علاقات » عربي

واشنطن بوست: وزير دفاع أمريكي ومُطلِق لقب “إسبرطة الصغيرة” على الإمارات حاول التستّر على دوره كمستشار لبن زايد في حرب اليمن

في 2024/02/07

صحيفة “واشنطن بوست”- 

نشرت صحيفة “واشنطن بوست” تقريراً عن علاقة وزير الدفاع الأمريكي السابق جيمس ماتيس مع الإمارات العربية المتحدة، وكيف قدّم جنرال المارينز المتقاعد الخدمات للإمارات ورئيسها الحالي الشيخ محمد بن زايد، وكيف بذل جهده لإخفاء العلاقة عن الرأي العام، إلا أن الصحيفة، التي قدمت ضدها دعوى قانونية بسبب وثائق العلاقة، ربحت الدعوى.

وبدأت العلاقة بعد فترة قصيرة من دخول الإمارات إلى جانب السعودية لقتال الحوثيين في اليمن، عام 2015، حيث اتصل محمد بن زايد، ولي عهد أبو ظبي في حينه، والحاكم الفعلي، ونائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، بصديق قديم له، ماتيس الذي تقاعد من العسكرية، بعد سنوات من الحروب في الشرق الأوسط وأفغانستان. وكان محمد بن زايد يريد النصيحة، بعدما لم تؤدّ الحملة الجوية ضد الحوثيين، وقتلت العديد من المدنيين، إلا القليل من النتائج، وهدّدت بالتحوّل إلى مستنقع.

وبناء على القانون الفدرالي، قدّمَ ماتيس، في حزيران/ يونيو 2015، طلباً إلى وزارة الخارجية للسماح له بتقديم النصح  لمحمد بن زايد في “المجال التكتيكي والمعلوماتي والأخلاقي” للحرب في اليمن، حسب وثائق لم يكشف عنها في السابق، وحصلت عليها الصحيفة من خلال دعوى قضائية  بناءً على قانون حرية المعلومات.

وكان طلب ماتيس غير عادي: جنرال شهير بأربع نجوم يريد العمل مع رئيس دولة كمستشار في حرب جارية!

وقد كشفت الوثيقة، التي حصلت عليها “واشنطن بوست”، أن ماتيس سيقوم بمهمة مدفوعة الثمن، ويقدّم النصح بشأن الحرب الجارية في اليمن. وحصلت الصحيفة على الوثيقة بعد دعوى ضد قوات المارينز ووزارة الخارجية. وزاد من الأمر تعقيداً مشاركة الولايات المتحدة في الحرب، فقد وافقت إدارة باراك أوباما على دعم جهود التحالف بقيادة السعودية والإمارات وتوفير الوقود للمقاتلات جواً، في وقت زادت فيه مظاهر القلق الأمريكية بشأن تزايد أعداد القتلى بين المدنيين.

 ومع ذلك، فقد وافق المسؤولون على مهمة ماتيس الاستشارية سريعاً. وحاولوا إخفاء الدور الاستشاري له في حرب اليمن، وبعدما قدمت الصحيفة دعوى قضائية عام 2021 للحصول على سجلات ماتيس الشخصية، حيث وافقوا بعد عامين ونصف على الكشف عن وثيقة واحدة.

ولم يخفِ ماتيس عمله مع الإمارات عندما عاد في 2017 للعمل كوزير دفاع في إدارة دونالد ترامب، حيث ذكر هذا في استمارات الكشوفات المالية وتاريخ العمل التي قدمت إلى مكتب أخلاقيات الحكومة، ولكنه قدم المعلومات بطريقة سرية للجنة القوات المسلحة في مجلس الشيوخ، حيث قال عددٌ من نوابه إنهم لم يخبروا بهذا التاريخ، كما لم يذكر الحادثة في مذكراته التي أصدرها في عام 2019.

وعلى مدى مسيرته العسكرية مَدَحَ ماتيس الإمارات لقوتها العسكرية التي تزيد عن حجمها، وهو الذي أطلق عليها “إسبرطة الصغيرة”، عندما كان قائدا لكل الجيوش الأمريكية في الشرق الأوسط.

