ساسة بوست
نحو 70 ألف وثيقة سربها موقع ويكيلكس أمس الجمعة، عن وزارة الخارجية السعودية، تحتوي مراسلات بين الوزارة وسفاراتها فى أنحاء العالم. هذه الوثائق تعد دفعة أولى من بين نحو نصف مليون وثيقة سينشرها الموقع الشهير.
كان للأوضاع في مصر نصيب كبير من الوثائق التي تتحدث عنه، من بين هذه الوثائق ما يعكس العلاقة بين السفارة السعودية في القاهرة والإعلاميين ووسائل الإعلام المصرية، وما فعلته السفارة لتحسين صورتها في القنوات والصحف.
في حب بكري وبُغض الإبراشي
يبدو أن علاقة الودّ كانت تسود بين الإعلامي مصطفى بكري والسعودية، في حين ساد التوتر بينها وبين وائل الإبراشي. ففي أحد الوثائق التي خاطب فيها وزير الخارجية سعود الفيصل، رئيس اللجنة العليا للمهرجان الوطني للتراث والثقافة، أظهرت عدم تفضيل الأول دعوة الإعلامي المصري وائل الإبراشي لمهرجان الجنادرية الثقافي، إذ وصفته الوثيقة بأنه دائم الهجوم على المملكة دون أي مبرر، بينما رأت من المناسب أن يلقي الإعلامي مصطفى بكري كلمة خلال المهرجان.
وفي وثيقة أخرى تحت عنوان سري وعاجل، وجه الوزير نفسه برقية للديوان الملكي، يُعلمه فيها أن الإبراشي يعتزم زيارة الأميرة بسمة بنت عبدالعزيز آل سعود في لندن لإجراء حوار معها، بالإضافة إلى الإعلامية السعودية نادين بدير، التي سيتوجه إليها لإجراء حوار مماثل.
وتشير الوثيقة إلى أن الإبراشي سبق واستضاف بدير، حيث تهجمت على هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. واقترح الفيصل في هذه الوثيقة أن يكلف الملك من يتصل بالأميرة بسمة لحثها على التعقل وعدم الانجراف وراء الإعلام، بالإضافة إلى مطالبة الأمير الوليد بن طلال مالك قناة روتانا خليجية التي تعمل بها بدير، لوضع حد لما تقوم به الصحفية.
مصطفى بكري كان صاحب نصيب الوثيقة الأبرز، ففي خطاب من سعود الفيصل إلى رئيس الديوان الملكي يذكر فيها أن بكري وهو أحد المقربين من المجلس العسكري المصري والمشير طنطاوي بشكل شخصي، قد ذكر للسفير القطان أثناء زيارة له، محاولة إيران احتواء إعلاميين مصريين، وأخبره أنه يمكن تدارك الأمر بدعم من المملكة، عن طريق إصدار الصحيفة التي يملكها بكري بشكل يومي بدلا من إصدارها أسبوعيا، بالإضافة إلى إنشاء فضائية لمواجهة الشيعة ودعم مواقف المملكة، ثم إنشاء حزب سياسي مصري. وطلب الفيصل من رئيس الديوان الملكي عرض الأمر على الملك عبد الله، واقترح أن يوجه الملك بلقاء بين بكري ووزير الثقافة والإعلام السعودي.
أما الصحفي عادل حمودة فورد اسمه في وثيقة أخرى أرسلها السفير أسامة أحمد نقلي إلى وزير الخارجية السعودي يطالبه فيها بتحديد موعد للقاء حمودة أثناء زيارته للمملكة لتغطية القمة الاقتصادية، مشيرا إلى أن مصطفى بكري ورئيس تحرير الأهرام قامو أيضا بإرسال السلام للوزير.
تحسين صورة المملكة في الإعلام المصري
بعد ثورة يناير كانت الاضطرابات السياسية سيدة الموقف، وحصلت السعودية على نصيبها من الهجوم الإعلامي، مما دفع المملكة للاهتمام بتحسين صورتها. هذه الوثيقة تعرض ما فعلته السعودية، حيث تقول إن السفير القطان يتواصل باستمرار مع وسائل الإعلام المختلفة لتصحيح “الصور السلبية عن المملكة”، بالإضافة إلى التعاقد مع شركة إعلامية متخصصة توضح “صورة المملكة الحقيقية” بواسطة مجموعة من الإعلاميين أصحاب الخبرة والتأثير. تقول الوثيقة أيضا إن الخارجية تقوم بدعوة الإعلاميين والمثقفين المصريين إلى الفعاليات الثقافية، ومن ثم إطلاعهم على رؤية السعودية تجاه مصر.
هذه الوثيقة المسربة غير معلومة التاريخ أو الجهة التي أصدرتها، والتي يبدو أنها دراسة أو تقرير، تتحدث عن طبيعة الإعلام الخاص بعد الثورة، واصفة إياه بأنه لا يحرك الرأي العام، بل يتحرك معه وفقا لمصالح مختلفة أبرزها تضخم رأس المال، وأن هذه الوسائل بعيدة عن خدمة الشعب المصري.
