علاقات » عربي

بمبعوث خاص والضغط على الإمارات.. اتجاه أمريكي لتصحيح المسار بشأن الحرب في السودان

في 2023/12/22

فورين بوليسي/ترجمة الخليج الجديد- 

أفادت مجلة "فورين بوليسي"، الجمعة، بأن واشنطن تحاول تصحيح مسارها بشأن الحرب الأهلية الدائرة في السودان، حيث يمارس مشرعون أمريكيون الضغط على إدارة الرئيس، جو بايدن، لاتخاذ نهج أكثر قوة بعد أشهر من القتال العنيف والفظائع التي أدت إلى إغراق الدولة الواقعة في شرق إفريقيا في مزيد من الفوضى.

وذكرت المجلة، في تقرير ترجمه "الخليج الجديد"، أن تحرك المشرعين الأمريكيين يأتي بعد فشل الجهود التي توسطت فيها الولايات المتحدة لوقف الصراع بالسودان، مشيرة إلى أن أعضاء مجلس الشيوخ الأمريكي الأقوياء يحثون إدارة بايدن على الاستعانة بمبعوث أمريكي خاص جديد إلى السودان للتركيز على الاستجابة للأزمات بتفرغ كامل وبث حياة جديدة في السياسة الأمريكية بشأن الصراع، الذي طغت عليه الحرب في غزة وأوكرانيا مؤخرا.

وفي السياق، قال مسؤولون أمريكيون، حاليون وسابقون، إن توم بيرييلو، عضو الكونجرس الديمقراطي السابق والدبلوماسي في إدارة الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما، هو أبرز المرشحين لمنصب المبعوث الأمريكي المحتمل إلى السودان، لكنهم أشاروا إلى عدم اتخاذ قرار نهائي بعد، وأن هناك جدلًا داخليًا مستمرًا حول مدى رفع مستوى التمثيل الأمريكي إلى مبعوث دائم.

وأوضح المسؤولون أن خلافا يدور حول ما إذا كان المبعوث سيقدم تقاريره إلى الرئيس الأمريكي أم وزير الخارجية، أنتوني بلينكن، أم كبيرة الدبلوماسيين المشرفين على الشؤون الأفريقية مساعدة وزير الخارجية، مولي في، فيما يريد المشرعون مبعوثا يتمتع بصلاحية رفيعة المستوى.

ودخل السودان في حالة من الفوضى منذ أبريل/نيسان الماضي بعد اندلاع منافسة بين الجيش النظامي وقوات الدعم السريع، وبدأت القتال بينهما من أجل السيطرة على البلاد.

وتشير التقديرات إلى أن أكثر من 10 آلاف شخص قتلوا في الحرب، ونزح ما لا يقل عن 6.7 مليون شخص. وتقول وكالات الإغاثة إن أكثر من 6 ملايين شخص في السودان معرضون لخطر المجاعة. واتخذ الصراع منعطفًا جديدًا قاتمًا هذا الأسبوع عندما استولت قوات الدعم السريع على "ود مدني" ونهبت ثاني أكبر مدينة في السودان، والتي كان يُنظر إليها على أنها واحدة من آخر الملاذات الآمنة الرئيسية في البلاد ومركزًا رئيسيًا للعمليات الإنسانية.

واتهمت الولايات المتحدة كلا الجانبين بارتكاب جرائم حرب في الصراع، وخصت قوات الدعم السريع بارتكاب جرائم ضد الإنسانية والتطهير العرقي.

حرب بالوكالة

وتحول الصراع في السودان إلى حرب بالوكالة بين المنافسين الإقليميين، حيث تدعم مصر القوات المسلحة السودانية وتدعم الإمارات العربية المتحدة قوات الدعم السريع؛ حتى أن روسيا بادرت إلى دعم قوات الدعم السريع من خلال قوة مجموعة المرتزقة "فاجنر".

وأثار دعم الإمارات لقوات الدعم السريع، وهي الميليشيا التي نفذت إبادة جماعية في دارفور قبل عقدين من الزمن، حفيظة الكونجرس بشكل خاص، إذ اتخذت مجموعة أخرى من المشرعين الديمقراطيين في مجلس النواب خطوة غير عادية بإرسال رسالة مباشرة إلى وزير الخارجية الإماراتي، عبدالله بن زايد، تدين فيها دعم بلاده للدعم السريع، محذرين من أن مثل هذا الدعم قد يضر بالعلاقات الأمريكية الإماراتية.

وتكشف هذه الخطوة عن الإحباط المتزايد في الكونجرس بشأن استجابة الولايات المتحدة والمجتمع الدولي للصراع في السودان، الذي يعد أحد أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم، لكنه لم يحظ سوى بجزء صغير من الاهتمام المخصص للحرب في غزة أو أوكرانيا.

وفي الوقت نفسه، يشعر المدافعون عن حقوق الإنسان بالإحباط المتزايد من حقيقة أن إدارة بايدن لم تمارس ضغوطًا سياسية وعلنية كافية على الإمارات لوقف تزويد قوات الدعم السريع سرًا بالأسلحة والذخيرة، في انتهاك لحظر الأسلحة الحالي الذي تفرضه الأمم المتحدة على دارفور، ورغم فظائعها واسعة النطاق ضد المدنيين، بما في ذلك تقارير عن عمليات اغتصاب جماعي وعمليات قتل عرقية في حملتها للسيطرة على كامل السودان.

وكشف تحقيق أجرته صحيفة نيويورك تايمز، ونُشر في سبتمبر/أيلول، أن الإمارات زودت قوات الدعم السريع بأسلحة قوية وطائرات مسيرة لدعم قتالها ضد القوات المسلحة السودانية.

