كامل جميل - الخليج أونلاين-
تشير عودة العلاقات الدبلوماسية السعودية الليبية، إلى طريق تصفير المشاكل وصناعات التحالفات وبناء العلاقات، الذي انتهجته الرياض في الفترة الأخيرة مستغلة مكانتها بالمنطقة وقوتها الاقتصادية وعلاقاتها الجيدة مع جميع الأطراف الحاضرة في الملف الليبي.
ويرى مراقبون أن السعودية سيكون لها دور مؤثر في استقرار الأوضاع بليبيا، بعد أزمات وصراعات استمرت على مدار عقد كامل، كان للتدخلات الخارجية والصراعات الداخلية أثر في عدم التوصل لانتخابات نزيهة تمنح البلاد الاستقرار الذي تحتاج إليه.
والجمعة (6 يناير 2023) ذكرت وكالة الأنباء السعودية (واس) أن رئيس حكومة الوحدة الوطنية الليبية عبد الحميد الدبيبة، قدم شكره للعاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز ، وولي عهده الأمير محمد بن سلمان، على إعادة فتح سفارة المملكة في طرابلس.
جاء ذلك خلال الاجتماع الذي دعا إليه عبد الحميد الدبيبة، بحضور القائم بأعمال سفارة المملكة العربية السعودية، المستشار أحمد بن عبد الله الشهري، وعددٍ من سفراء الدول العربية والإسلامية والأفريقية المعتمدين لدى ليبيا.
وجرى خلال الاجتماع مناقشة عددٍ من القضايا المتعلقة بتطوير علاقات التعاون مع ليبيا.
ومنذ مايو الماضي، بدأت السعودية تعدّ الترتيبات اللازمة لإعادة فتح سفارتها بطرابلس.
وفي مايو 2014، أغلقت السعودية سفارتها وقنصليتها في طرابلس، وأجلت جميع أعضاء بعثتها الدبلوماسية لدى ليبيا نتيجة الفوضى التي شهدتها منذ الإطاحة بنظام معمر القذافي في أكتوبر 2011.
وقال السفير السعودي في ليبيا، محمد محمود العلي، في حينها لوكالة الأنباء السعودية الرسمية: إن البعثة السعودية "سوف تعود حال استقرار الأوضاع في العاصمة الليبية".
الصراع الليبي الليبي
ومنذ الإطاحة بالرئيس معمر القذافي في 2011، لم تشهد ليبيا استقراراً أمنياً، حيث وقع البلد تحت مطرقة الخلافات السياسية التي جرّت الليبيين إلى صراع داخلي.
في مارس 2016 وصل فايز السراج، رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق ليقود ليبيا لمدة أقصاها عام، وفق اتفاق الصخيرات المبرم في ديسمبر 2015، وليدير ما تبقى من المرحلة الانتقالية وصولاً إلى انتخابات ترسخ الحل النهائي.
لكن البلاد دخلت لاحقاً في صراع على السلطة. وفي مارس 2021 سلم المجلس الرئاسي السلطة لمجلس رئاسي برئاسة محمد المنفيّ، وحكومة للوحدة الوطنية برئاسة الدبيبة.
وكان مقرراً أن تُجرى انتخابات في ديسمبر من نفس العام، لكن كل الأطراف الداخلية والخارجية فشلت في تنظيمها حتى اليوم.
وأصبح من شبه المؤكد أن حكومة الوحدة الوطنية الليبية المنتهية ولايتها ستستمر في إدارة شؤون الحكم من العاصمة طرابلس حتى العام 2025، وهو ما يشير إلى وجود توافق على هذه الرؤية من قبل القوى المحلية والخارجية.
خارطة طريق جديدة
المملكة العربية السعودية أثبتت أنها تنتهج أسلوباً يُقدم المصالح الدبلوماسية والاقتصادية في علاقاتها الخارجية، فكانت لها عبر مسؤوليها عدة لقاءات مع مسؤولين ليبيين في الفترة الأخيرة.
بدورها أمضت ليبيا سنوات صعبة في ثياب العسكر، ويبدو أنها تسعى جاهدة لتغيير صورتها إلى مدنية ناصعة، تتصدرها علاقات نفعية متبادلة مع بقية الدول.
في مايو الماضي، أجرت حكومة الوحدة الليبية مباحثات مع السلطات السعودية، خلال لقاء عقد في مدينة جدة غربي المملكة، بين وزير المالية الليبي خالد المبروك، ونظيره السعودي محمد عبد الله الجدعان، وفق بيان لوزارة المالية الليبية.
وأوضحت المالية الليبية أن "اللقاء ناقش الخطوات الفعلية والعملية التي من شأنها تعزيز العلاقات المالية والاقتصادية بين ليبيا والمملكة والرفع من مستوى التشاور والتنسيق المشترك بالمؤسسات المالية العربية والدولية التي تساهم بها الدولتان".
