فورين أفيرز- ترجمة وتحرير فتحي التريكي - الخليج الجديد-
في عصر تبدو فيه الأنظمة العربية تدور في رحى معركة مستمرة، فإن المملكة العربية السعودية ومصر، حجري الزاوية في مخيم العرب المعتدلين الموالين للولايات المتحدة، والثقل الموازي لإيران لا يقومان فقط بمجرد الحفاظ على تحالفهما القديم بل يشرعان في تعزيزه أيضا. بعد تراجع الولايات المتحدة عن دورها التاريخي المكثف في منطقة الشرق الأوسط، فإن مصر والمملكة العربية السعودية يجدان نفسيهما الآن ، للمرة الأولى منذ سنوات، بحاجة إلى تشكيل سياستيهما دون إشراك الولايات المتحدة. يجب عليهما الآن أن يقررا السبل المحتملة لمواجهة آثار الاتفاق النووي مع إيران، والأزمات الجارية في سوريا واليمن، والتهديد المتزايد من تنظيم «الدولة الإسلامية».
في الواقع، في بداية هذا العام، أعلنت القاهرة والرياض أنهما تسعيان إلى إنشاء قوة عسكرية عربية مشتركة، مع تعهد المملكة العربية السعودية بتقديم معظم التمويل ومصر توفر معظم المقاتلين. ثم في أغسطس/آب الماضي، تم التوقيع على إعلان القاهرة الذي يشمل مجموعة من مجالات التعاون حول التحديات الإقليمية المشتركة. خلال الشهرين الماضيين، عقد الجانبان عددا من المحادثات رفيعة المستوى، بما في ذلك اجتماعات وزراء خارجيتهم يوم 25 أكتوبر/تشرين الأول في القاهرة واجتماع الرئيس المصري «عبد الفتاح السيسي» وخادم الحرمين الشريفين الملك «سلمان» في 11 نوفمبر/ تشرين الثاني في الرياض، والذي تم خلاله الاتفاق على إنشاء مجلس للتنسيق من أجل تنفيذ إعلان القاهرة.
ومع ذلك، بقدر ما تحفز الاضطرابات الإقليمية الرياض والقاهرة للتعاون، فإن هذه الصراعات تقدم لهما أسبابا للاقتتال أيضا. أولا وقبل كل شيء على كيفية التعامل مع سوريا، واليمن، وكذلك حول كيفية التعامل مع جماعات الإسلام السياسي في المنطقة وعلى رأسها الإخوان المسلمين.
ملفات مشتركة
القاهرة والرياض لدينا أشياء كثيرة مشتركة. كلاهما يتهجم على التدخل الإيراني المتزايد في ما يعتبرونه «الشؤون الداخلية للدول العربية» وبخاصة الدعم الإيراني للجماعات الشيعية العربية مثل البحرين ولبنان وسوريا، واليمن. كما أن كليهما يحمل غضبا تجاه الولايات المتحدة الأمريكية بسبب انسحابها الواضح من المنطقة. ومع ذلك، فإن القاهرة ربما تعتبر أقل اعتمادا من المملكة العربية السعودية على الولايات المتحدة لأمنها الإقليمي، وعلى الرغم من قلقها تجاه إيران، فإنها لا تحمل نحوها مشاعر عدائية.
صعود «الدولة الإسلامية» بدوره قدم للبلدين عدوا مشتركا وأجبر البلدين على حد سواء إلى إعادة ترتيب أولوياتهما. عند نقطة ما، تتباعد اهتمامات كل من مصر والمملكة العربية السعودية: ففي حين لا يزال التهديد الرئيسي للأمن القومي للمملكة العربية السعودية يتمثل في إيران، فإن مصر ترى أن الفوضى في ليبيا وشبه جزيرة سيناء هي المصدر الأعظم للتهديد.
بالإضافة إلى ذلك، في الأشهر الأخيرة، يحتدم الجدل بين المملكة العربية السعودية ومصر على الموقف من القضية السورية. القاهرة، على ما يبدو، لا تعارض بشدة استمرار حكم الرئيس السوري «بشار الأسد» لأنها ترى أن الأسد أهون من الإسلاميين الذين بإمكانهم، حال صعدوا إلى السلطة في سوريا، أن يغذوا طموحات جماعات مماثلة في مصر. السعودية تريد إزالة «الأسد» بسبب تحالفه الوثيق مع إيران. لذا فإن الرياض تدعو إلى الإطاحة الفورية بـ«الأسد» كشرط مسبق لأي تسوية سياسية في سوريا. وفي الوقت نفسه، فقد قدمت مصر الحد الأدنى من الدعم لجماعات المعارضة المسلحة منذ بداية الحرب الأهلية. وأيدت عدة عناصر سورية غير عنيفة، مثل لجنة التنسيق الوطنية لقوى التغيير الديمقراطي، التي كانت مستعدة للحوار والمصالحة مع النظام. علنا، رغم ذلك، يؤكد الجانبان مصالحهما المشتركة في التوصل إلى حل للأزمة السورية من قبل الشعب السوري ويقللان من شأن الخلافات التي غالبا ما تظهر تحت البساط.
وتنقسم الرياض والقاهرة أيضا على التدخل الروسي في سوريا، والذي استهدف جماعات المعارضة. نددت المملكة العربية السعودية بهذه الخطوة معتبرة إياها محاولة من جانب موسكو للحفاظ على نظام الرئيس السوري «بشار الأسد». القاهرة، من ناحية أخرى، أعطى روسيا مباركتها، واصفة الخطوة بأنها جزء من الحرب ضد الإرهاب في سوريا. حذر «السيسي» دول الخليج في كلمة ألقاها في البحرين في 1 نوفمبر/تشرين الثاني من خطر الجماعات الإرهابية التي تحاول توسيع نفوذها وتهدد بتقويض النسيج الاجتماعي والعرقي للدول العربية.
