متابعات-
وسط التحديات التي تواجهها المنطقة، تحرص العلاقات السعودية - العراقية على المضي قدماً في توفير الأجواء الملائمة لاستعادة بغداد الدور المؤثر في المنطقة، في وقت يُعد فيه التقارب هذه الأيام غير مسبوق منذ أكثر من 33 عاماً.
ونظراً لتعدد الملفات بين السعودية والعراق وتشابكها، سواء في الجانب الأمني أو السياسي، يحاول كل منهما التقارب مع الآخر من أجل تحقيق جملة من الأهداف التي تتوافق مع دوافعهما من هذا التقارب.
وإلى جانب ذلك، فإن التطورات التي تشهدها المنطقة منذ بدء العدوان الإسرائيلي على غزة، وتصاعد الأزمات كالهجمات على السفن في البحر الأحمر، واغتيال رئيس حركة "حماس" خلال وجوده في إيران، تعد من أبرز الملفات التي ربما حملتها زيارة وزير الخارجية السعودي الأخيرة إلى العراق، فهل هذه الملفات كانت ضمن سياق هذه الزيارة، أم أن هناك أهدافاً أخرى لها؟
زيارة لافتة
يسعى العراق والسعودية إلى تعزيز التعاون وتحسين العلاقات الثنائية، وذلك بغية تحقيق المصالح المشتركة ودعم الاستقرار في المنطقة، وتتنوع مجالات التعاون من التجارة والاقتصاد إلى الأمن ومكافحة الإرهاب، ومن التبادل الثقافي والتعليمي إلى العلاقات الدبلوماسية والتواصل السياسي.
ومن هذا المنطلق كثف البلدان تواصلهما وزياراتهما على مستوى المسؤولين، كان آخرها زيارة وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان، (22 أغسطس 2024) إلى العاصمة العراقية بغداد.
وأشارت الخارجية السعودية، في بيان مقتضب على حسابها في منصة "إكس"، إلى أن "وزير الخارجية يصل جمهورية العراق في زيارة رسمية يبحث خلالها سبل تعزيز العلاقات الثنائية في مختلف المجالات".
ولاحقاً قالت وكالة الأنباء العراقية "واع"، إن رئيس الوزراء محمد شياع السوداني التقى بن فرحان في القصر الرئاسي في العاصمة بغداد، إذ بحثا العلاقات الثنائية وسبل تعزيزها وتطويرها، بجانب العديد من القضايا الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك.
كما بحثا "آفاق تطويرها وتنميتها في جميع المجالات، لا سيما السياسية والاقتصادية، وتعزيز الشراكات المثمرة، وتفعيل المجلس التنسيقي العراقي - السعودي، بما يحقق المنفعة المتبادلة والمصالح المشتركة للبلدين".
واستعرضا "أهم التطورات في المنطقة، وتداعيات استمرار العدوان في غزة، وضرورة استمرار العمل المشترك وتنسيق الجهود العربية والدولية لإيقاف العدوان، وحث المجتمع الدولي نحو الاضطلاع بكامل دوره لمنع مأساة الإبادة الجماعية المتواصلة منذ أكثر من عشرة أشهر ضد أبناء الشعب الفلسطيني، وحقه التاريخي في الحياة على أرضه".
التطورات بالمنطقة
منذ بدء العدوان الإسرائيلي على غزة في السابع من أكتوبر الماضي، نشّطت السعودية والعراق دورهما السياسي والدبلوماسي في دول الإقليم والعالم للقيام بدور الوسيط لتهدئة التوترات في المنطقة وعدم جرها إلى حرب جديدة.
ويرتبط العراق بعلاقات مميزة مع الجانبين الأمريكي والإيراني، مما يؤهله ليقوم بدور الوسيط للحد من التوتر في المنطقة والضغط باتجاه التهدئة، وفي المقابل فإن السعودية لها علاقات واسعة مع الولايات المتحدة، كما أنها تقود دبلوماسية واسعة من بينها الضغط نحو إقامة دولة فلسطينية.
