كامل جميل - الخليج أونلاين-
لم يمض كثير من الوقت على تحسن العلاقات بين الإمارات والسودان؛ حيث تسعى أبوظبي للمساهمة في الجهود الدولية لوقف الصراع الداخلي السوداني عبر الحوار والتسوية السلمية؛ حتى ظهرت بوادر تشير إلى أن علاقات البلدين مهددة بالعودة إلى "المربع الأول".
وحتى شهر يوليو الماضي، كانت العلاقات بين أبوظبي والخرطوم تشهد توتراً متزايداً؛ على خلفية اتهامات الجيش السوداني للإمارات بتقديم الدعم والأسلحة لقوات "الدعم السريع" المتمردة؛ في إطار الصراع الداخلي المستمر منذ أبريل 2023، وكثيراً ما نفت أبوظبي هذا الاتهام.
لكن في يوليو الماضي جرت محادثة هاتفية بين رئيس دولة الإمارات الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ورئيس مجلس السيادة السوداني، عبد الفتاح البرهان، وكانت خطوة مهمة في إرساء الهدوء على علاقات البلدين، والبدء بعملية تعزيز العلاقات، لا سيما أن أبوظبي تقدم مساعدات إغاثية وغذائية مستمرة للمتضررين من النزاع.
أحداث السودان باختصار..
منذ 15 أبريل 2023 تتواصل رحى معارك دامية بين قوات الجيش الحكومي وقوات الدعم السريع في عدد من مناطق السودان شملت 12 ولاية من أصل 18.
ما زالت حصيلة قتلى الحرب غير مؤكدة، لكن المبعوث الأمريكي الخاص للسودان، توم بيرييلو، قال، في يونيو الماضي، إنها تصل إلى 150 ألف قتيل.
تؤكد الأمم المتحدة أن أكثر من 10 ملايين شخص نزحوا داخل البلاد، بينهم أكثر من مليوني سوداني هربوا إلى دول أخرى.
نحو 25 مليون شخص بحاجة إلى مساعدات، والمجاعة تلوح في الأفق.
"أطباء بلا حدود" قالت: ثلث الأشخاص الذين يدخلون المستشفيات لإصابات مرتبطة بالحرب من النساء والأطفال دون العاشرة.
تهديدات واتهامات جديدة
وبعد هدوء في العلاقات بين الإمارات والسودان على خلفية الاتصال الهاتفي بين محمد بن زايد والبرهان، عاد التوتر يسود أجواء البلدين مرة أخرى.
جاء ذلك بعد بيان أصدرته وزارة الخارجية الإماراتية، الاثنين (30 سبتمبر 2024)، دانت فيه تعرض مقر السفير الإماراتي بالخرطوم لهجوم "من خلال طائرة تابعة للجيش السوداني".
الوزارة أشارت إلى أن الهجوم أدى إلى وقوع أضرار جسيمة في المبنى، مطالبةً الجيش السوداني "بتحمل المسؤولية كاملةً عن هذا العمل الجبان".
وأكدت أنها ستقدم مذكرة احتجاج لكلٍّ من "جامعة الدول العربية، والاتحاد الأفريقي، والأمم المتحدة، على هذا الاعتداء من قبل القوات المسلحة السودانية، الذي يمثل انتهاكاً صارخاً للمبدأ الأساسي المتمثل في حرمة المباني الدبلوماسية"، معربة عن "استنكارها الشديد لهذه الأعمال الإجرامية".
البيان الذي بدا شديد اللهجة وجه الاتهام المباشر للجيش السوداني، الذي بدوره نفى في بيان قيامه بقصف مقر البعثة الإماراتية، وقال إنه "لا يستهدف مقار البعثات الدبلوماسية أو مقار ومنشآت المنظمات الأممية أو الطوعية، ولا يتخذها قواعد عسكرية ولا ينهب محتوياتها".
وأضاف أن "من يقوم بتلك الأفعال المشينة والجبانة مليشيا متمردي آل دقلو الإرهابية (الدعم السريع) التي تدعمها لارتكاب تلك الأفعال دول معلومة للعالم، وتستمر في ارتكابها على مرأى ومسمع من الدول والمنظمات الدولية".
كما أكد أن "القوات المسلحة السودانية لا تقوم بهذه الأعمال الجبانة ولا تخالف القانون الدولي، وإنما تستهدف أماكن وجود هذه المليشيا، وهذا حقها في الدفاع عن كيان الدولة السودانية".