 إلا أن ماتيس يظلّ من أبرز العسكريين الأمريكيين، منذ هجمات 9/11، ممن التزموا الصمت حول خدماتهم لدولة أجنبية، ولم يكشف عن دوره، ولا الفترة التي قضاها في خدمة الإمارات، ورفض طلبات المقابلة، أو الرد المكتوب المتكررة من الصحيفة.

وهناك تقارير متناقضة حول عمله مع الإمارات، وإن كان مدفوعاً، فالوثائق التي حصلت عليها الصحيفة تشير إلى أن الإمارات ستعوّض ماتيس على خدماته في حرب اليمن، ومبلغ 100,000 دولار كتكريم، لقاء خطاب ألقاه بعد مغادرته إدارة ترامب، إلا أن المتحدث باسمه أكد أن الخدمات المقدمة للإمارات كانت مجانية.

وفي تحقيق أجرته الصحيفة عام 2022، وجد أن الإمارات استعانت بخدمات جنرالات أمريكيين متقاعدين ومنحتهم رواتب تزيد عن تلك التي حصلوا عليها أثناء ارتدائهم الزي العسكري. وذكر ماتيس في ذلك التحقيق والدعوى، بناءً على قانون حرية المعلومات التي أجبرت السلطات الأمريكية على الكشف عن أسماء من قدّموا خدماتهم للإمارات، التي تعتبر الأكبر في العالم استعانةً بخبرات الجنرال المتقاعدين. وفي ذلك الوقت لم تكشف السلطات الفدرالية عن الكثير من الوثائق المتعلقة بخدمات ماتيس، وضللت كل المعلومات التي تتحدث عن التعويضات المالية. إلا أن الصحيفة واصلت الضغط من أجل الكشف عن دوره في اليمن، وإن كانت خدماته لدولة أجنبية تمثّل تضارب مصالح عندما عاد للبنتاغون مرة أخرى. وفي خريف العام الماضي، وافق قاضٍ على الإفراج عن وثائق إضافية كشفت عن دوره في اليمن، وأنه عيّن شخصياً من محمد بن زايد.

 وتعود علاقة ماتيس بالإمارات عندما كان ضابطاً صغيراً في الإمارات، وزارها في عام 1979، وتحدث في شريط فيديو بمناسبة 50 عاماً على إنشائها، ومدح جيشها: “أخوة رفاق في السلاح يعرفون القتال”. وتوطدت علاقته مع محمد بن زايد (62 عاماً)، والذي كان ضابطاً في الجيش، ثم تمتّنت العلاقة مع اندلاع الربيع العربي، عام 2011، عندما كان ماتيس قائداً للقيادة المركزية في الشرق الأوسط.

 وتشير الصحيفة إلى أن الثورات في العالم العربي دفعت بن زايد إلى بناء عسكري ضخم، وشراء أسلحة من الولايات المتحدة. وتَشاركَ مع ماتيس بالرؤية حول إيران، وأنها الخطر الأكبر على المنطقة.

وفي آذار/مارس 2015، انضم للحرب في اليمن، الذي سيطر فيه الحوثيون على العاصمة صنعاء، لكن الحملات الجوية لم تؤدّ إلا لمزيد من المعاناة الإنسانية. وبعد عدة أسابيع، اتصل محمد بن زايد مع ماتيس، وطلب مساعدته كمستشار، ولم يذكر ماتيس، الذي تقاعد من الجيش، شيئاً وعن الوقت الذي سيخصصه للمهمة، ولا المال الذي سيحصل عليه مقابلها.

وكتب، في حزيران/يونيو 2015: “واجباتي تضم مراجعة الوضع العسكري الإماراتي”، وأضاف: “الهدف من هذا الموقع هو جعل الخبرة العسكرية الأمريكية للقتال والحملات العسكرية كي تقوّي الجهود الإماراتية”.

