يوسف حمود - الخليج أونلاين-
على وقع استمرار الحرب الضارية بين الجيش وقوات "الدعم السريع"، تمضي مفاوضات جنيف رغم القتال المستمر في السودان، وارتفاع مستوى انعدام الأمن الغذائي الحاد، وسوء البيانات بشأن وضع البلاد الاقتصادي.
ورغم غياب الحكومة السودانية انخرطت أطراف دولية وإقليمية بحضور ممثلي "الدعم السريع" في مشاورات لوقف الحرب وتوصيل المساعدات الإنسانية للسودان، وهي خطوة ربما تكون مقدمة لممارسة ضغوط يمكن أن تتطور إلى تدخل إنساني في البلاد عبر منظمة الأمم المتحدة أو بواسطة واشنطن منفردة.
ونشطت تحركات دبلوماسية وسياسية، أبرزها من السعودية، منذ أشهر، وأقيمت مؤتمرات للقوى المدنية والسياسية لتقريب مواقفهم باتجاه حل الأزمة التي تعيشها البلاد، لكن يبدو أن الحكومة ترفض الضغوط الدولية حتى الآن في مساواتها بالدعم السريع، وتقديم تنازلات لمن تصفهم بـ"المتمردين".
مباحثات جنيف
استضافت جنيف، التي أصبحت مقراً لعقد اجتماعات دولية مختلفة، مشاورات لوقف الحرب في السودان (14 أغسطس 2024) بمشاركة الولايات المتحدة وسويسرا والسعودية والإمارات ومصر والأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي، حيث كان من المخطط انطلاق مفاوضات بين الجيش وقوات الدعم السريع.
وفي حين أعلنت قوات "الدعم السريع" أن وفدها المفاوض وصل إلى سويسرا، تلبية لدعوة الولايات المتحدة، غاب وفد الجيش السوداني عن المباحثات، بعد أن أعلن تمسكه بتطبيق "إعلان جدة" الموقع في مايو 2023 برعاية واشنطن والرياض ليكون طريقاً لإنهاء الحرب.
ومن المقرر أن تستمر المشاورات أياماً بهدف تصميم عملية إنسانية وترتيبات لوقف إطلاق النار في السودان، بمشاركة خبراء وتقنيين، حيث تعهدت هذه الأطراف بـ"العمل بجد في سويسرا عبر الجهود الدبلوماسية المكثفة لدعم السودان، ووصول المساعدات الإنسانية، ووقف الأعمال العدائية، وفقاً لمخرجات منبر جدة السابقة والجهود الأخرى والقانون الدولي الإنساني".
ويقول المبعوث الخاص للولايات المتحدة إلى السودان توم بيرييلو، إن المشاورات في جنيف تركز على امتثال الأطراف لالتزامات جدة وتنفيذها، واحترام القانون الإنساني الدولي، وتمكين المساعدات، وإسكات البنادق.
وفي 11 أغسطس الجاري، انتهت المشاورات التي أجراها وفد حكومة السودان مع الجانب الأمريكي في مدينة جدة السعودية، دون تحقيق أي تقدُّم، حيث كانت تهدف لإقناع الحكومة بالمشاركة في مفاوضات سويسرا.
اشتراطات الحكومة
ويرفض الجيش السوداني المشاركة في اجتماعات جنيف، وربط ذلك بشرط الالتزام بمخرجات اتفاق جدة (مايو 2023)، والذي ينص على "التمييز في جميع الأوقات بين المدنيين والمقاتلين"، و"الامتناع عن أي هجوم قد يتسبب في أضرار مدنية".
كما ينص على تجنب وتقليل الضرر الذي يلحق بالمدنيين، وعدم انتهاك حرية تنقلهم، مع عدم منعهم من مغادرة مناطق الأعمال العدائية أو المحاصرة، والالتزام بالإجلاء، وعدم تجنيد الأطفال، والامتناع عن أشكال التعذيب.
تشمل البنود "السماح بالمرور السريع للمساعدات الإنسانية دون أي عوائق، وتسهيله، والالتزام بفترات التوقف الإنسانية المنتظمة وأيام الهدوء حسب الحاجة، وتعيين نقاط اتصال للتعامل مع الجهات الفاعلة الإنسانية لتسهيل أنشطتها".
ومن البنود كذلك "إعطاء الأولوية للمناقشات بهدف تحقيق وقف إطلاق نار قصير المدى لتسهيل توصيل المساعدة الإنسانية الطارئة واستعادة الخدمات الأساسية"، إضافة إلى "الالتزام بجدولة المناقشات الموسعة اللاحقة لتحقيق وقف دائم للأعمال العدائية".
فخ للحكومة
يرى الكاتب والصحفي المهتم بشأن القرن الأفريقي عبد الله دوبلة، أن "الوضع العسكري للحكومة جيد، والتفاوض في جنيف فخ تقف وراءه الولايات المتحدة الأمريكية والإمارات".
