إبراهيم شاكر - عبد القادر لهيب - الخليج أونلاين-
منذ بداية العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة في 7 أكتوبر 2023، كانت الرياض محوراً للكثير من التحركات والجهود لإيقاف العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، والذي خلف عشرات آلاف الشهداء وأضعافهم من الجرحى.
ولم تكتف المملكة بالدعوات المتكررة لإيقاف الحرب على غزة، بل سعت جاهدة للتنظيم والمشاركة في العديد من المؤتمرات والاجتماعات، وإجراء مباحثات حول تطورات العدوان المستمر على القطاع.
آخر تلك الاجتماعات التي تستضيفها الرياض اجتماع مرتقب يضم مسؤولين عرباً وأجانب، من بينهم وزراء خارجية أمريكا وبريطانيا وقطر والأردن ومصر والسلطة الفلسطينية وكذلك الاتحاد الأوروبي، فهل يمكن أن تفضي إلى التوصل لاتفاق ينهي حرب الإبادة المستمرة منذ قرابة 204 أيام في غزة؟
لحظة مفصلية
ويفرض التصعيد الراهن في غزة على القوى الإقليمية والدولية الفاعلة في ملف غزة بذل المزيد من الجهود لوقف الحرب، والضغط للذهاب نحو اتفاق سلام دائم، وهذا ما تدفع باتجاهه الرياض، وبقية دول الخليج.
ويسعى الاجتماع العربي الدولي المرتقب في الرياض، وفقاً لرئيس المنتدى الاقتصادي العالمي بويرجه برنده، للدفع باتجاه التوصل إلى اتفاق سلام في غزة.
وتأتي أهمية الحراك الذي تشهده العاصمة السعودية من كونه يتزامن مع وصول الأمور إلى ذروتها في كل اتجاه، فالاحتلال يحشد لاجتياح رفح، وجهود الوساطة تراوح مكانها، في حين تواجه واشنطن ضغوطاً كبيرة بسبب تداعيات الحرب على غزة.
ويوم السبت (27 أبريل) عُقد في الرياض اجتماع سداسي ضم مسؤولين من قطر والسعودية والإمارات والأردن ومصر ومنظمة التحرير الفلسطينية، شددوا فيه على ضرورة وقف إطلاق النار في غزة، ورفع القيود عن دخول المساعدات، وأكدوا دعمهم لكل الجهود الرامية للاعتراف بالدولة الفلسطينية بما يحقق تطلعات الفلسطينيين.
وفي اليوم التالي، شهدت الرياض اجتماعاً للجنة الوزارية العربية الإسلامية المشتركة حول غزة (تضم السعودية ومصر والأردن وفلسطين وقطر ومنظمة التعاون الإسلامي)، بحث آليات تكثيف العمل للتوصل إلى إنهاء الحرب، والعمل على اتخاذ الخطوات اللازمة لتنفيذ حل الدولتين.
ضغوط سعودية
وتسعى الرياض لانتزاع اعتراف دولي بدولة فلسطين، في الوقت الذي أثارت استياءها إعاقة واشنطن مشروع قرار يمنح فلسطين العضوية الكاملة في الأمم المتحدة.
وتستخدم السعودية علاقاتها في كل اتجاه جنباً إلى جنب مع بقية دول مجلس التعاون الخليجي، لحشد الدعم الدولي لاتفاق يفضي إلى وقف دائم لإطلاق النار، ويؤسس لمنح الفلسطينيين حقوقهم في إقامة دولتهم المستقلة على حدود عام 1967.
وكان وزير الخارجية السعودي تحدث قبل أيام لقناة "الشرق" السعودية، عن تطور إيجابي في أروقة الاتحاد الأوروبي حول الاعتراف بدولة فلسطين.
وتعتزم الرياض تقديم مشروع قرار جديد هذا الأسبوع أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، يتضمن إعادة رفع طلب فلسطين المقدم لمجلس الأمن للحصول على العضوية الكاملة بالأمم المتحدة، بعد معارضة واشنطن بالفيتو طلباً مماثلاً الأسبوع الفائت.
وخلال الأسابيع القليلة الماضية، كثفت الرياض من لقاءاتها واتصالاتها مع مسؤولين من مختلف دول العالم، لبحث التطورات في غزة، وفي كل اجتماع يطرح وزير الخارجية السعودي على نظرائه وقف إطلاق النار وخطورة استمرار العدوان على القطاع.
الدفع باتجاه وقف الحرب
الباحث في القضايا الاستراتيجية، الدكتور ماجد عزام، أكد أهمية الاجتماع السداسي، وأوضح أنه يهدف إلى زيادة الضغط للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار، وإنهاء الحرب، وإدخال المساعدات الإنسانية، ثم الانتقال لليوم التالي، ومن ضمن ذلك إعادة الإعمار.
ولفت، خلال حديثه لـ "الخليج أونلاين"، إلى أن "السعودية حتى الآن لم تدخل على خط الوساطة، التي لا تزال تقوم بها قطر ومصر أساساً في الملف الفلسطيني، سواء في مفاوضات الهدنة أو تبادل الأسرى، فيما تعيد الدوحة تقييم دورها، وفي الفترة الأخيرة نشطت تركيا بتنسيق تام مع الدوحة والقاهرة".
