فينا علي خان/فورين بوليسي - ترجمة الخليج الجديد-
سلطت الباحثة في شؤون اليمن والخليج العربي، المقيمة في نيويورك، فينا علي خان، الضوء على تأثير الحرب في قطاع غزة على الأوضاع في اليمن، مشيرة إلى أن امتداد أمد الحرب، مع إطلاق الحوثيين صواريخ وطائرات مسيرة تجاه إسرائيل، يثير القلق بشأن محادثات السلام المتعثرة في البلد الذي يشهد تجميدا للقتال بين أطرافه المحلية المتحاربة إلى حد كبير.
وذكرت فينا، في مقال نشرته في مجلة "فورين بوليسي" وترجمه "الخليج الجديد"، أن الهدنة الفعلية في اليمن لم تسفر عن تقدم سياسي يذكر منذ دخولها حيز التنفيذ في أبريل/نيسان 2022، ومنذ نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، سعت السعودية التي تدعم القوات الحكومية إلى تسريع وتيرة عملية السلام من خلال التوصل إلى اتفاق مباشر مع الحوثيين، المدعومين من إيران، متجاوزة شركائها اليمنيين على الأرض والأمم المتحدة.
ولكن في الأشهر الأخيرة، تبددت آمال السعودية في عملية سلام سريعة المسار، ويهدد الحوثيون بالعودة إلى ساحة المعركة.
ومع استمرار المحادثات الحوثية السعودية مع عدم وجود أدلة تذكر على إحراز تقدم، فإن تهميش اللاعبين الغربيين يمكن أن يشكل تحديات مستقبلية للرياض والغرب.
ولتجنب المزيد من القتال والتصعيد في المنطقة، ومع إطلاق الحوثيين صواريخ طويلة المدى، تستهدف إسرائيل، ترى فينا ضرورة إعادة السعودية الأمم المتحدة والأطراف اليمنية إلى عملية السلام الشاملة لتنشيطها.
وحتى لو بدا أن كلا الجانبين (السعودية والحوثيين) لديه حوافز لتجنب مشاركة الأمم المتحدة في الوقت الحالي، فإن المزيد من الصراع وعدم الاستقرار يشكل تهديدًا لمصالح السعودية والحوثيين على المدى الطويل، بحسب الباحثة في شؤون الخليج العربي.
ومنذ عام 2015، كان الحوثيون في حالة حرب مع الحكومة اليمنية وداعميها الإقليميين، خاصة السعودية والإمارات، ويتمتعون اليوم بالهيمنة العسكرية، ورغم رغبة الرياض في طرد الجماعة، إلا أنها تتمتع بقبضة قوية على العاصمة اليمنية، صنعاء، والمناطق الأكثر اكتظاظا بالسكان في البلاد، بما في ذلك المناطق المرتفعة حيث يقيم حوالي 80% من السكان.
هدف السعودية
وتريد الرياض إنهاء الصراع بسرعة، فمنذ عام 2015، أنفقت المملكة أكثر من 265 مليار دولار على حملتها العسكرية في اليمن دون نتيجة، وتريد الآن تحويل تركيزها إلى خطتها الاستراتيجية التنموية "رؤية 2030"، لإصلاح اقتصادها، والتي تشمل التركيز على جذب السياح.
ويمكن للحوثيين أن يفسدوا هذه الخطة بإطلاق الصواريخ عبر الحدود على المملكة، كما فعلوا طوال الحرب، ولذا تحتاج الرياض إلى انتهاء القتال في اليمن لضمان أمنها.
وفي أبريل/نيسان 2022، وافقت الأطراف المتحاربة في اليمن على هدنة بوساطة الأمم المتحدة، لكن بعد 5 أشهر لم يتم تجديدها بعد أن رفضت الحكومة الموافقة على مطالب الحوثيين في اللحظة الأخيرة بدفع رواتب موظفي حكومتهم، المدنية والعسكرية، من صادرات النفط والغاز.
ومنذ ذلك الحين، أصبحت القناة الخلفية التي تيسرها سلطنة عمان للسعودية والحوثيين هي المكان الرئيسي للمفاوضات.
واستبعدت الرياض الأمم المتحدة والجهات الفاعلة الغربية والحكومة اليمنية من المحادثات الجارية على أمل أن يؤدي ذلك إلى تسريع الطريق إلى السلام.
وفي 14 سبتمبر/أيلول، سافر وفد من الحوثيين إلى الرياض للقاء المفاوضين السعوديين. وجاءت هذه الزيارة غير المسبوقة بعد 6 أشهر من سفر السفير السعودي لدى اليمن، محمد الجابر، إلى صنعاء لإجراء مناقشات مع المسؤولين الحوثيين. وبينما قالت الرياض إن الاجتماع حقق "نتائج إيجابية"، لم تكن هناك مؤشرات تذكر على تحقيق انفراجة.