الإسلام السياسي
المشاحنات على سوريا هي جزء من خلاف أكبر بين البلدين حول دور الإسلام السياسي وبالأخص جماعة الإخوان المسلمين. مصر لا تفرق بين الجماعات الجهادية في سيناء التي تتبع «الدولة الإسلامية» وبين جماعة الإخوان، التي تقول إنها ملتزمة خطة اللاعنف (على الرغم من وقوع اشتباكات بين الحين والآخر).
الرياض لديها مقاربة مختلفة نوعا ما. إنها قلقة من الإسلاميين المتطرفين، ولكن قلقها من إيران أكبر بكثير. المملكة العربية السعودية على استعداد لابتلاع الدواء المر المتمثل في جماعة الإخوان المسلمين من أجل أن تكون قادرة على تشكيل جبهة قوية معادية لإيران تضم أيضا تركيا وقطر، وهما رعاة الإخوان الأساسيين. وقد فر العديد من أعضاء جماعة الإخوان المسلمين إلى تركيا بعد الانقلاب على الرئيس المصري السابق «محمد مرسي» وشكلوا بؤرة هناك.
العلاقات الودية مع المجموعات الإسلامية تخدم أيضا أهداف الرياض في اليمن. حيث إنها تخوض بالأساس حربا بالوكالة ضد إيران. إنها تسعى لإسقاط المتمردين الحوثيين الشيعة المدعومين من إيران، والذين استولوا بالقوة على العاصمة اليمنية صنعاء في سبتمبر عام 2014. وفي محاولة لتعزيز نفوذها في البلد الذي مزقته الحرب، فإن السعودية تتقارب مع حزب الإصلاح الإسلامي التابع لجماعة الإخوان المسلمين، وهو ما يثير استياء مصر.
على عكس السعودية، فإن مصر لا تعير الكثير من الاهتمام للصراع في اليمن، ولا تنظر إليه بوصفه تهديدا لأمنها القومي. القاهرة منشغلة حاليا بشكل أكبر بقضاياها الداخلية مثل المتشددين الإسلاميين في شبه جزيرة سيناء. في يوليو/ تموز خلف اشتباك بين الجيش المصري وبين المجموعات المسلحة في سيناء أكثر من 117 قتيلا. وعلاوة على ذلك، هناك الكثيرون في مصر الذين يتذكرون صدمة التدخل الفاشل في اليمن من قبل الرئيس الأسبق «جمال عبد الناصر» عام 1963. وهي لا تريد أن تتعثر، مرة أخرى، في المستنقع اليمني. ونتيجة لذلك، فإن المشاركة العسكرية المصرية في التحالف الذي تقوده السعودية في اليمن رمزية إلى حد كبير وتقتصر أساسا على العمليات البحرية.
تجاوز الخلافات
ورغم كل شيء، فإن الفوائد التي تعود على مصر والمملكة العربية السعودية من تعزيز الشراكة بينهما لا تزال تفوق مضارها. مصر، التي لديها صعوبة في تحقيق التوازن في موازنتها الاقتصادية، بحاجة إلى استمرار الدعم من المملكة العربية السعودية، التي تكفلت جنبا إلى جنب مع الجيران الأغنياء (دولة الإمارات العربية المتحدة والكويت) بإعطاء أكثر من 20 مليار دولار للحكومة المصرية منذ انقلاب عام 2013. وقد حقق هذا الاستثمار بعض النتائج بالفعل مثل دعم مصر لعملياتها العسكرية في اليمن حتى وإن كان مجرد دعم سياسي. بالطبع، مصر ليست مستعدة للتنازل عن مصالحها لصالح الاهتمامات السعودية ولكن بدلا من ذلك يتم إنشاء آليات للتعاون والتنسيق في محاولة لاحتواء النزاعات ومنعها من الصعود إلى السطح.
ومن الأمثلة الحديثة لمحاولات البلدين إظهار جبهة موحدة واحتواء الخلافات، على الأقل في العلن، هي الزيارة الأخيرة التي قام بها وزير الخارجية السعودي «عادل الجبير» إلى القاهرة في أواخر أكتوبر/ تشرين الأول عام 2015. خلال الزيارة، أكد «الجبير» على «المواقف المنسجمة» لكل من مصر والمملكة العربية السعودية في سوريا واليمن، بينما أكد في ذات الوقت أنه «لم يتم التوصل إلى اتفاق حتى الآن» وأنه كانت هناك حاجة إلى المزيد من النقاش حول هذه القضايا.
الآن يتعين على الرياض والقاهرة محاولة رأب الانقسامات بينهما. أو بدلا من ذلك القبول بحقيقة أنهما لن يصلا إلى اتفاق كامل بشأن جميع القضايا وأن يسمحا بفسحة في الأمر وبالأخص في سوريا. دون المساعدات الاقتصادية السعودية، فإن النظام المصري سوف يستحيل عليه غالبا مواكبة الإصلاحات الاقتصادية وتوطيد أركان حكمه. المملكة العربية السعودية، من ناحية أخرى، لا يمكنها أن تخسر أقرب حلفائها في ضوء الاضطرابات الإقليمية الحالية. إذا لم يستطع البلدان تجاوز الخلافات، فإن ذلك سيكون مدمرا ليس فقط بالنسبة لهما ولكن أيضا للتوازنات الهشة للقوى في المنطقة.