في 2025/03/12
أماني خيري - موقع مواطن
باحثًا عن الغُربة، يترك وطنه وأبناءه وأسرته على أمل في حياة أفضل، بائعًا كل ما يملك، أو يقترض الأموال في سبيل الحصول على تأشيرة سفر زيارة أو سياحة، لاهثًا خلف السراب، ليعيش حياة مليئة بالمعاناة، ما بين الاقتراض وانتهاء التأشيرة، وبين تراكم المخالفات والنوم في الحدائق العامة، ليدفع ثمن هذا الحلم المُزيف عائدًا إلى وطنه حاملًا خيبة الأمل.
“عامان من المعاناة”، كانت هي الوصف الأمثل للشاب عمر حسن، عاشها داخل الإمارات المتحدة عقب انتهاء تأشيرة الزيارة الخاصة به باحثًا عن عمل ليجد قوت يومه. يحكي عمر لـ “مواطن”: “أعمل في السياحة، وتحديدًا في مجال المطاعم منذ 12عامًا داخل مصر، وصلت دولة الإمارات العربية من خلال تأشيرة زيارة، ثم بحثت عن عمل خلال فترة الزيارة بناءً على نصائح أصدقائي هُناك، ولكن بمجرد وصولي كانت الصدمة.. “بعد عدة محاولات للتواصل مع أصدقائي لم يجب علي أحد منهم”.
عمل عمر في عدة أعمال حرة متنوعة خلال فترة إقامته في الإمارات، ما بين دُبي والشارقة؛ حيث أقام في شقة سكنية برفقة مصريين، من هذه الأعمال كان مساعدة أصحاب السيارات في الركن أسفل مول شهير، ولكن عقب مرور ثلاثة أشهر ترك العمل.
عقب مرور فترة زمنية بدون عمل، قرر العمل في الملابس وافتراش الطرقات رغم عدم قانونيته، ولم يدم هذا العمل كثيرًا حتى انتهت تأشيرة الزيارة، وبدأت المخالفات تتراكم عليه حتى 5 أشهر، انتقل إلى مدينة أبو ظبي وبدأ العمل في مطعم، ووعده صاحب المطعم بتوفيق وضعه وعمل إقامة، مر الوقت، ومع مطالبته صاحب العمل بتنفيذ الاتفاق ودفع المخالفات، رفض وطرده من العمل.
الحياة في الغربة حسب عمر كانت قاسية؛ فبعد انتهاء تأشيرة الزيارة اقترض من صديق له مقيم في الكويت، وكانت الأولوية في توفير المسكن وليس المأكل؛ حيث نصحه عامل مصري هناك قائلًا له: “لا تطاوع بطنك، لو طاوعتها تموت”، لذا كان هدفه الأساسي هو دفع مصاريف السكن أولًا، حتى إنه كان يتناول الماء متزوجًا بالسكر كبديل عن الطعام معبرًا: “شربت مية بسكر علشان مفيش أكل، ولا أبحث عن طعام لمدة أسابيع”.
طرده من العمل كان سببًا في العودة لافتراش وبيع الملابس مرة أخرى في مناطق قريبة من برج خليفة، عمل بذلك لمدة وجيزة حتى تم إلقاء القبض عليه، ومن ثم ترحيله إلى مصر، ليعود مرة أخرى لعمله في مجال السياحة لمدة سنة ونصف في تسديد مبالغ مالية، كان قد اقترضها من معارف له داخل مصر.
"فلوسي خلصت.. لا سكن ولا أكل"
“كنت أعمل في سكن شباب وأنفق على أسرتي وأبنائي، كانت الأمور تسير على ما يرام، لكن صلاحية الفيزا السياحية انتهت مدة، وقمت بالتجديد أول شهرين، وفي الشهر الثالث نفذت النقود وفقدت عملي”. هذا حال محمود سعيد عقب انتهاء صلاحية التأشيرة السياحية التي سافر بها إلى سلطنة عُمان. يروي “سعيد” معاناته مع الغربة قائلًا: ” مع انتهاء التأشيرة مرة أخرى ضاق الحال، ولم أستطع عيش حياتي بشكل طبيعي”، وأضاف: “عملت في ظروف صعبة؛ فلوسي خلصت، مفيش لا سكن ولا أكل ولا حتى شرب.