وفي يونيو الماضي، عقد في العاصمة الرياض اجتماع جمع وزراء خارجية السعودية والكويت والعراق لبحث سبل تعزيز وتطوير التعاون بين الدول الثلاث، وتكثيف التنسيق في القضايا ذات الاهتمام المشترك.
ووفق الخارجية السعودية حينها، فإن الوزير بن فرحان استقبل نظيريه الكويتي عبد الله اليحيا والعراقي فؤاد حسين في الرياض، حيث جرى "بحث سبل تعزيز وتطوير أوجه التعاون في العديد من المجالات"، حسب البيان.
أهمية كبيرة
يؤكد الصحفي والكاتب العراقي عمر عبد اللطيف، أن زيارة وزير الخارجية السعودي "لها أهمية كبيرة في دعم العلاقات بين البلدين، من خلال الربط الكهربائي، وزيادة أعداد الحجاج، وتسهيل دخول العراقيين للمملكة، على سبيل المثال".
ويشير في حديثه لموقع "الخليج أونلاين"، إلى أن هذه الملفات وغيرها يتم تناولها بشكل مفصل بين وزيري خارجية البلدين.
لكن مع ذلك، يعتقد بأن هناك قضايا أخرى ستناقش خلف الكواليس، تتمثل في "الأزمة الحاصلة في المنطقة بين "إسرائيل" ومحور العراق ولبنان وإيران واليمن بعد مقتل إسماعيل هنية".
وأوضح بقوله: "هذا موضوع مهم جداً، فالسعودية تحاول التهدئة بمنطقة الشرق الأوسط خصوصاً، والعراق يؤكد أنه بعيد عن سياسة المحاور"، إلا أنه "قبل يومين استجد شيء؛ أن أحد الفصائل أكد أنه أنهى الهدنة بينه وبين القوات الأمريكية، وقد تُقصف قاعدة عين الأسد في أي وقت وبقية المصالح الأمريكية في عدة دول يمكن أن تصلها صواريخ الفصائل العراقية".
ويلفت إلى أن هذه الأمور وغيرها في سياق التطورات في المنطقة وحرب غزة "ستبحث في زيارة بن فرحان".
وأكد أن العلاقات العراقية السعودية "متميزة بالآونة الأخيرة، حيث يعيش البلدان شهر العسل بعدما كانا سابقاً يتبادلان الاتهامات بشأن داعش والفصائل التي تفتك بالعراقيين".
وإلى جانب ذلك، يؤكد عبد اللطيف وجود "مصالح مشتركة مثل النفط وكيفية تسويقه والاستثمارات، وهو ما يتم مناقشته للعمل عليه بشكل أكبر في المرحلة المقبلة".
التقارب الثنائي
تتمسك السعودية بطموحها في إقامة علاقات مستقرة مع العراق، والتخلص من التدخلات الخارجية وتحقيق الاستقرار الأمني والسياسي الراسخ، الذي يؤمن دوران عجلة التنمية الاقتصادية في هذا البلد، ومن ثم يمهد لدول المنطقة إقامة علاقات تعاون وتبادل مصالح معه.
وأعلنت السعودية في الأعوام الأخيرة عدة مرات عن اتفاقيات ومشاريع اقتصادية استراتيجية مع العراق، وفي المقابل أعلن الأخير أنه يستعد لطرح قانون لحماية الاستثمار السعودي العراقي ومناقشته أمام البرلمان تمهيداً لإقراره خلال الأشهر القليلة المقبلة، ليسهم في دفع مسار التعاون الاقتصادي بين الجانبين.
وإلى جانب ذلك، فإن الملف الأمني يتصدّر معظم اللقاءات والمباحثات الرفيعة بين البلدين خلال السنوات الأخيرة، حيث يحرصان على مواصلة التنسيق، خاصة بعد الهجمات الصاروخية والمسيّرة التي استهدفت منشآت النفط السعودية عام 2019، والتي رجحت بعض التقارير الدولية آنذاك أنها انطلقت من العراق.
وكان البلدان استأنفا علاقاتهما الدبلوماسية في 2015 بعد قطيعة استمرت 25 عاماً، علماً بأن الرياض أغلقت سفارتها في بغداد خلال غزو الكويت عام 1990.