الدعم الإنساني والحل السياسي
ولم تكن المكالمة الهاتفية التي جرت بين محمد بن زايد وعبد الفتاح البرهان الوحيدة في إطار تهدئة الأوضاع بين البلدين، والعمل على وضع إطار جديد للتعاون بين الجانبين، حيث تبعتها مشاركة الإمارات في الاجتماع التشاوري الثاني حول تعزيز تنسيق مبادرات وجهود السلام في السودان "خلوة الوسطاء"، الذي عقد في جيبوتي، 25 يوليو الماضي، بمشاركة 32 دولة ومنظمة إقليمية ودولية.
وزير الدولة الإماراتي، الشيخ شخبوط بن نهيان آل نهيان، الذي ترأس وفد بلاده حينها، شدد في كلمته على ضرورة وقف القتال الفوري في السودان، وتسهيل إيصال المساعدات الإنسانية.
كما "أكد أهمية تكثيف الجهود الإقليمية والدولية لإيجاد حلول فعالة تمكّن السودان، من تجاوز التحديات التي يمر بها".
وأشارأيضاً إلى الخطوات التي قدّمتها الإمارات للتخفيف من حدة الظروف الإنسانية في السودان ودول الجوار، مؤكداً "حرص القيادة المستمر على تقديم الدعم الإنساني والإغاثي، حيث بلغت قيمة المساعدات المقدمة منذ بدء الصراع في أبريل 2023 ما يقارب الـ245 مليون دولار أمريكي".
وقال إن "موقف الإمارات ثابت؛ ويتمثّل في ضرورة التوصل إلى وقف فوري لإطلاق النار ووقف الاقتتال في أسرع وقت، إذ إنه لا يوجد حل عسكري للصراع، ولا بد أن تعمل الأطراف السودانية على إيجاد حل سلمي من خلال الحوار".
المربع الأول
وشهدت العلاقات الإماراتية والسودانية توتراً منذ أن اتهمت الخرطوم أبوظبي بدعم قوات الدعم السريع، ليتوالى التصعيد بين الطرفين.
حيث سبق أن وجه الفريق ياسر العطا، مساعد القائد العام للجيش السوداني، في نوفمبر الماضي، انتقادات لاذعة للإمارات، ووصفها بأنها "دولة مافيا".
وتبادل البلدان طرد الدبلوماسين في ديسمبر الماضي، كما اتهم مندوب السودان في الأمم المتحدة، الحارث إدريس، الإمارات بإشعال الحرب في البلاد عبر دعم قوات الدعم السريع، ليأتي حادث الهجوم على مقر السفير الإماراتي ويعيد العلاقات للمربع الأول.
وحول ذلك يقول المحلل السياسي السوداني حافظ كبير، لـ"الخليج أونلاين":
استهداف مقر سفير الإمارات هو امتداد للخطاب العدائي الذي تسوقه قيادات الجيش والقوى السياسية التي تقف خلفها.
رغم نفي الجيش السوداني استهداف مقر السفير فإن الخطاب والسلوك الذي ينتهجه قادة الجيش يؤكد أن العلاقة متأزمة بين حكومة بورتسودان ودولة الإمارات.
يأتي ضرب مقر السفير ضمن التصعيد الإعلامي والعسكري ضد الإمارات، وستكون له تداعيات على مجمل الأوضاع.
الإمارات دولة مؤثرة وفاعلة في المحيط الإقليمي والدولي، وكان يمكن أن تكون شريكاً في التنمية والبناء وأن تساهم في خطط الاستجابة الإنسانية وتسهل العملية السياسية المرتقبة، مثلما لعبت هذا الدور في اتفاق جوبا لسلام السودان وكذلك في العملية السياسية ضمن الآلية الرباعية الدولية.
وجود تيارات معادية للإمارات قد يعيق مثل هذه الجهود، ومن الواضح أن هذا التيار مسيطر على الأمور داخل الجيش، وكذلك في حكومة بورتسودان، ما يعيد العلاقة إلى مرحلة العداء الذي ينتهجه النظام السابق على أسس أيديولوجية لا على المصالح المشتركة واحترام الدول.
ليس من مصلحة السودان كدولة الدخول في عداء مع أي من دول الخليج.
المصالح الضيقة والاختطاف المستمر للمؤسسات هو ما يضيع المصالح العامة لخدمة مصالح ضيقة.
إذا ما ساءت العلاقة مع الإمارات فسيكون الخاسر الأكبر فيها هو حكومة بورتسودان ومن يقف خلفها. وشعبُ السودان المتطلع لعلاقات جيدة مع العالم وتبادل المصالح لا مصلحة له في هذا الاتجاه.