وأوضح، في حديثه لـ"الخليج أونلاين": "بمجرد أن تقبل الحكومة الجلوس مع الدعم السريع على طاولة المفاوضات، سيعتمد طرفاً سياسياً مقابل الحكومة".
ويشير إلى أن الحكومة السودانية تحاول "تحاشي ذلك، مستلهمة الدرس مما وقعت فيه الحكومة اليمنية بعد أن ذهبت إلى جنيف والجلوس كطرف في المفاوضات، حيث لم تحقق حينها في مفاوضات جنيف1 أي شيء، بل إن ما حدث هو تعزيز موقف الحوثيين، وتثبيته كطرف سياسي، ومن يومها تراجعت حكومة اليمن وتصاعد وجود الحوثي وتعززت مكاسبه".
وأضاف: "نفس الفكرة الآن من الدعوة للحوار بين الحكومة السودانية والدعم السريع، حيث سيوثق الأخير على أنه طرف رئيسي في السودان، ولن تخرج المفاوضات بشيء، وستعقد مفاوضات أخرى، وسيعززه العالم كمكاسب للدعم السريع على حساب الحكومة".
ويقول إن عدم ذهاب الحكومة لجنيف "موقف ذكي وينم على خبرة سياسية"، معتقداً أنها "لن تذهب لمفاوضات تعزز ظهور الدعم السريع طرفاً سياسياً، إذ تعده متمرداً ومليشيا، وهو ما تتعاطاه الحكومة معه حتى الآن".
وعن الدور الخليجي، يقول إن السعودية عملت سابقاً على استضافة مشاورات في جدة بعيداً عن الأمم المتحدة لوقف الحرب، مضيفاً: "الحوار بالسعودية كان أشبه بمشاورات، وحالياً يبدو أن الجيش متجه إلى طرف آخر يتمثل بإيران بعيداً عن المجتمع الدولي".
ويشارك المحلل السياسي السوداني، وائل سلامة، ما طرحه الكاتب دوبلة، حول أن مفاوضات جنيف "بنيت على عجل من قبل الأمريكيين لإيجاد أي حل سريع للأزمة السودانية".
وأضاف، في حديثه لـ"الخليج أونلاين": "الحكومة السودانية لديها تخوفات بالنسبة للتنازلات التي ستقدمها؛ لأنها قد تجعل وضعها أسوأ مقابل احتياج الدعم السريع لذلك تحت مبرر الوضع الإنساني".
ويعتقد أن الحكومة "قد تضطر للتنازل تحت عاصفة الضغوط الدولية"، إلا أنها أيضاً "لن توافق على اتفاق سلام لايحقق خروج قوات الدعم السريع من المنازل والمدن".
ويشير إلى أن دول الخليج، وتحديداً السعودية، تدعم حالياً وبقوة مفاوضات السلام، وخصوصاً في الجانب المالي؛ "من أجل العمل على تنفيذ مقررات جدة والالتزام بها والبناء عليها".
الاقتراحات الدولية
على مدار أشهر الحرب، طرحت عدد من المبادرات الدولية والإقليمية، والتي تبرز خارطة الطريق التي وضعتها الهيئة المعنية بالتنمية في أفريقيا "إيقاد"، في مايو من العام الماضي، ووجدت دعماً كبيراً من المجتمع الدولي، لكن الحكومة ترفض ذلك، لرفضها الاعتراف بالدعم السريع طرفاً.
تتمثل أبرز نقاط هذه المبادرات بـ"وقف إطلاق النار الدائم، وتحويل الخرطوم لعاصمة منزوعة السلاح، وإخراج قوات طرفي القتال إلى مراكز تجميع تبعد 50 كيلومتراً عن المدن، ونشر قوات أفريقية لحراسة المؤسسات الاستراتيجية في العاصمة".
وتتضمن "معالجة الأوضاع الإنسانية السيئة الناجمة عن الحرب، وإشراك قوات الشرطة والأمن في عملية تأمين المرافق العامة، والبدء في عملية سياسية لتسوية الأزمة بشكل نهائي".
كما شملت الإجراءات بناء الثقة بالقبض على الفارين من السجون وتسليم المطلوبين لدى العدالة الدولية، وعلى رأسهم الرئيس المعزول عمر البشير ومساعده أحمد هارون، وتفكيك تمكين نظامه الذي حكم البلاد منذ انقلاب 1989 وحتى سقوطه في أبريل 2019.
وأوصت تلك المبادرات ببناء وتأسيس جيش مهني وقومي من جميع القوات (الجيش، الدعم السريع، الحركات المسلحة)، والنأي بالقوات المسلحة عن تبني أي إيديولوجيا أو انتماء حزبي.