يوسف حمود - الخليج أونلاين-
مع تصاعد التطورات في المياه الدولية المحاذية لليمن والمرتبطة بالعدوان الإسرائيلي المستمر على قطاع غزة منذ 3 أشهر، كان اليمن على موعدٍ مع حدثين جديدين قد يكونان انعكاساً لتلك التطورات، وهدفها الرئيسي العمل على تأسيس استراتيجية جديدة للوضع السياسي في البلاد، والذي يترقب من خلاله اليمنيون اتفاقاً ينهي 9 سنوات من الحرب.
وبعد أقل من شهر على إعلان المبعوث الأممي إلى اليمن عن خارطة طريق جديدة لإنهاء الصراع بين المتمردين الحوثيين والحكومة المدعومة من التحالف العربي بقيادة السعودية، أُعلن رسمياً توحيد الأجهزة الاستخباراتية التابعة للحكومة وأخرى منضوية تحت كيانات عسكرية موالية للإمارات في كيانٍ موحد.
وينظر إلى القرار على أنه اختراق مهم في مسار إعادة هيكلة مؤسسات الشرعية وفقاً لنتائج مشاورات الرياض والإعلان الدستوري الذي تم بموجبه نقل السلطة إلى المجلس، فهل ينجح هذا الكيان الجديد أم سيتواصل الصراع مرة أخرى؟ وما الأهداف الرئيسية منه؟
قرار لافت
لا تزال الكثير من الآمال لدى اليمنيين الموالين للشرعية بإنهاء الانقسام في المؤسسات الأمنية والعسكرية، حيث تعتبر الاستخبارات أحد أبرز تلك الأجهزة التي يرغبون بأن تتوحد لتكون تحت طائلة الحكومة والمساءلة في حال ارتكبت مخالفات أمنية.
في الـ4 من يناير 2023، أصدر رئيس مجلس القيادة الرئاسي في اليمن رشاد العليمي، بصفته القائد الأعلى للقوات المسلحة، قرارين بإنشاء الجهاز المركزي لأمن الدولة، وجهاز مكافحة الإرهاب، على أن يكون مقرهما العاصمة المؤقتة عدن.
القرار الذي أصدره العليمي نص على دمج جهازي الأمن السياسي والقومي، وكيانات مماثلة تابعة لـ"المجلس الانتقالي الجنوبي" و"حراس الجمهورية" و"قوات العمالقة" في جهاز استخباري واحد تحت قيادته باسم "الجهاز المركزي لأمن الدولة".
بحسب وكالة الأنباء اليمنية "سبأ"، يتبع الجهاز رئيس مجلس القيادة الرئاسي، ويكون مسؤولاً أمامه عن تنفيذ جميع المهام والمسؤوليات المنوطة به.
على ضوء ذلك، سيبدأ رئيس جهاز الأمن السياسي اللواء الركن عبده الحذيفي، ورئيس جهاز الأمن القومي اللواء الركن أحمد المصعبي، مع فريق الدمج المشكل من مجلس القيادة الرئاسي، بإعداد خطة تنفيذية مزمنة لإنهاء واستكمال أعمال الدمج خلال مدة أقصاها ستة أشهر من تاريخ صدور القرار.
كما أصدر العليمي، وفق الوكالة، القرار رقم 6 لسنة 2024 بإنشاء جهاز أمني متخصص يسمى "جهاز مكافحة الإرهاب"، وأسند رئاسته إلى اللواء شلال علي شائع، القيادي في المجلس الانتقالي الجنوبي.
وتهدف هذه القرارات لإنهاء حالة التضارب في مهام واختصاصات الأجهزة الاستخبارية في المناطق الواقعة تحت سيطرة الحكومة، عقب دمج الكيانات السياسية الداعمة للشرعية في "مجلس القيادة الرئاسي" في أبريل 2022.
قرار هو الأول
لعل أهمية هذا القرار أنه يأتي للمرة الأولى التي يتم فيها تشكيل جهاز مركزي لأمن الدولة، وكذا جهاز لمكافحة الإرهاب في اليمن، وهو ما قد يطور الدور الاستخباراتي، ويدعم الجهاز الأمني للقيام بدوره، خصوصاً مع الحرب وانهيار معظم الأجهزة الأمنية في البلاد.
كانت الخطوات الجديدة قد بدأت منذ أكثر من عام، لكن يبدو أنها واجهت تحديات كبيرة، حيث كشفت وسائل إعلام محلية، في يوليو من 2022، عن اتفاق على توحيد عمل أجهزة المخابرات بمناطق الشرعية.