نتيجة البحث هُنا وهُناك نجح في إيجاد عمل بسيط بالفعل، مُستنكرًا ما يسمع من أقاويل بتوافر العمل في سلطنة عمان برواتب خيالية، وحين يصل العامل يلقي مصيرًا صعبًا مع قلة العمل، حتى إن بعض (العمال) ينام في الحدائق العامة ولا يجد قوت يومه أو سكنًا يأويه، مُتهمًا مكاتب التوظيف المُزيفة باستغلال العمال البُسطاء والراغبين في العمل مقابل آلاف الجنيهات.
سرق منه أمواله وهرب إلى روسيا
لقي سعيد حظًا سيئًا من التعامل مع أحد النصابين بحجة توفير إقامة سارية، مقابل مبلغ 92 ألف جنيه “1829 دولارًا”. التقى بأحد الأشخاص داخل السلطنة، ووعده بتوفير إقامة مقابل آلاف الجنيهات، ولكن لم يُنفذ وعده وتهرب منه عدة مرات، حتى إنه اختفى تمامًا وهرب إلى روسيا، بالتواصل مع أسرته أكدت له أم المذكور أنها لم تعد تعلم عنه أي شيء منذ سفره، ولم يُرسل أموالًا لأسرته وأبنائه، ونصحوه بالإبلاغ عنه وسجنه إن عثر عليه. ليُعاني في محاولة تدبير الأموال وتسديد ديونه التي اقترضها، ويضيف: خسرت فلوسي وخسرت شغلي، ومادخلش بيتي أي فلوس من 6 شهور حتى الآن”.
"تراكمت على المخالفات..وأنتظر عفو السلطات"
ياسر سليم، شاب مصري ذهب إلى سلطنة عُمان أيضًا من خلال فيزا سياحة عقب اتفاق مُسبق على عمل، لكن بمجرد وصوله فوجئ بأن أغلب الأعمال؛ سواء أكانت خدمة العملاء أو حتى العمل الإداري داخل الشركات، أصبحت خاصة بالمواطنين العمانيين فقط، ويُمنع ممارستها للجنسيات العربية الأخرى كما كان في السابق، لذا لم يجد ضالته في العمل الذي اعتاده، وبحث عن عمل جديد في مجال المطاعم لفترة من الوقت، ولم يحصل على حقوقه المادية بالكامل.
أيام تمر وأشهر، ليجد “سليم” نفسه في ظروف صعبة؛ ما بين نقود لا تكفي المعيشة والطعام والشراب؛ فضلًا عن بدء تحرير المخالفات المالية ضده نتيجة انتهاء الفيزا، لتتراكم عليه المخالفات خلال بضعة أشهر، ويجد نفسه ما بين تناول الطعام كي يعيش لليوم الثاني، أو يرسل أموالًا لأبنائه، أم يحاول تجميع الأموال بدفع الغرامات المُقررة عليه، وقد يعرضه ذلك للسجن والترحيل.
ويحكي لـ “مواطن“: أنا حاليًا بعاني، بقالي شهرين مُخالف، وتراكمت عليا الغرامات، وحينما ذهبت للسلطات لسحب المخالفات فوجئت بأنها وصلت لـ 250 ريالًا “649 دولارًا”؛ فضلًا عن الغرامات اليومية وقيمتها 10 ريالات حال التأخر في سداد المخالفات، والحد الأقصى لهذه المخالفات هو 500 ريال، لكني على أمل “عفو” السلطات من خلال الجالية المصرية، مقابل دفع جزء من المبلغ المُقرر في المخالفة.
