علاقات » عربي

هل تؤسس مفاوضات مسقط حول الأسرى لسلام دائم بين اليمنيين؟

في 2024/07/06

كمال صالح - الخليج أونلاين-

اختراق جديد في جدار الأزمة اليمنية، توصلت إليه أطراف الصراع المجتمعة في العاصمة العُمانية مسقط، وهذه المرة في ملف الأسرى والمخفيين قسراً.

مكتب المبعوث الأممي أكد توصل طرفي الصراع اليمني إلى تفاهم حول مصير القيادي بحزب الإصلاح اليمني محمد قحطان، مقابل الإفراج عن 50 من أسرى الحوثيين.

لكن رغم حالة التفاؤل الحالية فإن كثيرين يرون أن الأزمة اليمنية أكثر تعقيداً، خصوصاً في ظل المعطيات الراهنة، فكيف ستؤثر هذه الانفراجة في ملف الأسرى على بقية الملفات؟

جولة جديدة

يوم الأحد (30 يونيو)، بدأت الأطراف اليمنية أولى جلسات التفاوض في مسقط بإشراف مكتب المبعوث الأممي الخاص إلى اليمن، واللجنة الدولية للصليب الأحمر، وتيسير من السلطات العُمانية.

والأربعاء (3 يوليو)، جرى الإعلان عن أول وأهم اختراق، يتمثل في الاتفاق على إدراج القيادي محمد قحطان ضمن صفقة التبادل القادمة، مقابل 50 من أسرى الحوثيين، وفي حال كان متوفى، يتم تبادل جثمانه مقابل 50 من جثث الجماعة.

مكتب المبعوث الأممي الخاص إلى اليمن هانس غروندبرغ، أشار إلى أن الأطراف اليمنية توصلت إلى تفاهم حول إجراءات إطلاق سراح محتجزين على ذمة النزاع، بينهم قحطان.

بيان مكتب غروندبرغ، الذي نشره على منصة "إكس"، تضمن التأكيد على أهمية استكمال التفاوض حول هذا التفاهم بروح من المسؤولية لتحقيق نتائج ملموسة على طريق الإفراج عن جميع المحتجزين على خلفية النزاع بموجب مبدأ "الكل مقابل الكل".

مشاركة سعودية

ويبدو أن جولة المشاورات التاسعة حول الأسرى، التي انطلقت الأحد، تختلف كثيراً عن السابقة، إذ لأول مرة يشارك بشكل معلن مندوبون عن التحالف بقيادة السعودية.

ونشر المتحدث باسم الوفد الحكومي لمفاوضات الأسرى، ماجد فضائل، صوراً للوفد برفقة فريق من التحالف العربي، قبيل انطلاق جولة المحادثات في مسقط.

الصحفي اليمني فارس الحميري، أشار في تدوينة على منصة "إكس" إلى وجود فريق مشترك من التحالف العربي يشارك في المفاوضات الجارية في مسقط، وأنه سيتم بحث إطلاق سراح 7 أسرى عسكريين سعوديين، منهم طياران اثنان، وعدد من العسكريين التابعين للجيش السوداني، الذين شاركوا إلى جانب قوات التحالف خلال فترات الحرب.

ولم يصدر أي تعليق من قبل الجانب السعودي حول مشاركة ممثلين للتحالف في تلك المفاوضات، كما لا يُعرف حتى الآن عدد الأسرى من التحالف لدى الحوثيين، ولا عدد أسرى الحوثيين لدى التحالف.

وفي أبريل 2023 توصل الجانبان لصفقة جرى خلالها تبادل قرابة 900 أسير من الجانب الحكومي والحوثيين، كثاني صفقة كبرى جرت بإشراف أممي، بعد صفقة العام 2020، علماً بأن وساطات قبلية نجحت في الإفراج عن أكثر من 2000 أسير خلال سنوات الحرب من الجانبين.

أزمة ثقة حادة

ومع حالة التفاؤل الحالية، هناك من يرى أن التسوية الشاملة تبدو بعيدة المنال في هذه المرحلة، ووفقاً للدكتور عبد الله الغيلاني، الأكاديمي والباحث في الشؤون الاستراتيجية، فإن هناك "أزمة ثقة حادة بين طرفي الصراع، كما أن هناك جملة من المعضلات المركبة التي ينبغي تفكيكها أولاً تمهيداً للشروع في تفاهمات تسوية الأزمة.

ويرى الغيلاني، في تصريح لـ"الخليج أونلاين"، أن من تلك المعضلات "ترسيم وقف إطلاق النار، وملفات عوائد النفط، ورفع الحصار، وفتح المنافذ، وغيرها.

وبالرغم من ذلك فإن الغيلاني يرى أن مباحثات ملف الأسرى تمثل خطوة إيجابية خاصة، لكونها تجري بشكل مباشر بين الحوثيين والحكومة، مضيفاً: "في تقديري أن هذه الجولة ستفضي إلى تفاهمات أولية يتم الاتفاق بموجبها على إطلاق بعض الأسرى من الطرفين، وليس الكل مقابل الكل كما يوحي الشعار المتداول".