شروط الحوثيين
وتشير فينا إلى أن مناقشاتها مع الأطراف المتحاربة أوصلتها إلى قناعة بأن الإطار العام للاتفاق الحوثي السعودي أصبح قائماً، على الرغم من أن بعض التفاصيل الصغيرة لا تزال بحاجة إلى حل. وتستند الصفقة على اقتراح قدمته سلطنة عمان في البداية، ولم يتنازل الحوثيون فيها عن شروطهم لإنهاء الحرب، وهي: رفع جميع القيود المفروضة على الحركة في مطار صنعاء الدولي وميناء الحديدة، وضمان دفع رواتب جميع موظفي الدولة، بما في ذلك العسكريين والأمنيين، من عائدات النفط الحكومية، وانسحاب جميع القوات الأجنبية من اليمن.
ولن يفكر الحوثيون في الدخول في محادثات يمنية مع خصومهم إلا بعد استيفاء هذه الشروط، بحسب فينا، مشيرة إلى أن مناقشاتها مع مسؤول سعودي، لم تسمه، ترجح استعداد الرياض للاستجابة لمعظم مطالب الحوثيين إذا وافقوا على وقف دائم لإطلاق النار.
كما تريد الرياض من الحوثيين الالتزام بالمشاركة في المحادثات المستقبلية التي تقودها الأمم المتحدة مع منافسيهم اليمنيين، ومع ذلك، فإن إحدى النقاط الشائكة الرئيسية هي مسألة دفع الرواتب، أي الآلية التي سيتم من خلالها توزيع دفعات الرواتب.
فالحوثيون يصرون على أن يحصل موظفو الدولة في المناطق التي يسيطرون عليها على رواتبهم من أرباح صادرات النفط الحكومية، ويشكل ذلك تحديًا كبيرًا للحكومة، حيث تشكل تلك الأرباح غالبية إجمالي إيراداتها.
ويريد الحوثيون مصدرًا مستدامًا للإيرادات لضمان استقلالهم الاقتصادي وضمان قدرتهم على الحكم، وقد حاولوا دون جدوى تأمين ذلك عسكريًا من خلال محاولة الاستيلاء على حقول النفط في مدينة مأرب في عام 2021 ويسعون الآن لتحقيق نفس الأهداف من خلال التفاوض.
ويبدو أن الجانبين وجدا حلاً بديلاً لمسألة دفع الرواتب، بحسب فينا، مشيرة إلى أن السعودية وافقت على تغطية رواتب الحوثيين لمدة عام، على أن يتم دفعها على قسطين.
وخلال هذه الفترة، ستقوم كل من الحكومة اليمنية والحوثيين بتشكيل لجان اقتصادية للتفاوض وتحديد الجوانب الفنية لاتفاق دائم لتقاسم الإيرادات بين الجانبين.
وهناك عقبة أخرى تتمثل في أن الرياض تريد أن يعترف بها الحوثيون كوسيط، وليس طرفا في الصراع، في محاولة محتملة لتجنب تحمل تكاليف إعادة الإعمار.
وتدرك السعودية أيضاً أن هكذا شروط قد تكون صعبة على شريكها الاسمي، الحكومة اليمنية، ممثلة في مجلس القيادة الرئاسي، المنزعج من أن يتم التفاوض على ثروته النفطية دون مشورته.
وإضافة لذلك، تعمل الرياض على افتراض أنها إذا رضخت لمطالب الحوثيين، فسيشاركون في محادثات يمنية داخلية للتوصل إلى تسوية، لكن الحكومة اليمنية تخشى أن يفضي الاتفاق إلى تنازل كامل للحوثيين وبالتالي خروجها خالية الوفاض من الصراع، ومحاولة الحوثيين الاستيلاء على كامل اليمن لاحقا.
وتتفاقم مخاوف الحكومة اليمنية بسبب قيام السعودية باستبعادها مؤخراً من محادثاتها مع الحوثيين، وأثار ذلك الشكوك في أن الرياض قد تعطي الأولوية لمصالحها الخاصة وتتخلى عن حلفائها اليمنيين بمجرد التوصل إلى اتفاق.
وفي الواقع، لم تؤكد السعودية للحكومة اليمنية أنها ستقدم الدعم العسكري إذا انزلق اليمن مرة أخرى إلى صراع داخلي.
وإذا شن الحوثيون هجوماً عسكريا، وهو أمر غير مؤكد، فإن الحكومة اليمنية سترد، لكن نجاحها سيتوقف جزئياً على ما إذا كانت الرياض ستقدم دعماً جوياً حاسماً أو تتخلى عنه في سيناريو على غرار أفغانستان.
