كمال صالح - الخليج أونلاين-
في اليوم الـ44 من الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، قرر الحوثيون المضي خطوة أخرى في طريق التصعيد ضد "إسرائيل"، وذلك من خلال الاستيلاء على سفينة لها هوية إسرائيلية، واقتيادها إلى سواحل اليمن.
تصعيد جاء بعد ساعات من بيان تضمن قائمة جديدة ببنك الأهداف البحرية لدى الجماعة، والتي تضمنت كل السفن التي لها علاقة بـ"إسرائيل"، إضافة إلى تحذير الدول التي لها مواطنون أو شحنات على متن تلك السفن.
هذه التطورات بالقرب من باب المندب تعيد إلى الأذهان خطوة إغلاق المضيق في حرب 1973، وهي الخطوة التي كان لها دور حاسم في إضعاف موقف "إسرائيل"، ودفعها للذهاب نحو المفاوضات، فما التداعيات المترتبة على هذا التصعيد من قبل الحوثيين؟ وما أبعاد وحدود الرد الإسرائيلي، وربما الدولي المحتمل؟ خصوصاً مع نفي تل أبيب أن تكون السفينة لها، مؤكدة أنها بريطانية تديرها شركة يابانية.
تفاصيل العملية
عملية عسكرية في البحر الأحمر نتج عنها استيلاء الحوثيين على السفينة "غالاكسي ليدر"، المملوكة لرجل الأعمال الإسرائيلي رامي آنغر، بحسب بيان الحوثيين، ووسائل إعلام إسرائيلية ودولية.
المتحدث العسكري باسم قوات الحوثي العميد يحيى سريع أكد، في بيان له، أن السفينة اقتيدت إلى الساحل اليمني، وأن "كافة السفن التابعة لإسرائيل، أو التي تتعامل معها، ستكون أهدافاً مشروعةً لقوات الجماعة"، داعياً الدول إلى إبعاد رعاياها عن السفن الإسرائيلية أو المملوكة لإسرائيليين.
وتضاربت الأنباء حول عدد وهوية الطاقم الذي احتجز على متن السفينة "غالاكسي ليدر"، المتخصصة في شحن السيارات، فبينما قالت مصادر حوثية إن عددهم 52 شخصاً، قال مكتب رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو إن عددهم 25 فرداً فقط، في حين قالت صحيفة "نيكي" اليابانية إن عددهم 22 شخصاً ليس فيهم يابانيون.
مسؤولون أمريكيون قالوا لـ"إن بي سي" و"أسوشييتد برس" إن الحوثيين استخدموا مروحية لإنزال مسلحين على متن السفينة الإسرائيلية التي استولوا عليها في مياه البحر الأحمر.
أما المتحدث باسم جيش الاحتلال الإسرائيلي دانيال هنغاري، فقال إن السفينة التي استولى عليها الحوثيون "غادرت تركيا في طريقها إلى الهند، بطاقم مدني دولي لا يضم مواطنين إسرائيليين ولا علاقة لإسرائيل بها"، واصفاً العملية بأنها "حدث خطير للغاية عالمياً".
وبالرغم من نفي مكتب رئيس وزراء دولة الاحتلال نتنياهو أن تكون السفينة إسرائيلية، فإن بيانات الشركة على مواقع الرصد الملاحي تؤكد أنها تابعة لشركة مملوكة لرجل الأعمال الإسرائيلي رامي أنغر.
وحمل مكتب نتنياهو في بيان نشره الحساب الرئيس لحكومة الاحتلال على منصة "إكس" إيران المسؤولية، قائلاً: "تم اختطافها بتوجيهات إيرانية من قبل الحوثيين في اليمن"، وهو ما نفاه المتحدث باسم خارجية إيران ناصر كنعاني.
معركة البحر
لا يبدو أن لدى الحوثيين أي محاذير، أو حسابات حول عواقب اعتراض السفن الإسرائيلية، أو التي لها علاقة بـ"إسرائيل" في البحر الأحمر، وهذا ما ذهب إليه القيادي في الجماعة ورئيس وفدها التفاوضي محمد عبد السلام.
عبد السلام قال في تغريدة على حسابه على منصة "إكس": إن "احتجاز السفينة الإسرائيلية خطوة عملية تثبت جدية قوات الجماعة في خوض معركة البحر مهما كانت أثمانها".
وأكد القيادي الحوثي أن "هذه هي البداية"، وأن عدم توسيع الصراع لن يكون إلا بوقف العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة.