اعتاد “ياسر” السفر إلى دول الخليج من خلال تأشيرة سياحية، ولم تكن هذه مرته الأولى في السفر بهذا الشكل، وعلى حسب حديثه؛ فهو يعلم جيدًا القوانين ويتابع بشكل جيد، لكن سفره السابق أعطاه الأمان في إيجاد فرصة وتوفير إقامة بعد الوصول إلى عُمان، من خلال التأشيرة السياحية، مُستنكرًا ذهاب راغبي العمل في الخارج إلى وسطاء، ودفع مبالغ مالية تصل لـ 100 ألف جنيه “1987 دولارًا”، مقابل وعود مزيفة بتوفير عمل في الخارج، وتوفير تأشيرة بعيدًا عن المكاتب الرسمية، معبرًا: “العامل بيروح مكاتب نصب، بيدفع فلوس بـالآلاف على وعد بتوفير فرصة عمل وتأشيرة، يوصل بره مصر يتفاجئ، مفيش شغل، ومفيش سكن، والمرتبات ضعيفة، يضطر يصرف آخر فلوس معاه وتبدأ المعاناة”.
العودة إلى مصر.. أو المبيت في الشارع
“سمير الألفي”، يعمل في الخليج ما بين الكويت وسلطنة عمان والسعودية منذ سنوات طويلة، يوضح لـ “مواطن”، استغلال بعض المكاتب للعاملين البسطاء، وتقاضي الأموال وتقديم وعود مزيفة، قائلًا: “على الرغم من أن إجراءات استخراج تأشيرة السياحة أو العمل بسيطة، لكن هناك مكاتب توظيف تقوم باستغلال العاملين وتحصل على الأموال الكثيرة دون تقديم الخدمات المُتفق عليها مُسبقًا في مصر، حتى إنها تستخرج التأشيرة سليمة، لكن مكان العمل يتبع شركة وهمية ليس لها مقر في الخليج، رغم قانونية وجودها على أرض الواقع من السجل التُجاري والبطاقة الضريبية، وتتنوع أعمال الاحتيال، حتى إن صاحب الشركة يبيع تأشيرة العمل لمكاتب مقابل مبالغ مالية كبيرة، يدخل العامل الدولة بشكل قانوني، لكن يُعاني فيما بعد ويسوء حظه، إن لم يجد فرصة عمل خلال فترة التأشيرة”.
مُتابعًا: “من يتعرض لأعمال احتيال ولا يجد العمل في الخارج، لا يكون أمامه سوى البحث عن أحد معارفه، ليُقيم معه في نفس السكن بشكل مؤقت، مع البحث عن عمل بسيط بمرتب ضئيل لطعامه اليومي، على أمل تحسين وضعه القانوني، ويضطر إلى تحمل وعود صاحب العمل الكاذبة بزيادة الرواتب؛ فهو صاحب الموقف الأضعف ولن يستطع إبلاغ الشرطة لكونه مقيمًا بشكل غير قانوني؛ فلا يجد أمامه سوى الاستمرار في البحث عن بديل، أو يسوء حاله ويضطر إلى المبيت في الحدائق العامة أو المساجد داخل القرى، وإن كان حظه أفضل يبحث عن أول تذكرة طيران عائدًا لمصر مرة أخرى”.
يؤكد الألفي، أن كثيرًا من أفراد الجالية المصرية في الخارج، ممن لديهم علاقات بالشركات ومكاتب العمل والورش، يُساعدون العمال في إيجاد فرص عمل، وهناك مصريون يقومون بجمع الوظائف مقابل “عمولة”، وهي مبلغ مالي يصل لـ 50 ريالًا لتوفير فرصة عمل لمن يرغب، ويتوقف المبلغ على نوع العمل.
لأيام، لم يتواصل مع أهله، وفوجئوا بالقبض عليه
ظاهرة كسر الفيزا من قبل بعض العمال امتدت حتى خارج دول الخليج والدول العربية؛ حيث وصلت لـ تركيا؛ فمن خلال بوست على فيسبوك عن مجموعة تخص الجالية المصرية في تركيا، عثر محمد محمود – اسم مستعار- عن شقيقه الذي طال انتظاره دون التواصل مع أسرته لبضعة أيام.
وحسب حديث محمود لـ “مواطن”، كان شقيقه الأصغر ذو الـ 19عامًا يعمل في مجال النسيج والملابس، وحلمه الوحيد كان السفر إلى تركيا والبحث عن فرصة عمل جيدة وكسب النقود وبناء مستقبله، وبالفعل قرر السفر من خلال تأشيرة سياحة إلى تركيا، وحين وصل إلى هناك حاول العثور على فرصة عمل داخل أحد المصانع في مجال الملابس حتى عثر على عمل.