ومع ذلك، فإن جولة أخرى من القتال، واحتمال استيلاء الحوثيين على السلطة، هي نتيجة تريد السعودية تجنبها أيضًا، كما تريد منع عدم الاستقرار في المستقبل.
وحتى لو تمكن الحوثيون من السيطرة على كامل اليمن بعد التوصل إلى السلام مع الرياض، فإن قدرتهم على الحفاظ على السلطة ستكون موضع شك، إذ يواجهون معارضة كبيرة من منافسيهم، خاصة القوة العسكرية للجماعات المدعومة من الإمارات العربية المتحدة، مثل ألوية العمالقة، التي نجحت في صد الحوثيين في الجبهات الرئيسية بمحافظتي شبوة ومأرب.
وبشكل عام، فإن عودة الصراع المحلي في اليمن، الذي يمكن أن يغير الخطوط الأمامية، لن يؤدي إلا إلى تفاقم الوضع الأمني الهش، وهو أمر لن تتمكن السعودية من تجاهله، باعتبارها جارة اليمن.
تحدي الرياض
وهنا تشير فينا إلى أن التحدي الذي يواجه الرياض، والذي يمكن القول إنه سبب إطالة أمد المفاوضات، هو ضمان التزام الحوثيين بوقف إطلاق النار والعمل على التوصل إلى تسوية مع منافسيهم اليمنيين.
ومن خلال التواصل مع الحوثيين، مع الحفاظ أيضًا على قنوات مباشرة مع طهران، تختبر الرياض ما إذا كان بإمكان الحوثيين شن هجوم دون موافقة طهران.
وخلال الأشهر القليلة الماضية، لم ينفذ الحوثيون إلى حد كبير تهديداتهم بالعودة إلى الصراع، لذا فإن استراتيجية السعودية في العمل مع كل من القنوات الحوثية والإيرانية قد تكون ناجحة، حسبما ترى الباحثة في شؤون الخليج العربي.
ورغم حالة الجمود، كانت كل من السعودية والحوثيين مترددين في إشراك الأمم المتحدة، إذ تخشى الرياض أن يؤدي ذلك إلى إطالة أمد العملية، لأن الأمم المتحدة تشترط إشراك الأطراف اليمنية الأخرى في محادثات السلام.
وترى فينا أنه سيكون من الصعب للغاية إيجاد تسوية سياسية سريعة عبر قنوات الأمم المتحدة بسبب المواقف السياسية المتنوعة والمتعارضة في كثير من الأحيان داخل مجلس القيادة الرئاسي اليمني، كما يعتقد الحوثيون أن تجنب الأمم المتحدة مسألة استراتيجية، إذ يريدون مضاعفة مسار المفاوضات الذي سيجلب لهم أكبر الفوائد.
وترى الباحثة أن الرياض مستعدة لتقديم تنازلات أكبر إذا تمكنت من تأمين خروج سريع من اليمن، بينما لا يبدو الحوثيون حريصون على التعامل مع الحكومة اليمنية، التي يعتبرونها بيدقًا في أيدي السعودية.
وتفضل السعودية أيضًا أن تنفذ الأمم المتحدة تعقيدات صفقة التسوية السياسية، خاصة ما يتعلق بتفاوض الأطراف اليمنية على الجوانب الفنية للتسوية، بدءًا من نزع السلاح إلى عائدات النفط.
وترى فينا أن هذه مهمة ضخمة للأمم المتحدة، وتنطوي على مخاطر محتملة، ويمكن للقوى المحلية الموجودة على الأرض أن تعرقل تنفيذها، خاصة المجلس الانتقالي الجنوبي، وهو مجموعة انفصالية ممثلة في الحكومة اليمنية، ويسيطر على مناطق كبيرة في الجنوب، ويعارض علناً أي اتفاق يقتطع من ثروته النفطية لدفع الرواتب.
وإضافة لذلك، فإن دولة الإمارات العربية المتحدة، الداعم الرئيسي للمجلس، غائبة عن المناقشات الحوثية السعودية، سبق لها استثمار موارد عسكرية واقتصادية كبيرة لدعم حلفاء محليين وتأمين السيطرة على الموانئ الجنوبية وحقول النفط والغاز.
وتخلص الباحثة في شؤون الخليج العربي إلى أن الاتفاق السعودي الحوثي، الذي يترك اليمن عرضة للصراع، يمكن أن يتعارض مع المصالح الأساسية للإمارات في اليمن، ما يشجع المجلس الانتقالي الجنوبي على تقويضه.
وإذا فشلت المحادثات التي تيسرها الأمم المتحدة في مناقشة الجوانب الفنية لاتفاق تقاسم الإيرادات مع الحوثيين، فقد تنهار عملية السلام، ما يزيد من خطر تجدد الصراع اليمني.