وكتب بخط يده، رداً على سؤال في استمارة التوظيف المقدمة للمارينز، في 4 حزيران/يونيو 2015: “سيتم تعويضي”. وقال إن المبلغ سيتم التفاوض عليه بعدما تسمح الحكومة الأمريكية له بالعمل في الإمارات. لكن روبرت تيلور، من مجموعة كوهين الاستشارية في واشنطن، حيث عمل ماتيس مستشاراً بارزاً، قال، في رسائل عدة للصحيفة، إن عمل ماتيس كان مجانياً، وإن الجنرال المتقاعد “لديه سياسة قديمة بعدم قبول المال من مسؤولين أجانب”، و”لم يطلب أبداً، ولا  قَبِلَ مالاً من حكومة أجنبية، وفي أي وقت”.

وبرّر تيلور ما ورد في الطلب المقدم، بأن ماتيس كتب هذا لكي يتم التدقيق في طلبه، وأنه لم يتوقع أبداً مكافأة مالية من الإمارات. وحصل طلب ماتيس على موافقة أولية، بعد 15 يوماً من تقديمه، ثم حصل على الموافقة النهائية، في 5 آب/أغسطس.

ولم يكن يعرف عن مهمة ماتيس ونصائحه في حرب اليمن إلا مجموعة من الموظفين، ولكن مستشارين ودبلوماسيين على معرفة بالشرق الأوسط، لم يعرفوا، ومنهم آن باترسون، التي أشرفت على السياسة الخارجية في العالم العربي عام 2015 بوزارة الخارجية. وهي قالت، في مكالمة مع الصحيفة، إنها لا تتذكر إن كان مكتب الشؤون السياسية والعسكرية أخبَرَها عن مهمة ماتيس في الإمارات. وقد تقاعدتْ عن العمل، عام 2017، وأكدت أنها، ولا أي شخص من طاقمها، يتذكرون أي علاقة بماتيس في اليمن.

وبعد 19 شهراً، اختاره ترامب كوزير للدفاع. ولم يكن ترامب يعرف الجنرال، إلا أنه أعجب بسمعته وصراحته، ورشّحه، في كانون الأول/ديسمبر 2016.

وبحسب القانون الأمريكي، فقد طلب منه ذكر الوظائف التي شغلها خلال حياته، وذكر 11 وظيفة، منها كأستاذ زائر في معهد هوفر في جامعة ستانفورد، وعضوية مجلس جنرال دايناميكس، من بين وظائف أخرى، لكنه لم يذكر خدماته لمحمد بن زايد. كما لم يذكر ماتيس خدماته لمحمد بن زايد في استمارات مقدمة للجنة الشؤون الخارجية بالكونغرس.

ونقلت الصحيفة عن متحدث باسم  رئيس اللجنة إن المعلومات عن الخدمة وردت في الأجزاء السرية من الاستمارة، والمتاحة فقط لأعضاء اللجنة وليس الأعضاء في مجلس الشيوخ.

وظلت علاقة ماتيس مع محمد بن زايد دافئة، فبعد مصادقة الكونغرس على وظيفته كوزير للدفاع بنسبة 98-1، سافر، في 18 شباط/فبراير 2017، إلى أبو ظبي في رحلة رسمية.

وفي فترة ماتيس كوزير للدفاع استمر الوضع في اليمن بالتدهور، واتُّهمت أبو ظبي، في حزيران/يونيو، بانتهاكات حقوق الإنسان ضد السجناء والاعتداء جنسياً عليهم، وذكر تحقيق لـ “أسوشيتد برس” أن بعض السجناء عُلّقوا في شوّاية، وتم شيّهم وهم أحياء فوق النار المشتعلة.

وبعد شهرين نشرت شبكة “سي أن أن” تقريراً على موقعها ذَكَرَ أن ماتيس عمل مع الإمارات.

وفي آب/أغسطس 2018، استقال ماتيس من منصبه بعد تصادمه مع ترامب بسبب سحب القوات الأمريكية من سوريا، وتقليل عددهم في أفغانستان. وبعد ثلاثة أشهر، تقدّمَ بطلب للسلطات الفدرالية لقبول مهمة من الحكومة الإماراتية، وكمتحدث رئيسي بمؤتمر عن العلاقات الأمريكية- الإماراتية، واستضافه الشيخ محمد في أبو ظبي. وفي الطلب قال إن الإمارات ستكرّمه مالياً، وتغطي تكاليف سفره.