وقالت إن لجنة، شُكلت في مايو من ذلك العام، بدأت بالعمل على مخطط لهيكلة أجهزة الاستخبارات، مشيرة إلى أن اللجنة بدأت بإنهاء إعداد مقترح لدمج كافة أجهزة المخابرات.
وأوضحت أن اللجنة شكلت من "الانتقالي، والمقاومة الشعبية والساحل الغربي، والأجهزة الاستخباراتية الحكومية"، مشيرة إلى أنه تمت الموافقة على مقترح توحيد أجهزة المخابرات تحت اسم (أمن الدولة)، وتم تسليم رئيس المجلس الرئاسي المقترح حينها تمهيداً لصدور قرار بذلك.
الجزرة والعصا
يرى د.عبد الكريم غانم، الباحث في علم الاجتماع السياسي، أنه من الطبيعي توحيد أجهزة المخابرات الحكومية وتلك التي تتبع فصائل محسوبة على الإمارات في جهاز واحد.
لكن مع ذلك يعتقد أن هذه الخطوة "ليست سوى حلقة من مسلسل إقصاء حزب الإصلاح اليمني من الأجهزة الاستخباراتية، في ظل مساعي الإمارات لتفعيل دور القوات اليمنية الموالية لها في التصدي لهجمات الحوثيين ضد بعض السفن التجارية في البحر الأحمر ومضيق باب المندب".
ويوضح لـ"الخليج أونلاين" بقوله: "تلك الأنشطة العسكرية الحوثية التي تستهدف "إسرائيل" والسفن التابعة كان لها تأثيرها في كسب التعاطف والتأييد من قبل بعض المكونات الدينية، ومن بينها جزء من الجناح الديني في حزب الإصلاح، الذي يرى في الاستهداف الحوثي لـ"إسرائيل" دعماً لتحرير المسجد الأقصى ومناصرة لحركة حماس (المحسوبة على جماعة الإخوان المسلمين)".
وأكمل قائلاً: "هذا الأمر جعل السعودية أكثر اقتناعاً بسردية الإمارات في إضمار العداء لحزب الإصلاح، واقتناص اللحظة المناسبة لاجتثاثه من أجهزة الاستخبارات اليمنية".
ويعتقد أنه "لا جدوى من خطوة توحيد أجهزة المخابرات لفصائل عسكرية غير موحدة، ولكل منها أهداف وأجندات مختلفة، باختلاف مرجعياتها الوطنية والمناطقية والسلفية".
وحول إذا ما كان القرار استجابة لمتطلبات إعلان الخارطة الأممية وبما يتماشى مع تنفيذ بنود مشاورات الرياض، قال: "يمكن أن يُفهم في سياق سياسة (الجزرة والعصا) التي تتبعها الرياض مع الفصائل السياسية في اليمن، كمحاولة ضغط على جماعة الحوثي لدفعها نحو القبول بالتسوية السياسية التي تضمنتها خارطة الطريق، إلى جانب ما تتضمنه هذه الخطوة من استعداد لأي عمليات عسكرية قد تقتضيها التطورات الأمنية والتصعيد العسكري الحوثي".
تاريخ الأجهزة الاستخباراتية
في عام 1992 أنشأ الرئيس اليمني الراحل، علي عبد الله صالح، جهاز الأمن السياسي الذي كان يعد جهاز الاستخبارات الداخلي، تحت اسم "الجهاز المركزي للأمن السياسي".
منح هذا الجهاز حينها صلاحيات خاصة بـ"الاعتقال والاحتجاز" بالاستناد إلى قرار إنشائه، وليس بموجب أي قانون آخر، ومراكز الاحتجاز الخاصة به ليست من مراكز الاحتجاز الرسمية، كما هو وارد في الدستور اليمني.
لاحقاً وتحديداً في العام 2002، أنشأ صالح جهازاً أطلق عليه اسم "الأمن القومي"، ويعد جهازاً استخباراتياً أمنياً يتبع رئاسة الجمهورية، ويعمل على حفظ الأمن القومي للبلاد من أي عمل يهددها، سواء من البلد أو خارجها، وكان مرتبطاً بشكل كبير بالأجهزة الاستخباراتية الدولية، وكان للجانب الأمريكي مشاركة واسعة في تأسيسه.
أما الأجهزة الاستخباراتية التي أسست في الكيانات الموالية للإمارات، فقد بدأ تأسيسها منذ العام 2017 بتسميات غير معروفة داخل تلك الكيانات، وتتعرض لاتهامات بارتكاب "انتهاكات"، بحسب مؤسسات حقوقية يمنية.