عقبات

وإلى جانب أزمة الثقة، يطرح الغيلاني جملة من العقبات التي تعترض مفاوضات مسقط، منها عدم الاتفاق على كشوف الأسماء، وعدم اعتراف كل طرف بمسؤوليته عن أسرى الطرف الآخر، مبيناً أن هذا الإنكار المتبادل يشكل "عقبة كؤوداً".

ويرى الباحث الاستراتيجي أن سلطنة عُمان والسعودية تدفعان باتجاه إنجاز تقدم حقيقي في الأزمة اليمنية، "إلا أن الحقائق على الأرض في غاية التعقيد، فهناك حالة تمزق سياسي وأجندات متضادة خاصة عند حكومة المجلس الرئاسي وحلفائها، وهناك تشكيلات عسكرية على الأرض تتحرك وفق أجندات سياسية متناحرة، وهناك اصطفافات قبلية تزيد الأمر تعقيداً".

وأشار الغيلاني إلى أن جولة المفاوضات الحالية في مسقط ستعقبها جولات أخرى، وصولاً إلى تقدم حقيقي في ملف الأسرى، مشيراً إلى أن القوى الإقليمية ليست سواء في مقارباتها للأزمة اليمنية، حيث لكل منها رؤية جيوستراتيجية تتسق مع تموضعها الأمني والسياسي.

ولفت إلى أن هذه القوى الإقليمية متفقة على ثلاثة مضامين هي "ترسيم وقف العمليات العسكرية، والتفاهم حول المسائل العالقة من قبيل ملف الأسرى والنفط والمعونات الإنسانية، وكذا ⁠حماية الأمن الإقليمي من تداعيات الأزمة اليمنية وخفض التصعيد في منطقة البحر الأحمر والحيلولة دون وصول تلك التداعيات إلى بحر العرب والخليج العربي".

فرصة أخيرة

من جانبه يرى المحلل السياسي العُماني سالم الجهوري، أن هناك فرصة للانطلاق نحو تسوية شاملة للأزمة اليمنية، لافتاً إلى "تحريك المفاوضات في هذا الوقت بالذات، حتى لا تفوت فرصة البناء على ما تم في السنوات الماضية".

وأضاف الجهوري، في تصريح لـ"الخليج أونلاين": "هذا جهد متراكم من قبل دول الجوار، ومن بينها سلطنة عمان والسعودية، وهذه ترجمة لرؤية دول مجلس التعاون، وإصرار هذه الدول على استقرار اليمن، لذلك تم التوافق، خاصة بعد الموافقة الأخيرة، في موضوع الجانب الإنساني، وهو الأسرى، الكل مقابل الكل".

وجدد التأكيد على أن الفرصة مواتية، مشيراً إلى أن "هناك بعض التفاهمات في عواصم دول الخليج من أجل تسريع الخطوات الإنسانية، وهي ترجمة لفصل الجانب الأمني والسياسي عن الجانب الإنساني، إضافة إلى أن مبادرة فتحت الطرقات خلال الأيام الماضية، تعزز من إمكانية التقارب نحو التسوية السياسية المنشودة".

وأكد دور الحكومة العُمانية في تقريب وجهات النظر من خلال تقديم مقترحات يمكن الاستفادة منها بشكل كبير، لكنه يرى أن موافقة الأطراف على أي مقترحات تمثل خطوة مهمة وجيدة، حتى يمكن بلوغ هدف التسوية، وتحديد تواريخ تبادل الأسرى، ومن ثم بلوغ تحديد استعادة اليمنيين لوطنهم ولدورهم في إنشاء حكومة في البداية مؤقتة، كما هي خارطة الطريق التي تم الاتفاق عليها قبل ذلك في المؤتمر العام، بمشاركة دول مجلس التعاون.

جاهزية الإقليم

وفيما يتعلق بجاهزية دول الإقليم، قال الجهوري إنها "جاهزة لتسوية سياسية شاملة في اليمن، وهناك مرتكزات متفق عليها، تهدف إلى تنفيذ خطوات، مثل الهدنة التي تحققت في أبريل 2022".

واستطرد قائلاً: "الآن أنا أعتقد أن الأمور تسير بشكل جيد في موضوع الهدنة، التي تهيئ لإنشاء حكومة مؤقتة من جميع الأطراف، ثم بعد ذلك انتخابات برلمانية، ثم يتم انتخاب حكومة شرعية يقودها أبناء اليمن نحو المستقبل".

وأوضح الجهوري، أن دول مجلس التعاون تريد التسوية في اليمن اليوم قبل الغد، لافتاً إلى أنها "متضررة أمنياً وعسكرياً واقتصادياً وأيضاً متضررة في نواحٍ كثيرة، ورغبتها في حل الأزمة اليمنية، ليست وليدة اليوم، وإنما منذ نشأت هذه الأزمة".

ويبيّن أن دول مجلس التعاون ستلقي بثقلها من أجل تحقيق التسوية؛ "لأن بقاء اليمن بهذا التوتر له أثر كبير على استقرار هذه الدول، وأثر مباشر عليها في أمور كثيرة، ليس فقط في الميدان، وإنما على مستوى الملاحة البحرية، والملاحة الجوية، وأيضاً في علاقات دول هذه المنطقة بالولايات المتحدة الأمريكية والدول الأوروبية والمملكة المتحدة".