يوسف حمود - الخليج أونلاين-
وضعت شراكة الحكومة اليمنية مع المجلس الانتقالي الممول من الإمارات، الأخير في ورطة مع خطواته التي تشير إلى رغبته في تصعيد الوضع من أجل الانسحاب من الحكومة ومجلس الرئاسة، غير أنه يخشى في الوقت ذاته توتير العلاقة مع السعودية راعية "اتفاق الرياض" الذي أسس لهذه الشراكة.
وصدرت تصريحات من قيادات جنوبية بارزة ومن نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي موالين للمجلس الانتقالي تحث على فك الارتباط مع الشرعية؛ لكونهم يرون "خسائره أكبر من مكاسبه"، ولعل أبرزها أن الشراكة نجحت في تعويم استقلال الجنوب وربطه بحل شامل للملف اليمني.
لكن الخطوات الأخيرة من عمليات اقتحام لمقر يتبع الرئاسة اليمنية، وتخريب ومنع فعاليات أقامتها الحكومة في مدينة عدن، العاصمة المؤقتة للبلاد، تشير إلى تصعيد جديد يظهر رغبة من "الانتقالي" للضغط من أجل تحقيق مزيد من مطالبه، أو فض الشراكة.
اقتحام مكتب رئاسي
بينما ينتظر اليمن مصير الاتفاق المرتقب توقيعه بين جماعة الحوثي والحكومة المدعومة من الرياض، تصاعد التوتر داخل مجلس القيادة الرئاسي الذي تدعمه السعودية، باقتحام مسلحين يتبعون عضو المجلس والمقرب من الإمارات عبد الرحمن المحرمي، المعروف بـ "أبو زرعة المحرمي"، مكتباً للرئاسة (مطلع أغسطس 2024) في عدن.
وكشفت قناة "يمن شباب" المحلية (14 أغسطس)، تفاصيل حول الحادثة، حيث أشارت إلى أن المسلحين ما زالوا يسيطرون على المكتب التابع للرئاسة في عدن، بعد أن طردوا الموظفين اليمنيين، وموظفين أجانب من شركة تعمل على الهيكلة الإدارية تعاقد معها رئيس المجلس رشاد العليمي.
وفق القناة فإن مدير مكتب الرئاسة، يحيى الشعيبي، أبلغ بعد حادثة الاقتحام العليمي نيته تقديم استقالته، وغادر عدن إلى ألمانيا التي كان سفيراً لليمن فيها قبل تعيينه في المنصب الحالي.
وتهجم المسلحون الذين يتبعون المحرمي على الموظفين الذين كانوا على رأس عملهم لحظة الاقتحام وأطلقوا سيلاً من الشتائم والتهديدات، ووفق القناة اليمنية فإن الموظفين الأجانب مصريون يتبعون منظمة تتبع جامعة الدول العربية، أخرجهم المسلحون ونُقلوا إلى مطار عدن قبل ترحليهم.
لكن الانتقالي نفى في بيانٍ له (15 أغسطس) أن يكون لدى مجلس الرئاسة مكتب خارج مقره في قصر المعاشيق وصدر به قرار رئاسي، في تعبير صريح عن أن المكتب الذي اقتحمته قوات نائب رئيسه غير شرعي.
ولاحقاً (16 أغسطس)، خرج الرئاسي اليمني ببيان، نفى أن يكون مسلحون تابعون للنائب المحرمي اقتحموا مكتباً للرئاسة، وقال إن الجهات الأمنية تحقق في الحادث.
لكن وبعد ساعات قليلة من صدور البيان، عدلت وكالة "سبأ" الرسمية البيان، لتقول فيه إن مندوبين عن مكتب المحرمي نزلوا إلى المقر الذي يتواجد فيه موظفو الرئاسة وطلبوا منهم التوقف عن العمل لحين إجراء اتفاقات وإصلاحات داخل الرئاسة، وأن الحادثة لم تكن اقتحاماً للمقر.
تخريب فعالية ومنع أخرى
وتزامن الاقتحام مع عمليات أخرى متكررة يقوم بها مسلحون روتينياً في المدينة التي تحتضن كل مؤسسات الدولة، وكان منها اقتحام مجاميع تتبع المجلس الانتقالي حفلاً أقامته وزارة الشباب والرياضة (12 أغسطس) بمناسبة اليوم العالمي للشباب.
ومزقت عناصر تتبع الانتقالي لوحة الحفل الرسمية، وهاجمت رئيس مجلس القيادة الرئاسي رشاد العليمي بألفاظ وشعارات مسيئة خلال عملية الاقتحام، ووصفوه بـ"رئيس دولة الاحتلال".