وقالت نائبة مدير مكتب منظمة "هيومن رايتس ووتش" في واشنطن، نيكول فيدرسهايم، إن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بحاجة إلى "المشاركة الكاملة في تطبيق حظر الأسلحة لقمع العنف" في السودان.

وكتب المشرعون الأمريكيون إلى وزير الخارجية الإماراتي رسالة مفادها أن تزويد قوات الدعم السريع بالأسلحة "سيشكل خطرا كبيرا على سمعة دولة الإمارات ويضع الشراكة الوثيقة الطويلة الأمد مع الولايات المتحدة موضع شك".

ووقع الرسالة 10 مشرعين ديمقراطيين، بقيادة النائبة، سارة جاكوبس، أكبر عضو ديمقراطي في اللجنة الفرعية لأفريقيا التابعة للجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب.

انتهاك الإمارات

وفي السياق، وقالت خلود خير، المديرة المؤسسة لمؤسسة كونفلوينس الاستشارية، وهي مؤسسة بحثية مقرها الخرطوم: "الإمارات عملاق اقتصادي في المنطقة، وهي عضو في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، وفي الوقت نفسه تنتهك بوقاحة حظر الأسلحة الذي تفرضه الأمم المتحدة على دارفور".

 وأضافت: "الإمارات تفلت من جرائم القتل، بكل معنى الكلمة، وبكل المقاصد والأغراض: رجلها (قائد الدعم السريع: محمد حمدان دقلو، المعروف بحمديتي) هو الفائز، لذلك فليس لديها أي حوافز لتغيير موقفها في غياب أي ضغط خارجي حقيقي".

وتشير "فورين بوليسي"، في هذا الصدد، إلى أن بعض المسؤولين الأمريكيين يشعرون بالإحباط الشديد من دور إدارة بايدن في فشل الانتقال الديمقراطي في السودان، والذي زاد الصراع الحالي من انهياره، ويرون أن إدارة بايدن أهدرت وقتًا وموارد ثمينة في محاولة إحياء محادثات السلام بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع في جدة، والتي انهارت دون أي مكاسب ذات معنى.

ولذا يرى مشرعون أمريكيون أن إدارة بايدن بحاجة إلى رؤية جديدة ومبعوث خاص لمعالجة الأزمة في السودان.  

وفي السياق، قدم السيناتور الديمقراطي، رئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ، بن كاردين، والسيناتور الجمهوري، عضو اللجنة، جيم ريش، قرارًا مشتركًا، يوم الثلاثاء الماضي، يدعو إلى تعيين مبعوث خاص جديد رفيع المستوى إلى السودان.

وقال ريش في بيان: "هذا القرار المشترك يجب أن يشير بوضوح إلى أن الإدارة بالحاجة الملحة لمراجعة سياستها تجاه السودان، سواء من حيث الأفراد أو الإستراتيجية".

وقال كاردين: "إن العنف المستمر والمتصاعد في السودان، فضلاً عن تاريخ السودان في الإبادة الجماعية يتطلبان إجراءات عاجلة إضافية من الولايات المتحدة والمجتمع الدولي قبل فقدان المزيد من الأرواح".

 وأرسل عضوان ديمقراطيان آخران في مجلس الشيوخ، هما: مارك وارنر وتيم كين، رسالة منفصلة، يدعوان فيها إلى إرسال مبعوث خاص إلى السودان، ما يزيد الضغط على إدارة بايدن للتحرك.

كما يخشى المسؤولون الأمريكيون بشكل متزايد من إمكانية الإطاحة برئيس القوات المسلحة السودانية والحاكم الفعلي للسودان، عبد الفتاح البرهان، من السلطة على يد عناصر من جيشه بعد أن واجهت القوات المسلحة السودانية هزائم محرجة في ساحة المعركة على يد قوات الدعم السريع.

وقادت قوات الدعم السريع، ميليشيا عربية سيئة السمعة مسؤولة عن ارتكاب الإبادة الجماعية في منطقة دارفور، غربي السودان، في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين نيابة عن الديكتاتور عمر البشير، الذي حكم البلاد لفترة طويلة، وتمت الإطاحة به من السلطة وسط احتجاجات واسعة النطاق مؤيدة للديمقراطية عام 2019.

لكن التحول الديمقراطي تحول لاحقا عن مساره عندما شارك البرهان وحميدتي في تنسيق انقلاب ضد الحكومة الانتقالية التي يقودها المدنيون واستوليا على السلطة في عام 2021. واندلعت الحرب في أبريل/نيسان الماضي، بعد أشهر من التوترات المتصاعدة بين البرهان وحميدتي.

ومنذ ذلك الحين، نفذت قوات الدعم السريع والميليشيات العربية المتحالفة معها حملة تطهير عرقي واسعة النطاق ضد "المساليت"، وهي قبيلة أفريقية في دارفور، ما دفع نحو 1.4 مليون شخص إلى الفرار إلى البلدان المجاورة، بما في ذلك تشاد ومصر.

وتعود تلك الحملة، التي وصفتها بعض جماعات حقوق الإنسان بأنها إبادة جماعية، إلى حملة مشابهة للإبادة الجماعية في دارفور، بدأت في عام 2003.

ويعتقد عديد الخبراء والمسؤولين أن الصراع سيزداد سوءًا مع تقدم قوات الدعم السريع، ويعترفون بأنه لا توجد آفاق حقيقية لمحادثات سلام قابلة للحياة دون تدخلات دبلوماسية أكثر قوة من قبل القوى الغربية الكبرى، خاصة واشنطن.