفاقم المعاناة التي يشهدها القطاع نتيجة العنف المتصاعد، في ظل وجود أكثر من مليوني إنسان غالبيتهم العظمى من المدنيين الأبرياء وغير المنخرطين في الصراع الدائر.
وأفادت "وام" بأن "بن زايد يواصل اتصالاته المكثفة مع قادة دول عربية وأجنبية لوقف العنف والتصعيد الدائر في قطاع غزة، وحشد الجهود الدولية لضمان احترام القانون الدولي الإنساني وتوفير الحماية للمدنيين وتجنيبهم المعاناة المتفاقمة نتيجة التطورات الميدانية المقلقة".
وبحسب الوكالة، شملت الاتصالات التي أجراها أيضاً "العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني، والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، ورئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين" وغيرهم.
ممكن ولكن..
يؤيد المحلل السياسي الفلسطيني أسامة القضاة، أن "الجهود الأمريكية في التطبيع السعودي الإسرائيلي ستتأثر بشكل كبير على الأقل على صعيد الجدول الزمني له"، مشيراً إلى ما ذكره ولي العهد السعودي، في سبتمبر الماضي، من الاقتراب أكثر فأكثر من التطبيع مع "إسرائيل".
ويشير أيضاً، في حديثه مع "الخليج أونلاين"، إلى أن بن سلمان أكد حينها أيضاً أن تطبيع بلاده يجب أن يشمل بالضرورة معالجة قضايا الفلسطينيين، و"هذا برأيي ما تنفيه الأفعال الإسرائيلية خلال العدوان الحالي على غزة".
وشدد القضاة على أنه "كلما طالت فترة العدوان تزيد إسرائيل تعقيد ملف التطبيع مع السعودية، وهذا ما كان واضحاً في التصريحات الرسمية السعودية خلال العدوان".
كما يعتقد أن "إسرائيل تأخذ مشروع التطبيع العربي معها إلى أعلى الشجرة، التي من الصعوبة بمكان النزول عنها".
وعن مواقف الدول التي أبرمت اتفاقيات سلام مع "إسرائيل"، يعتقد أن "مراجعة علاقاتها أمر معقد، فالأمر متفاوت بحسب مكانة القضية الفلسطينية على سلم الاستراتيجيات الوطنية لها، ويجب أن تؤخذ حالة كل دولة على حدة، خصوصاً مع غياب العمل العربي المشترك، ولا اتفاق على المصالح الاستراتيجية العليا الموحدة".
فالأردن على سبيل المثال، كما يقول القضاة، "وهنا أود الاقتباس من تقرير أصدره معهد السياسة والمجتمع في عمان تحت عنوان "الأمن الوطني الأردني والفلسطينيون: استحقاقات (نهاية اللعبة).. اليوم التالي لفشل العملية السلمية" حيث ذكر أن ما يحدث "غرب النهر" يقتضي دوراً حيوياً للأردن في المعادلة الفلسطينية، ويرى أن المصالح الوطنية الأردنية مترابطة مع المصالح الفلسطينية ومتداخلة معها، كما أنّ الأمن الوطني الأردني مرتبط عضوياً بما يحدث في الجهة المقابلة لأسباب متعددة".
ويوضح القضاة أيضاً أنه "بشكل أو بآخر تتقاطع مصر مع الأردن اليوم في هاجس تهجير الفلسطينيين، خصوصاً مع الدعوات الإسرائيلية للغزييّن للذهاب إلى سيناء"، مشيراً في هذا السياق إلى أن "على هذه الدول مراجعة الاتفاقيات من باب مصالحها الاستراتيجية، خصوصاً في ما يتعلق بالملفات الاقتصادية الحيوية كالطاقة والمياه".