علاقات » عربي

هل تنسحب أمريكا من سوريا فعلاً.. وما الموقف السعودي المنتظر؟

في 2024/01/26

محمد أمين - الخليج أونلاين- 

مرة أخرى يعود الحديث عن احتمالية انسحاب الولايات المتحدة الأمريكية من سوريا في خطوة تعيد إلى الأذهان التردد الذي اتسمت به سياسة واشنطن تجاه الوضع السوري.

فعلى مدار السنوات الماضية اشتملت السياسة الأمريكية على متضادات عجيبة، حيث كانت تؤيد ثورة الشعب السوري، والتوصل إلى حل سياسي، وتعارض القتل والتدمير الذي انتهجه النظام، لكنها في المقابل صرحت في أكثر من مناسبة بأنها ضد إسقاطه، كما أنها لم تمارس أية ضغوط على أرض الواقع لوقف الجرائم بحق المدنيين، ولم تضع ثقلها للتوصل لحل دبلوماسي.

ورغم ما يتم تداوله حالياً من أنباء في هذا الإطار، فإنها تبقى مجرد أقاويل، ما دام أنها لم ترتبط بتأكيد رسمي أمريكي وبخطوات على أرض الواقع.

وينتظر أن تخرج مواقف عربية من مثل هذه الخطوة، خصوصاً من السعودية التي عارضت الانسحاب الأمريكي قبل أعوام، إلا أنها اليوم في طريق عودة العلاقات الكاملة مع نظام بشار الأسد، كما أعادت العلاقة مع داعمته الأساسية إيران منذ نحو عام.

واشنطن لم تعد مهتمة بالبقاء في ‎سوريا

تراجعت أهمية الملف السوري لدى واشنطن بشكل كبير في السنوات الأخيرة، واتسمت بالـ"محدودية"، وهو ما أكدته مصادر أمريكية رفيعة المستوى مؤخراً.

ونقلت مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية، الأربعاء 24 يناير الحالي، عن مصادر رفيعة المستوى في البيت الأبيض ووزارتي الدفاع والخارجية قولها إن الولايات المتحدة تخطط للانسحاب من سوريا، وإنهاء وجودها العسكري.

وبحسب المصادر فإن واشنطن ترى أن وجودها في ‎سوريا لم يعد ضرورياً، وتبحث بشكل مكثف توقيت وكيفية الانسحاب، مؤكدة أنها "لم تعد مهتمة بالبقاء في سوريا".

المجلة أشارت، في تقرير مفصل، إلى "مناقشات داخلية نشطة تجري الآن لتحديد كيف ومتى يمكن أن يتم الانسحاب"، لافتة إلى أن إدارة جو بايدن تنظر في أولوياتها العسكرية في المنطقة في أعقاب الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة.

وحذرت المجلة في تقريرها من التداعيات "الكارثية" التي قد تخلفها هذه الخطوة على نفوذ واشنطن وحلفائها في سوريا، معتبرة أن "الانسحاب سيكون بمثابة هدية لتنظيم الدولة، الذي أضعفته ضربات التحالف الدولي بقيادة واشنطن، ولكنها لم تقض عليه تماماً؛ إذ من الممكن إذا أتيحت له الفرصة أن يعود للظهور مجدداً".

هل تعيد السعودية موقفها؟

تعود الأنباء المتداولة حالياً بالزمن إلى الوراء، وتحديداً عام 2018، حين قرر الرئيس الأمريكي آنذاك، دونالد ترامب، سحب قوات بلاده من الأراضي السورية، لتتدخل السعودية على إثر ذلك وتطلب منه التراجع عن ذلك القرار.

ويقول المحلل السياسي، حسن النيفي: "كانت السعودية هي أكثر الدول قلقاً حينها من مغادرة القوات الأمريكية للمنطقة في 2018".

وأضاف النيفي، لـ "الخليج أونلاين": "لعل مصدر القلق السعودي نابع من التمدد الإيراني الذي سيجد في غياب الرادع الأمريكي فرصة للتوغل في شؤون المنطقة وخاصة دول الخليج".

وتابع: "لذلك كان حرص السعودية واضحاً على أن تكون لها استراتيجية جديدة تنطلق من استلهام المتغيرات على الساحة الدولية، وبناء علاقات جديدة ومتوازنة مع الأطراف الدولية، هذه العلاقات الجديدة تعتمد على منطق المصالح المتكافئة وعدم الارتهان لجهة ما".