مُتابعًا، انتهت مدة التأشيرة الخاصة بشقيقه، ومرت الأيام وتم تحرير مخالفات وغرامات ضده عقب مرور 6 أشهر، وبالفعل بدأ في تقديم أوراق ورسوم للحصول على إقامة رسمية داخل البلاد ودفع الغرامات المُقررة عليه، لكن حدث ما هو غير مُتوقع؛ مرت أيام ولم يتوصل لشقيقه، ولم يستطيعوا الوصول إليه حتى تواصل معهم هاتفيًا وأبلغهم بإلقاء القبض عليه من قبل الشرطة التركية، ولم يستكمل أوراق الإقامة، وسيتم ترحيله خلال أيام منهيًا الحديث بهذه الكلمات: “ضيعوا حلم شاب صغير بيحاول يبني مستقبله”.
غرفة السياحة: غلق الشركات الوهمية و تحذير المسافرين
على الجانب الآخر الدولة المصرية تسعى جاهدة لمحاسبة المخالفين من شركات ومكاتب السفر الوهمية، وتوجيه العقوبات؛ سواء أكان بالغرامة او الحبس، حسبما أكد أحمد وحيد، عضو غرفة شركات السياحة ووكالات السفر في تصريح خاص لـ “مواطن”.
موضحًا أن بنود التأشيرات السياحية لا تصلح للعمل ولها مدة صلاحية معينة، كما أن مستخرجي هذا النوع من التأشيرات؛ سواء أكانت السياحية أو الزيارة، أكثرهم من فئة الشباب، ويعلمون جيدًا أنهم مخالفون قبل السفر للخارج بغرض العمل، وقد يواجهون الغرامات والعقوبات في الخارج.
ويؤكد على دور غرفة شركات السياحة ووكالات السفر في تحذير المسافرين من هذه المخالفات، وتوضيح بنود التأشيرات منعًا لتعرضهم لعقوبات، لكن هُناك بعض المكاتب الوهمية تستغل راغبي العمل في الخارج بالوعود المُزيفة مقابل آلاف الجنيهات، ومن خلال الإدارة العامة لشرطة السياحة تم غلق آلاف الشركات الوهمية وتحرير محاضر رسمية وعرض المُخالفين على النيابة، مُعبرًا: “ماحدش ساكت”.
الغرامات سبيل الدول لـ مواجهة تجاوزات الأجانب
أعلنت الدول العربية هي الأخرى منذ أشهر قليلة عن رفع قيمة الغرامات على أصحاب العمل لتوظيف حاملي التأشيرة السياحية أو الزيارة، وعلى العاملين المخالفين أنفسهم، عقب انتهاء مدة صلاحية الفيزا لمواجهة تجاوزات الأجانب.
حسب موقع خليج تايمز، فرضت الحكومة الإماراتية غرامات تبدأ من 100 ألف درهم “27 ألف و225 دولارًا”، وحتى مليون درهم لتوظيف العمال بدون الحصول على تصريح عمل منُاسب، وجلب العمال إلى البلاد دون توفير وظيفة لهم، وهو ما أكدته الحكومة الإماراتية عبر موقعها الإلكتروني ، بأن العمل بموجب تأشيرة زيارة أو سياحة أمر غير قانوني.
وفي السعودية أعلنت وزارة الداخلية عن رفع غرامات مخالفي التأشيرة السياحية والزيارة، مع زيادة حالات التجاوز بين الأجانب؛ حيث وصلت قيمة الغرامة لـ 1000ريال سعودي، ” 266.65دولارًا” عن كل يوم تأخير عقب انتهاء مدة صلاحية التأشيرة، وفق موقع خدمات سعودية.
ورفعت الحكومة في سلطنة عمان غرامة تأخير تجديد فيزا السياحة والزيارة عقب انتهاء صلاحية التأشيرة، وتواجد الأجنبي على الأراضي العمانية لتصل لـ نحو 10 آلاف ريال عماني” 25 ألف و973 دولارًا” عن كل يوم تأخير في البلاد، حسبما ذكر موقع “بوابة الصبح”.