متابعات-
تسعى الرياض إلى الفصل بين معركة البحر الأحمر، وعملية السلام مع صنعاء، وتجتهد للحفاظ على ما تم إنجازه خلال الأشهر الماضية من ترتيبات للسلام، على رغم أن السعودية تبدو وحيدة في مواجهة الموقف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة، فضلاً عن موقف «الحليف» في الحرب على اليمن، الإمارات. ولعل تصريحات وزير الخارجية السعودي، فيصل بن فرحان، التي أكد فيها قرب التوصل إلى إنهاء الحرب وتوقيع اتفاقية السلام، قد ردمت الهوة مجدداً بين الرياض وصنعاء، إضافة إلى أنها نقضت الموقف الأميركي، الذي جاء على لسان المبعوث الأميركي إلى اليمن، تيم ليندركينغ، حين اعتبر قبل أيام أن «معركة البحر الأحمر أنهت ترتيبات السلام».عملياً، ترجمت الرياض موقفها من عملية السلام، حتى قبل تلك التصريحات الديبلوماسية، وهو ما ظهر من خلال أمرين: الأول هو الفصل بين ما يدور في البحر الأحمر من تطورات وبين بقية الملفات؛ والثاني، رفض السعودية المشاركة في عملية «حارس الازدهار». ليس هذا فحسب، بل إن المملكة تحاشت حتى التورّط في السماح بانطلاق العمليات من أراضيها أو مرور الطائرات من أجوائها. تلك المواقف مجتمعة، جاءت وفق رغبة صنعاء، التي أكدت أن معركة البحر الأحمر لا علاقة لها بالتفاهمات مع الرياض، وخصوصاً اتفاق الهدنة الساري منذ عامين، على اعتبار أن الاتفاق هو المدماك الأول للعبور نحو السلام.
اليوم، وبعد اتساع رقعة المواجهة في البحرَين الأحمر والعربي وخليج عدن، يبدو أن السعودية غير آبهة بتلك المعركة وارتداداتها، في الوقت الذي تقلّل فيه من أهمية الغضب الأميركي، على رغم حساسية المرحلة. أما الولايات المتحدة، فحتى ما قبل معركة «طوفان الأقصى» وتطورات البحر الأحمر، لم تكن مع الخطوات السعودية، وبدا واضحاً اتّكاؤها على الموقف الإماراتي في اليمن؛ إذ إن عملية السلام بالنسبة إلى واشنطن وأبو ظبي، تُعدّ هزيمة لـ«التحالف»، وتأتي على حساب مصالح الدولتين وأطماعهما، في حين تُمكّن حركة «أنصار الله» من السيطرة على اليمن. ووفق الأدبيات الأميركية، يصبّ هذا الانتصار لمصلحة إيران.
السعودية غير آبهة بمعركة البحر الأحمر وارتداداتها، وتقلّل من أهمية الغضب الأميركي
من هنا، دفعت الولايات المتحدة، بقوة وازنة إلى اليمن، قبل أن تظهر بصماتها واضحة في التعيينات التي شملت المناصب السيادية في حكومة «المجلس الرئاسي»، فضلاً عن الدفع بالإمارات من أجل سحب البساط من تحت قدم السعودية في المحافظات الجنوبية. ومثّلت تلك الخطوات فعلاً استباقياً لإجهاض مساعي السعودية المندفعة نحو السلام؛ إذ وفق الرؤية الأميركية، فإن السلام السعودي مع صنعاء هو فقط عبارة عن اتفاق هزيمة، ولن يجلب سلاماً ولا استقراراً في اليمن.
أما الإمارات، التي تدور في فلك الرغبة الأميركية، فتطرح، بشكل رسمي، إمكانية انفصال جنوب اليمن، بحيث يذهب كل الشمال لـ«أنصار الله»، في مقابل تمكين «المجلس الانتقالي الجنوبي» الموالي لها، من الجنوب. وبحسب معلومات حصلت عليها «الأخبار»، فإن أبو ظبي طرحت فكرتها تلك رسمياً على صنعاء بالتزامن مع المفاوضات بين الأخيرة والرياض، علماً أن المقترح الإماراتي يتضمن أيضاً خروج قوات طارق صالح من الساحل الغربي. وفي حال موافقة صنعاء، فإن أبو ظبي ستسعى إلى انتزاع اعتراف دولي بحكومة «أنصار الله»، وستحشد كذلك دعماً إقليمياً ودولياً من أجل إعادة إعمار الشمال. غير أن ردّ الحركة لم يأت وفق الرغبة الإماراتية، بل كان صاعقاً، حيث رفضت المقترح برمّته، مضيفةً بنداً جديداً إلى بنود التفاوض مع الرياض، تضمّن ضرورة خروج القوات الأجنبية من الجنوب خلال فترة زمنية محدّدة، وهو البند الذي تتقبّله السعودية، لكن الولايات المتحدة والإمارات تنظران إليه على أنه يفسد كل الترتيبات الأمنية والعسكرية وحتى الاقتصادية التي تمّت خلال السنوات التسع الماضية برعاية أميركية وإماراتية، الأمر الذي وتّر العلاقة بين واشنطن وأبو ظبي من جهة، والرياض من جهة أخرى.
هكذا يبدو مسار السلام بالنسبة إلى السعودية غير مختلف عن مسار الحرب؛ إذ في الحالتين تدفع هي الثمن. غير أن معركة البحر الأحمر تعزّز من الموقف السعودي، وخصوصاً أن الحلف الدولي، بقيادة واشنطن ولندن، فشل في ردع قوات صنعاء، فيما استطاعت الأخيرة تثبيت المعادلة التي كرّرتها الرياض مراراً، بأن لا حل في اليمن إلا سياسياً.