محمود جبار - الخليج أونلاين
تشير التطورات التي تشهدها الساحة السورية إلى بدء السعودية بالعمل على رفع العقوبات الدولية المفروضة على دمشق، في إطار رؤية الرياض لتعزيز استقرار المنطقة، حيث ترى في التعاون مع الإدارة السورية الجديدة فرصة لإعادة تشكيل ميزان القوى بالشرق الأوسط.
بعد سنوات من التوتر مع دمشق تعتبر الخطوة السعودية جزءاً من استراتيجية أوسع لتعزيز دورها القيادي في المنطقة.
فقد أحدث سقوط نظام بشار الأسد تغييراً محورياً في ميزان القوى بالمنطقة؛ حيث تشير تحليلات عدة إلى أن هذا السقوط قد يتيح للسعودية تأدية دور إيجابي في إعادة سوريا إلى الحاضنة العربية بعد سنوات من التغلغل الإيراني في البلاد.
ودعماً للإدارة السورية الجديدة بقيادة أحمد الشرع، الذي يتمتع بقبول دولي وإقليمي، أبدت المملكة استعدادها للعمل مع الدول العربية لإعادة بناء سوريا وإعادة دمجها في محيطها العربي.
تسعى الحكومة السورية اليوم لإقناع المجتمع الدولي بضرورة رفع العقوبات الغربية المفروضة على البلاد، والتي تعود جذورها إلى قمع نظام الأسد للاحتجاجات الشعبية عام 2011.
هذه العقوبات، التي بدأتها واشنطن بتصنيف سوريا "دولة راعية للإرهاب" منذ 1979، وأُضيفت إليها عقوبات مشددة عام 2004، تستمر اليوم في خنق الاقتصاد السوري.
ومع تفاقم الأزمات الاقتصادية، تدعو دمشق إلى خطوات عملية لدعم التعافي الاقتصادي وتخفيف المعاناة عن الشعب السوري.
وعليه تجد إدارة الحكومة السورية أن السعودية سيكون لها الأثر الكبير في دعمها لتجاوز العقوبات من خلال قوة دبلوماسيتها، إضافة إلى نيل الدعم الاقتصادي من المملكة.
رغبة سورية في دعم سعودي
برزت رغبة الحكومة السورية الجديدة من خلال تصريحات دبلوماسيتها، أحدثها جاءت على لسان وزير الخارجية أسعد الشيباني، في مؤتمر صحفي عقده الجمعة (24 يناير الجاري)، مع نظيره السعودي الأمير فيصل بن فرحان، الذي أجرى زيارة لدمشق.
الشيباني أكد أن الشعب السوري يدعو إلى رفع العقوبات التي تعرقل تنمية بلاده، مشيداً بدور السعودية التاريخي في دعم سوريا.
وأعرب عن تطلعات السوريين للانضمام إلى مشروع عربي مشترك يحقق الاستقرار والتنمية الاقتصادية في المنطقة، مثمّناً جهود المملكة في السعي لرفع العقوبات وتعزيز التعاون العربي.
في الشأن ذاتهذ، أبدى وزير خارجية السعودية انفتاحاً أكبر تبديه بلاده على سوريا، ومن أبرز ما ذكره في هذا الشأن:
السعودية منخرطة في حوار فاعل مع الدول المعنية؛ لرفع العقوبات عن سوريا.
تلقّت السعودية إشارات إيجابية من الدول ذات الصلة بشأن رفع العقوبات.
نشدد على أهمية الإسراع في رفع العقوبات؛ لتمكين سوريا من تحقيق الاستقرار والنهوض.
المملكة تدعم سيادة سوريا واستقلالها ووحدة أراضيها.
السعودية أرسلت 12 طائرة مساعدات ضمن جسر جوي لدعم الشعب السوري.
واقع الاقتصاد السوري
من المتوقع أن يكون لرفع العقوبات المفروضة على سوريا فوائد مختلفة للبلاد وتعجيل انتعاش اقتصادها ودوران عجلة التنمية فيها.
وتظهر التحركات السعودية رغبة جادة في تحقيق رؤية مشتركة مع الإدارة السورية الجديدة لضمان مستقبل مستقر لسوريا، التي تضع أملاً كبيراً في الدعم السعودي.
وفي نظرة سريعة لمعلومات تقارير دولية يمكن معرفة الوضع الذي تعيشه سوريا، من جراء التركة الثقيلة التي خلفها نظام الأسد:
أكثر من 90% من السوريين تحت خط الفقر.
النشاط الاقتصادي انخفض بنسبة 50% بين 2010 و2019.
الحرب دمّرت البنية التحتية وزادت الشيخوخة السكانية بسبب النزوح الجماعي.
يعيش 75% من السكان على أقل من 3.65 دولارات يومياً.
يعيش 33% في فقر مدقع بأقل من 2.15 دولار يومياً.
متطلبات إعادة الإعمار التي قدرها البعض بنحو 300 مليار دولار.
تأثيرات جائحة كورونا، والأزمات الإقليمية، والاضطرابات الاقتصادية العالمية فاقمت الوضع الاقتصادي.
مكاسب سورية سعودية مشتركة
المحلل السياسي د. واثق السعدون، الخبير في الدراسات الخليجية بمركز "أورسام" التركي، يرى أن سقوط نظام بشار الأسد يمثل حدثاً مفصلياً يعيد رسم الخارطة الجيوسياسية في المنطقة.
وأوضح السعدون في حديث لـ"الخليج أونلاين"، أن هذا التغيير "يفرض على الأطراف الإقليمية الفاعلة أن تتفاعل معه، وأن تعيد رسم سياساتها وفق معطيات هذه التطورات المهمة".
ويلفت إلى أن دور السعودية سيكون مؤثراً في السياسات الإقليمية؛ "نظراً إلى موقعها المهم في الاقتصاد العالمي، الذي أعطاها القدرة على التأثير في السياسات الدولية تجاه منطقة الشرق الأوسط".
نتيجة للخطوات والتصريحات "المتزنة والواعدة"، التي اتخذتها القيادة السورية الجديدة، وبعد تواصل القيادة السعودية معها، بحسب السعدون، "نستطيع القول بأن الرياض قد تجاوزت مرحلة التردد تجاه سوريا الجديدة، والآن هي في مرحلة التعاطي الإيجابي مع التغيير الذي حصل في سوريا".
يضيف المحلل السياسي أن التوقعات تذهب باتجاه اندفاع السعودية "بكامل قدراتها نحو سوريا الجديدة"، واصفاً الفراغ الذي خلفه زوال نظام الأسد بأنه "الفرصة الكبيرة" التي لا يمكن للمملكة أن تهملها، على حدّ قوله.
وعليه يرى أن الرياض "سوف تسعى لملئ الفراغ الإيراني، ولإعادة تنظيم العلاقات الإقليمية، سياسياً وأمنياً واقتصادياً، بل وحتى ثقافياً واجتماعياً، بما يخدم المصالح السعودية".
في ما يتعلق بمستقبل علاقات سوريا والخليج بشكل عام، يجد السعدون أن "سوريا الجديدة تقدم فرصاً واعدة للاستثمارات الخليجية، من خلال موقع سوريا الجيوستراتيجي، ومقومات هذا البلد الاقتصادية والجغرافية والمناخية، والبشرية".
ويشير إلى أن رفع العقوبات عن سوريا سيكون "عاملاً مهماً في جذب الاستثمارات لهذا البلد؛ لأنها ستسهم في إعادة تدوير عجلة الاقتصاد السوري عامة، وإزالة القيود عن القطاع المصرفي في سوريا بشكل خاص".