وبعدها بثلاثة أيام (15 أغسطس) منع المجلس الانتقالي فعالية شبابية كانت ستقام في العاصمة المؤقتة برعاية من المعهد الديمقراطي الأمريكي (NDI) والوكالة الأمريكية للتنمية الدولية (USAID)، حيث أغلقت القاعة المخصصة للفعالية في أحد فنادق المدينة ومنعت المشاركين والضيوف من دخول الفندق.
وأكدت هيئة الانتقالي "رفضها القاطع لأي محاولات لإحياء وتمكين القوى الحزبية والسياسية التي اجتاحت الجنوب عام 1994"، مشددةً على أنه "لا مكان لإعادة إنتاجها اليوم على أرض الجنوب"، كما دعت الهيئة إلى "الحرص واليقظة ضد كل من يحاول تمرير نشاط سياسي يهدف إلى تقويض تطلعات شعب الجنوب في حريته واستعادة دولته".
مسؤولية أمام السعودية
يقول الكاتب والصحفي اليمني عبد الله السامعي، إن اليمن شهد تفكك الشرعية إلى عدة قوى عسكرية وسياسية بعد الحرب على المتمردين الحوثيين.
ويلفت إلى أن فكرة إنشاء مجلس القيادة الرئاسي من قبل السعودية كانت "محاولة لإعادة تجميع هذه القوى تحت مظلة الشرعية ومنحها فرصة أكبر لتشارك في صناعة القرار بشكل مباشر".
ومع ذلك يرى، في حديثه لـ"الخليج أونلاين"، أنه منذ إنشاء المجلس الرئاسي "كان كل طرف يعمل على الأرض بعيداً عن الآخر وباسم المجلس الرئاسي"، مضيفاً: "أمام هذا التفكك لا توجد جهود حقيقية لمعالجة الوضع، وعلى العكس من ذلك تشير الأحداث الأخيرة في عدن إلى إمكانية توسع الفجوة بين أعضاء المجلس الرئاسي".
وأكمل: "نلاحظ أن القوى الموالية للإمارات في المجلس الرئاسي بدأت التصعيد الأخير في عدن، ما يشير إلى حالة عدم رضا بشأن خارطة الطريق".
ويؤكد أنه في حال استمرت الفجوة بين أعضاء المجلس الرئاسي بالتوسع "فلا يمكن الوصول لأي اتفاق مع مليشيا الحوثي، ولا يمكن للحكومة أن تواصل برنامج الإصلاح الاقتصادي".
ويقول الكاتب إن السعودية أمام مسؤولية اليوم؛ "بسبب عدم إشراك المجلس الرئاسي في المحادثات المباشرة مع مليشيا الحوثي للاتفاق على بنود وآلية تنفيذ خارطة الطريق".
كما يعتبر ذلك سبباً في "خلق صراع بين أعضائه بدلاً من التوحد في وجه مليشيا الحوثي في مرحلة حرجة تستدعي أن يكون المجلس متماسكاً وقوياً وقادراً على التعامل مع أي موقف حوثي من خارطة الطريق".
الاستيلاء بالقوة
ويظهر المجلس الانتقالي يوماً بعد آخر متفرداً بالقرارات داخل عدن، رامياً بشرعية المجلس الرئاسي وحكومة أحمد عوض بن مبارك عُرْض الحائط، معززاً موقعه داخل الدولة، وصولاً إلى المجلس الرئاسي.
وتتضمن تلك القرارات تعيينات في مناصب قيادية جديدة دون هيكلة لجهاز الدولة الأساسي، ووزارات غير فاعلة تشكو سُوء الإدارة والفساد، ووزراء في غير محلهم، بجانب مناصب أخرى لوكلاء ونواب دون الأخذ باعتبارات المعايير الوظيفية.
ومع كل الخطوات التي يقوم بها الانتقالي فإن سكان المناطق الجنوبية، وعلى رأسهم سكان عدن التي تتركز فيها مؤسسات الانتقالي والحكومة، باتوا يجاهرون بانتقاد المجلس وتحميله مسؤولية الوضع الاقتصادي الصعب الذي يعانون منه، والاختلالات الأمنية التي أدت مؤخراً إلى اختفاء ضابط في جهاز الأمن وحديث عن تصفيته، وهروب قائد ما يسمى بـ"قوات مكافحة الإرهاب الجنوبية" إلى الإمارات، قبل إعلانه مطلوباً للقضاء اليمني عبر الإنتربول الدولي.
ودفعت هذه التوترات إلى إعلان المئات من أعضاء وقيادات المجلس من أبناء مدينة أبين المجاورة للعاصمة عدن تقديم استقالتهم من الانتقالي الجنوبي، وإعلانهم الانخراط مع ائتلاف جنوبي آخر مقرب من الحكومة الشرعية، وهو ما يؤكد تصعيد التوتر بين الجانبين.