مكتب نتنياهو هو الآخر أشار إلى أن استيلاء الحوثيين على السفينة "يشكّل قفزة إلى الأمام فيما يخص العدوان الإيراني على مواطني العالم الحر"، مضيفاً أنه "يخلق تداعيات دولية على أمن خطوط الملاحة الدولية".
مخاطر على الملاحة
في 31 أكتوبر، أعلن الحوثيون انخراطهم رسمياً في الحرب ضد "إسرائيل" من خلال إطلاق الطائرات المسيرة والصواريخ الباليستية، وحتى اليوم شنّوا عدة هجمات، بعضها اعترض في سماء إيلات الإسرائيلية، وبعضها لم تصل، والبعض الآخر اعترضته بوارج أمريكية في البحر الأحمر، لكن تصعيدهم الأخير يمكن أن يشكل "المرحلة الأولى لتوسيع نطاق الحرب"، وفقاً لتوصيف وزير خارجية إيران حسين أمير عبد اللهيان.
وقال الوزير الإيراني، إن أطراف المقاومة التي تتخذ قراراتها بنفسها قد بدأت بالخطوة الأولى لتوسيع الحرب، مؤكداً أنه "في حال فشل جميع السيناريوهات الممكنة لوقف الجرائم على المدى القصير فجميع الاحتمالات واردة، وقد يتغير وضع المنطقة".
ومن شأن احتجاز الحوثيين السفينة "غالاكسي ليدر"، واعتقال طاقمها، أن يؤثر تأثيراً مباشراً على الأمن في طريق الملاحة الدولي الذي يمر عبر باب المندب، وهذا يمثل تحولاً خطيراً في مسار الحرب.
وعن هذا يقول الأكاديمي الإماراتي عبد الخالق عبد الله: إن "اختطاف الحوثي سفينة تجارية تبحر في المياه الدولية، مهما كانت هويتها ومن هو مالكها، عمل من أعمال القرصنة، وليس عملاً بطولياً، ولا يخدم أهل غزة، ولا يحرر شبراً من فلسطين".
وأضاف في تغريدة على حسابه بمنصة "إكس": "لقد أكدت جماعة الحوثي الإيرانية بهذا الفعل أنها تشكل خطراً على سلامة الملاحة في البحر الأحمر وباب المندب وبحر العرب".
مخاوف مشروعة
استهداف السفن الإسرائيلية في عُرض البحر ليس جديداً في المنطقة، وخلال السنوات القليلة الماضية، شهدت المياه الإقليمية في منطقة الخليج وبحر العرب هجمات متبادلة بين إيران و"إسرائيل"، وشكلت تلك الهجمات هاجساً دولياً من احتمالية نشوب حرب تؤثر على إمدادات الطاقة وحركة نقل السلع.
أبرز تلك الهجمات كان استهداف السفينة الإسرائيلية "هايبيرن" قبالة سواحل إمارة الفجيرة الإماراتية، منتصف أبريل 2021، وكذا تعرض سفينة أخرى تابعة لشركة "زودياك" لهجوم بمسيرة انتحارية في خليج عمان، أواخر يوليو 2021، ثم في منتصف نوفمبر 2022، استُهدفت سفينة النفط الإسرائيلية "باسيفيك زيركون" قبالة ساحل عمان بطائرة مسيرة أيضاً.
وفي المقابل تعرّضت سفن تجارية إيرانية لهجمات مضادة من قبل "إسرائيل"، حيث كشفت طهران، في نوفمبر 2019، عن تعرض ثلاث سفن تابعة لها: "السعادة 1، حلم، سابيتي"، لهجمات قبالة سواحل السعودية في البحر الأحمر، في غضون ستة أشهر، إضافة إلى هجمات لاحقة اتهمت "إسرائيل" بالمسؤولية عنها، وفقاً لتقرير نشره معهد واشنطن في 2021.
التأثيرات المحتملة
سلاسل الإمدادات وحركة التجارة عبر المياه الدولية في البحر الأحمر ستتضرر حتماً من هذه الهجمات البحرية، وفقاً للخبير العسكري والاستراتيجي الدكتور علي الذهب.
وأضاف الذهب في تصريح لـ"الخليج أونلاين"، أن هذا التصعيد من قبل الحوثيين "سيؤثر على تدفق الإمدادات والتجارة الدولية، وكذا أسعار الشحن الدولي، والتي قد تتضاعف بسبب المخاطر".