وأشار إلى أن "السعودية بادرت لإقامة جسور مع الصين، كما حافظت على علاقة متوازنة مع الروس، وأخيراً بادرت إلى إقامة تفاهمات مع إيران برعاية صينية في مارس من العام الفائت"، كما أعادت تدريجياً العلاقة مع نظام الأسد.

ويرى أن "معظم هذه التحولات في السياسة السعودية قد يكون سببها استشعار المملكة لتحوّل مباغت للموقف الأمريكي أو سحب واشنطن لقواتها من المنطقة، ولكي يكون لديها البدائل من العلاقات التي من شأنها أن تحصّن مصالحها، وخاصة الجانب الأمني من تلك المصالح".

وأكد المحلل السياسي أن "السعودية قرأت وبوقت مبكر إرهاصات السياسة الأمريكية لجناح الحزب الديمقراطي، وكانت خطوات الرياض تسير في رسم سياسة تتخطى المعالم التقليدية للعلاقة مع واشنطن، وبالفعل كانت التجليات الفعلية للنهج السعودي الجديد هي انفتاح في مجال الاقتصاد على عدة محاور دولية (الصين – إيران – روسيا)، فضلاً عن السعي لإنشاء مظلة أمنية وطنية (منظومة أمن وطني) تعتمد على العمق العربي والإقليمي، وعدم الارتهان للبعد الأمريكي أو الغربي".

انسحاب لتفادي المواجهة مع إيران

يؤكد المحلل السياسي، حسن النيفي، أن "الوجود الأمريكي في سوريا كان لمواجهة تنظيم داعش في الأصل، وبالتنسيق مع قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، ولكن بعد نهاية داعش أصبحت وظيفة القوات الأمريكية التصدي للتوغل الإيراني من جهة الحدود العراقية، أي إن الوجود الأمريكي لا صلة فعلية له بالقضية السورية بحد ذاتها".

وأوضح أنه "الآن ربما تعتقد واشنطن أن وجود قواتها في شرق سوريا يعرّضها لاستهداف مستمر من أذرع إيران، علماً أنها لا تريد فتح مواجهة مباشرة مع إيران وإنما تسعى لاحتوائها سياسياً".

وأضاف: "لعل قرار الانسحاب نابع من رغبة واشنطن في تحاشي المواجهة مع إيران وحرصاً على عدم التعرّض لأي خسائر بشرية".

من سيحل محل الولايات المتحدة؟

لعل السؤال الأبرز الذي يطرح نفسه إذا ما انسحبت القوات الأمريكية بالفعل من الأراضي السورية: "من يملأ الفراغ؟".

وفي إجابته عن هذا السؤال، يعتقد المحلل السياسي في حديث لـ"الخليج أونلاين"، أن الروس هم من سيحاولون ملء الفراغ.

ويوضح بالقول: "لسبب أساسي ستكون روسيا؛ بسبب خشية رئيسها فلاديمير بوتين من هجوم تركي يستأصل قوات سوريا الديمقراطية قسد من المنطقة".

ورجح أن يكون "نظام الأسد هو الرابح الأكبر من هذه عملية، إلا إذا كان هناك شيء مسبق بين واشنطن وأنقرة بهذا الخصوص، وهذا مستبعد بطبيعة الحال".

فصل جديد من فصول الفوضى

ورأى النيفي أن "قرار الانسحاب الأمريكي إن حدث بالفعل، فسوف يعيد خلط الأوراق من جديد، فهو سوف يترك سؤالاً تصعب الإجابة عنه أولاً: ما مصير قسد (قوات سوريا الديمقراطية) ومسد (مجلس سوريا الديمقراطية)؟".

ثم طرح تساؤلات عديدة وهي: "هل تندمج قسد مع قوات النظام؟ وما الموقف التركي من هذه الخطوة؟ وما مصير سكان تلك المناطق إن دخلت قوات النظام؟".

واختتم حديثه بالقول: "أسئلة لا تحظى بإجابات دقيقة، ولكن من المؤكّد أن خلط الأوراق لن يكون بمنأى عن فصل جديد من فصول الفوضى".