علاقات » عربي

تعقيدات التعاطي الخليجي مع مستقبل سوريا الجديدة

في 2024/12/27

(أحمد شوقي \ راصد الخليج)

بات مصطلح "سوريا الجديدة" هو المصطلح الأشهر في التناول الإعلامي الغربي والعربي على حد سواء. وهو مصطلح يشير إلى مستقبل نظام الحكم في سوريا بعد سقوط نظام الرئيس بشار الأسد وتدشين حقبة جديدة بنظام محتلف، من حيث التشكيل والتوجه السياسي والعلاقات الاقليمة والدولية.
ممّا لا شك فيه أن الأمن القومي الخليجي يرتبط بما يحدث في سوريا بصفته مؤثرا على الأمن القومي العربي، وكون الخليج جزءًا منه أو على صلة به في أضعف الأحوال، وكذلك للانعكاسات الإقليمية والجيوسياسية، والتي تربط مصالح الخليج بها بشكل مباشر.

هذا؛ وكلما تشكل نظام جديد في المنطقة، تتوجه الأنظار بشكل تلقائي لدول الخليج بصفتها الأكثر ثراء ومشاركة في إعادة الإعمار والدعم الاقتصادي والسياسي، وبصفتها لاعبًا استراتيجيًا في الإقليم ولها أدوار مؤثرة في رفع أو خفض أسهم اي نظام جديد والتأثير على مسار شرعيته بالتسهيل أو العرقلة.

لكن الملف السوري يشهد تعقيدات وتعددًا للأبعاد بما يجعل المهمة الخليجية غير تقليدية، حيث تتصارع بها العوامل الخارجية المتعلقة بالنفوذ الإقليمي التركي الطامح لقيادة العالم الاسلامي، وكذلك العوامل الداخلية الخليجية وسط تباين المواقف والأدوار. إذ إن النفوذ القطري يعلو عن النفوذين السعودي والإماراتي بطبيعة العلاقة مع القوى الصاعدة في سوريا وثبات الموقف القطري في معاداة النظام السوري السابق، بينما طبعت كل من السعودية والإمارات مع نظام الرئيس الأسد قبيل سقوطه.

ممّا لا شك فيه أن أميركا لن تترك مستقبل سوريا من دون ضمانات لحفظ مصالحها وحماية أمن "إسرائيل"، ستحاول تاليًا موازنة الأدوار التركية والخليجية بعدما بدا أنه خروج للنفوذ الإيراني من سوريا. وهو ما يوحي بتنافس أو بذور خلافات خليجية، وتحديدًا إماراتية سعودية مع تركيا، بينما تحتفظ قطر بعلاقات وثيقة وتنسيق كبير مع تركيا، ولديهما مشروع ضخم للغاز القطري يستطيع توحيد موقفهما.

هذا الانسجام القطري - التركي، قد يقود إلى خلافات بينية خليجية جديدة بين قطر من جهة، وبقية دول الخليج التي غالبًا ما تخضع للتوجه السعودي بما فيها الإمارات بالبرغم من مؤهلاتها التي تجعلها مستقلة نسبيًا.

قد يكون التقارب الخليجي بشكل عام مع تركيا وتحسّن العلاقات والمصالحة الخليجية قد حدثت في وضع مختلف، حيث كانت مجالات التعاون يربطها سياق تنافسي مع إيران ومحورها. ولكن بعد سقوط النظام السوري، وما بدا أنه انقطاع لتواصل المحور، فإنّ هناك غنيمة سورية وكعكة قد تفجر الخلافات، سواء الخارجية مع الأتراك الطامحين لاستعادة النفوذ العثماني وقيادة المنطقة على حساب مصر وإيران ودول الخليج، أو الخلافات البينية مع قطر التي انحازت لأنظمة حكم ترفضها دول الخليج الأخرى، شكلاً وموضوعًا، مثل التنظيمات الإخوانية، وبشكل عام ما ينضوي تحت مسمى "الإسلام السياسي".

لقد بدأت مراكز الفكر والدراسات السياسية والاستراتيجية الأمريكية في توصياتها لإدارة ترامب بالاعتماد على دول الخليج في ضبط مستقبل "سوريا الجديدة"، وعدم تركها فريسة لتوجهات الأتراك بالرغم من المصالح المشتركة الأمريكية- التركية. وهذا ما قد يصعّب من مهام الدور الخليجي، ويعقّد مساراته بين إرضاء ترامب والحفاظ على حد أدنى من الود مع تركيا، وكذلك عدم إعادة الخصومة والصراع مع إيران، وفي القلب الحفاظ على التنسيق الخليجي وعدم العودة للخلاف وأجواء ما قبل المصالحة الخليجية.

كلها ملفات شائكة ومعقدة على الطاولة الخليجية واستحقاقات بانتظار الأيام القليلة القادمة، لبيان كيفية التعاطي معها.