وقال الخبير العسكري: "بالنسبة لتأمين السفن التي تدخل الموانئ اليمنية، فإن التأمين عليها سيرتفع، وهذا يعني ارتفاع كلفة السلع والمواد الأساسية، والنفط والغاز، وغير ذلك، خصوصاً الواردات التي تأتي عبر الموانئ اليمنية".
وحول تأثير هجمات الحوثيين على باب المندب، أوضح الذهب أنها ستؤدي إلى زيادة عسكرة البحر الأحمر، خصوصاً هذا المضيق، متوقعاً أن تشهد الفترة المقبلة "تكثيف الوجود الأجنبي في بعض الجزر اليمنية، وخصوصاً جزيرة ميون".
وشدد الذهب على أن "مصر ستكون أول المتضررين من هذه الإجراءات"، قائلاً: "هذا سيفرض وجوداً عسكرياً أجنبياً في البحر الأحمر يطغى على القدرات العربية، وخصوصاً قدرات مصر والأردن، فضلاً عن السعودية، كما أنه سيؤثر على حركة النقل البحري التجاري عبر البحر الأحمر وصولاً إلى قناة السويس".
ولفت إلى أن هذا التصعيد الحوثي "يمكن أن يقود مصر إلى إجراء تفاهمات مع الجماعة لتفادي تأثير هجماهم على وضع قناة السويس"، مشيراً إلى أن "هذا ما يريد الحوثيون الوصول إليه".
قرصنة بحرية
وبالرغم من أن الخطوة الحوثية أثارت حماساً في الأوساط الشعبية، فإن لهذه العملية بعداً قانونياً، يتمثل في كون ما قاموا به "يمثل إرهاباً"، لأن السفينة التي احتجزوها "سفينة تجارية"، وفقاً للخبير العسكري علي الذهب.
وأضاف الذهب لـ"الخليج أونلاين": "السفينة تجارية، ولا يحق للحوثيين المساس بها وفقاً للقانون الدولي الإنساني، وحتى القانون الدولي العام، حتى وإن كانت مملوكة لشخص إسرائيلي".
واستطرد قائلاً: "لو كانت سفينة حكومية فمن المحتمل أنها تدعم اقتصاد الحرب في إسرائيل، أو أنها تدعم عمليات لوجستية، ولو أنها كانت عسكرية فإنه يجوز احتجازها في حال أعلنت أنها طرف في الحرب، أو خاضت عمليات في البحر والبحر، لكن ما دامت تجارية فهذا يُعد إرهاباً؛ لأن المسألة تتجاوز مفهوم القرصنة، وتتجاوز مفهوم السطو المسلح".
الرد المحتمل
ومنذ أن أعلن الحوثيون تنفيذ عمليات ضد "إسرائيل"، أواخر أكتوبر الماضي، اكتفت الأخيرة وحليفتها الولايات المتحدة بالتحذير من التصعيد، ولكن بعد احتجاز سفينة إسرائيلية في البحر الأحمر واقتيادها إلى منطقة الصليف على سواحل اليمن، فالأمر يأخذ بعداً آخر.
وحول الرد المتوقع يقول الخبير العسكري علي الذهب: "أتوقع أنه سيكون هناك رد إذا حصل تراكم لما بعد هذه العملية، أو إذا تمادى الحوثيون في ذلك".
وأشار إلى أن الحوثيين يسعون وراء أي رد عنيف من قبل "إسرائيل" أو أمريكا؛ "لإكساب قضيتهم بُعداً قومياً، ويزيح عنهم كثيراً من الأعباء الداخلية".
واستطرد قائلاً: "لكن يبدو أن الولايات المتحدة وإسرائيل تحاولان تخفيف بؤر التوتر في البحر الأحمر، ومن ثم أتوقع أن تتخذ الولايات المتحدة وإسرائيل تدابير لحراسة سفنها في المنطقة".
ولفت إلى أن وضع "إسرائيل" الآن ليس كما كان قبل عام، حينما هاجمت سفناً إيرانية رداً على عمليات احتجاز سفن إسرائيلية، أو تعرضها للتهديد، كما حدث في بحر العرب بين الطرفين، وكذلك شرقي المتوسط.
واختتم حديثه لـ"الخليج أونلاين" بالقول: "في الوقت الراهن أيضاً أتصور أن إسرائيل لديها أهداف استراتيجية أكبر من ذلك، ولا تريد أن تعطي الحوثيين اهتماماً أكبر، هذا إذا لم تكن هذه المسألة طعماً للحوثيين".