وأعقب هذا اللقاء بثلاثة أيام لقاء في جدة جمع بين الأمير فيصل بن فرحان وزير الخارجية السعودية، مع نظيرته الليبية نجلاء المنقوش.
وذكرت وكالة الأنباء السعودية أن الجانبين تبادلا خلال اللقاء الذي جرى على هامش الاجتماع الوزاري التحضيري لمجلس جامعة الدول العربية على مستوى القمة في دورته الثانية والثلاثين وجهات النظر حيال الموضوعات المطروحة على جدول أعمال الاجتماع.
وفي ديسمبر الماضي، بحث وزير العمل والتأهيل، علي العابد، مع سفير السعودية، أحمد الشهري، تعزيز العلاقات الثنائية بين البلدين في مجالات تنمية الموارد البشرية وتنظيم سوق العمل.
واتفق الجانبان على إدارج ليبيا في منصة "قوى" الخاصة بتسجيل العمالة الوافدة في السعودية؛ ما يساهم في تسهيل حركة وتنقل المقيمين والعاملين من الليبيين في المملكة، وفق الوزارة.
من جانبه أكد الشهري أهمية تعزيز التعاون القائم في مجالات تنمية الموارد البشرية عبر الاستفادة من الخبرات والتجارب في البلدين؛ لتطوير سوق العمل وأنظمته، بحسب وزارة العمل والتأهيل الليبية.
دور الوسيط
المحلل السياسي د. الناصر دريد، الذي تحدث لـ"الخليج أونلاين"، يصف الملف الليبي بالـ"حساس"، لافتاً إلى أنه يتعلق بطرفين إقليميين يرى أن "السعودية تتجنب الاحتكاك بهما في المرحلة الحالية وهما الحليف المصري من جهة، والجانب التركي الذي تعود العلاقات بينه وبين السعودية بحذر، من جهة ثانية".
ويقول دريد إن "السعودية قطعاً لا تريد إثارة غضب أي من الطرفين المصري والتركي، وهما طرفان تتناقض مصالحهما في ليبيا، بالإضافة إلى الدور القطري والإماراتي بليبيا".
ولقطر والإمارات وتركيا ومصر دور مهم في الملف الليبي، حيث أبدت قطر جهوداً حثيثة لعودة الاستقرار إلى الدولة العربية من خلال دعم حكومة الوفاق المعترف بها دولياً.
أما الإمارات، وهي حليفة اللواء الليبي المتقاعد خليفة حفتر، قبل انفتاحها على حكومة الدبيبة، فأخذت تدعم الحل السياسي في ليبيا، وضرورة إجراء الانتخابات الرئاسية.
كما كانت مصر تقف إلى جانب حفتر، على خلاف تركيا التي وقفت إلى جانب حكومة الوفاق، والجميع اليوم يسعون إلى دعم الأطراف الليبية لقيام انتخابات تتشكل من خلالها حكومة تقود البلاد بتوافق جميع الأطراف.
وبناء على هذا؛ يقول الناصر دريد إن "السعودية ربما وجدت نفسها هي الوحيدة من دول المنطقة الكبيرة، بعيدة من دون وجود داع لذلك؛ إذ ليست هناك محاذير تحول دون دخول دور سعودي فاعل في المنطقة خصوصاً إذا لم تكن لها أجندات فيها".
وعليه يجد دريد أنه "ليس من المستغرب أبداً أن تعود السعودية في أقل تقدير لكي تلعب دورها كوسيط بين الأطراف المتناقضة على الأرض في داخل ليبيا".
ويواصل قائلاً: إن هناك توجهاً عاماً بدأ يأخذ منحنى مستقراً في الأوضاع السياسية الليبية إلى حد ما، وهناك جهد دولي مستمر لإعادة توثيق العلاقات، والسعودية -بحسب دريد- ربما رأت أن ليبيا مقبلة على الاستقرار أخيراً بعد مرحلة طويلة من الصراعات، ورأت من الأفضل لها أن تكون في هذه المرحلة حاضرة.
ويضيف أن السعودية في المرحلة القادمة "تحاول التوفيق إلى حد ما بين الأطراف المختلفة، ولا أقول المتصارعة، بحكم أنها أصبحت على علاقة طيبة بالجميع، فالمصالحة السعودية القطرية تمت بنجاح والعلاقات السعودية التركية تعود مرة ثانية إلى وضعها الطبيعي والعلاقات السعودية المصرية جيدة والعلاقات السعودية الإماراتية رغم أحياناً تشهد بعض الحساسيات بين الطرفين لكنها متينة"، وفق هذا كله يرى دريد أن "السعودية قد تكون في أوضح وضع لكي تقوم بهذا الدور".