وثيقة أخرى أرسلها سعود الفيصل إلى رئيس الديوان الملكي يتحدث فيها عن سيدة تدعى إنعام جنبلاط كانت تعمل ملحقة إعلامية في جامعة الدول العربية وتطلب دعما ماليا سعوديا، حيث تدير مكتبا لإعداد الأخبار السياسية والتقارير الإخبارية يدعى كونتاكت ميدل إيست. وتشير الرسالة إلى أن نشاط المكتب شبه متوقف، ولا يرى الفيصل طائلا من الاستمرار في دعم المكتب لأنه لا يخدم المملكة في الإعلام المصري.
مكتب الوكالة المشار إليه غير معروف في الوسط الإعلامي المصري مما يعني أن نشاطه متوقف أو شبه منعدم ويبدو أنه لايمارس حاليا أي نشاط إعلامي في مصر سوى توزيع المقالات التي يكتبها عادل مالك “زوج السيدة إنعام” على الصحف المصرية.
والسفارة لاترى أن دعم ذلك المكتب سيضيف أي قيمة إعلامية أو يقدم جديدا يخدم المملكة لدى الإعلام المصري. سعود الفيصل في وثيقة مسربة.
ويبدو أن أمر المعتقلين المصريين في السعودية كان أهم هذه القضايا التي جلبت على السعودية هجوم الإعلام المصري، فتقول هذه الوثيقة المرسلة من سعود الفيصل إلى الملك عبدالله، أن مساعد وزير الخارجية المصري عرض إطلاق سراحهم بموجب عفو ملكي، للحد من استغلال بعض وسائل الإعلام المصرية للقضية.
العريفي .. دبلوماسية شعبية وواجهة إعلامية
أثناء تولي الدكتور محمد مرسي رئاسة الجمهورية، زار الداعية السعودي محمد العريفي مصر، حيث خطب في مسجد عمرو بن العاص والجامع الأزهر. ولقيت الزيارة أصداء واسعة في الأوساط الشعبية. ومن بين الوثاق المسربة واحدةٌ تعرض فوائد زيارة العريفي بالنسبة للسعودية، والتي من بينها أن الكاتب إبراهيم السايح المعروف بمواقفه السلبية ضد المملكة، قد أشاد بخطبة العريفي وهو ما تراه الوثيقة نجاحا كبيرا للدبلوماسية الشعبية في دعم صورة المملكة في الإعلام المصري.
منع ظهور المعارضين والاستعلام عن الإعلاميين
المعارض السعودي سعد الفقيه كان محور أحد الوثائق، إذ أنه حل ضيفا على قناة أون تي في المصرية الخاصة، فتظهر الوثيقة أن السفير السعودي أحمد القطان سارع بالاتصال بنجيب ساويرس مالك القناة معاتبا إياه على هذه الأمر، فوعده ساويرس بعدم تكرار استضافة الفقيه مرة أخرى، كما أرسل السفير إلى ألبرت شفيق مدير القناة عن طريق الدكتور مصطفى الفقي مُعَاتَبة على انحياز مذيعة البرنامج لرأي الفقيه، ثم شرح له أن المملكة “تتقبل النقد ولا تتقبل الإساءة والتجريح”. فكان الوعد بعدم تكرار الأمر هو رد شفيق أيضا، بالإضافة إلى مطالبة السفير بالحلول ضيفا على البرنامج في وقت قريب.
بعد فترة، أرسلت الخارجية السعودية إلى سفيرها في القاهرة، رسالة تذكره فيها بوعد أون تي في استضافة السفير. تقول الوثيقة إن وزارة الثقافة والإعلام تتطلع إلى إجراء اللقاء للتأكد من تجاوب القناة، بالإضافة إلى النظر في إمكانية استمالتها، أم أنها تنتهج سياسة معادية للملكة. وطلبت الوثيقة أيضا من السفير أن يتحرى عن المسؤول عن استضافة الفقيه، والدوافع التي جعلت القناة تقوم بهذا التصرف.
وتظهر الوثائق أن وزارة الثقافة والإعلام استعلمت عن أحد الكتاب الذين كتبوا عن المملكة، ففي وثيقة أرسلها السفير أسامة النقلي رئيس إدارة الشؤون الإعلامية فى السفارة، ردا على استفسار وزير الثقافة والإعلام السعودي، فأشاد النقلي بالكاتب صبري غنيم الذي كتب مقالا بعنوان “السعودية المفترى عليها”. ووصفته الوثيقة أيضا بأنه كان المقربين من النظام السابق، كما أصدر كتابا في 2004 يحتوي على نصائح للرئيس.
أما فيما يتعلق بمواقفه من المملكة أفادت السفارة بأن مواقفه إيجابية فيما يكتبه من مقالات عنها في الكثير من الصحف ومواقع الإنترنت، ومن بينها مقال “كيف تعامل السعوديون مع قضية الجيزاوي” يشيد فيها بالإعلام السعودي وموقفه الإيجابي من أزمة الجيزاوي، إضافة الى مقال “السعودية المفترى عليها” والذي أعرب فيه عن أسفه لما تتعرض له المملكة من هجمة في وسائل الإعلام المصرية بسبب قضية المساجين المصريين. من وثيقة مسربة للسفارة السعودية في القاهرة
في ضوء كلّ هذه الوثائق والتسريبات، هل حقًّا تُشرف المملكة على عصرٍ جديد مع الملك الجديد سلمان بن عبد العزيز؟ وهل ستتغير هذه السياسات التي تعرضها الوثائق؟ ربما نعم، وربما لا.. الوقت فقط هو الذي سيخبرنا.
للاطلاع على الوثائق اضغط هنا