الخطة الثلاثية
ويرى عزام أن السعودية ترفض الحديث عن أي أمور تتعلق بالتطبيع أو الخطة الثلاثية، المتمثلة في "مشروع نووي سلمي واتفاقية دفاعية والتطبيع"، دون التوصل لمسار جدي يؤدي لإقامة دولة فلسطينية.
وأضاف: "الرياض لا ترفض، من حيث المبدأ، أي عمل عربي مشترك في غزة في اليوم التالي للحرب، بما في ذلك إعادة الإعمار والمساعدات، لكن بشرط وجود السلطة الفلسطينية، ودعم وجودها ضمن مسار سياسي يؤدي إلى دولة فلسطينية مستقلة، وهذه الخطة التي تعمل عليها الولايات المتحدة، إلا أن المشكلة هي عند رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو (المتطرف) أسير حلفائه المتطرفين".
اجتياح رفح
وتحدث عزام عن الضغوط العربية لوقف عملية رفح، قائلاً: "هناك مواقف عديدة من قبل مصر، والأردن، والسعودية، وحتى الإمارات وقطر، ومواقف أوروبية ودولية، إلا أن القطار يبدو انطلق باتجاه العملية في رفح".
وأشار إلى أن العالم "بدأ يتعامل مع عملية رفح كأمر واقع، لكنه يحاول تخفيف آثارها"، لافتاً إلى أن "هناك محاولات تدعمها السعودية للاتجاه إلى هدنة وصفقة تبادل لتأخير العملية حتى إزالتها عن جدول الأعمال".
وأوضح أن "الضغوط العربية ليست كافية، كما أنه ليس هناك عمل عربي منظم"، أما بالنسبة للجامعة العربية فيرى عزام أنها "لم تقم بدورها كما ينبغي لتنسيق وتنظيم الجهود العربية، وسط خلافات وتباينات وحساسيات عربية تمنع أن يكون هناك عمل عربي مشترك، لكون الاستبداد حاضراً في العديد من الدول العربية الكبرى".
توقيت مهم
وتكمن أهمية المباحثات العربية الدولية الجارية والمرتقبة في الرياض في توقيتها، إذ تتزامن مع اقتراب الحرب من ذروتها، وسعي أطراف القتال لحصد مكاسب أكبر.
وحول هذا يقول المحلل السياسي الأردني منذر الحوارات: إن "الحرب تقترب من نهاياتها، ولكن يصر كل طرف على أن يستخدم أوراقه كاملة حتى يستفيد بأقصى قدر ممكن، فبينما تستخدم "إسرائيل" رفح والمساعدات الإنسانية ووقف إطلاق النار أدوات ضاغطة، تستخدم حماس الأسرى لديها كأدوات ضغط".
ويبيّن، في تصريح لـ"الخليج أونلاين"، أن "انعقاد الاجتماعات في هذا التوقيت له أهمية كبيرة، لأنه يأتي في لحظة مفصلية خطيرة في الحرب"، إذن تحرص الدول العربية على "ألا تهيمن "إسرائيل" على القرار السياسي في هذه المرحلة".
وللحيلولة دون ذلك فإنه لا بد، وفق ما يرى، "من ضغط دولي، وهذا الضغط لا يمكن أن تقوم به الأطراف الدولية المنحازة لإسرائيل".
واستطرد قائلاً: "هناك حاجة لتعديل كفة الميزان من قبل الأطراف العربية، والسعودية واحدة من أهمها، وهذا الاجتماع (السداسي) يأتي في سياق محاولات ألا تنفرد "إسرائيل" بالمكاسب السياسية لهذه الحرب، وتحقيق التزامها بمطالب عربية وأمريكية تخص حل القضية الفلسطينية".
الترتيبات النهائية
ويرى الحوارات أن المباحثات التي تحتضنها الرياض ستناقش الترتيبات النهائية على المدى الاستراتيجي، وليس فقط من أجل إطلاق سراح الأسرى، كما "ستحاول الضغط باتجاه إيجاد حل للقضية الفلسطينية من خلال تحقيق مطالب الفلسطينيين وحل الدولتين، وإغلاق هذا الملف وإلى الأبد".
وتابع بالقول: "هذا يتطلب ضغطاً عربياً شديداً، لأنه بعد قليل ستسكت المدافع والطائرات، وإذا ما بقيت القضية الفلسطينية على حالها فإن فرصة تكرار مثل هذه الحرب واردة جداً، وهذا ما يدركه العرب، ويدركه الأمريكان أيضاً".
وشدد على أن "وجود تجمع دولي بهذا الحجم يضغط في اتجاه حل، يُعد أمراً إيجابياً وستكون له نتائج؛ لأن الولايات المتحدة والمجتمع الغربي لا يستطيعان أن يقفا في وجه العالم برمته لنصرة "إسرائيل" فقط".