مصطفى عبد السلام- الخليج الجديد-
أظن أن حالة التشنج والعصبية الشديدة التي شهدتها مصر عقب إعلان مبادرة السعودية الأخيرة الخاصة بدعم الاقتصاد المصري، هدأت بعض الشيء من الطرفين اللذين يتصدران المشهد السياسي حالياً.
طرف أول يتبع دوماً أسلوب المبالغة في كل شيء، ويؤكد أن المملكة ستضخ 8 مليارات دولار مرة واحدة في شرايين الاقتصاد المصري، وسترسل بأساطيل من السفن لا أول لها ولا آخر محملة بالمنتجات البترولية وفي مقدمتها البنزين والسولار والغاز، وستعيد أمجاد رسوم المرور وإيرادات قناة السويس.
وبذلك يكرر هذا الطرف السيناريو الذي سبق إطلاق التفريعة الجديدة لقناة السويس ومؤتمر شرم الشيخ حينما بشروا المصريين بأنهم سيأكلون الشهد وسيشربون العسل، وأن مئات المليارات من الدولارات ستتدفق على البلاد عقب إطلاق التفريعة وانتهاء المؤتمر، وأن كل مشاكل مصر الاقتصادية والمعيشية والحياتية سيتم حلها بمؤتمر سحري و«قناة جديدة».
وهدأت حالة التشنج أيضاً من طرف ثانٍ قد لا يتمنى أن تأتي مساعدات لمصر في ظل النظام القائم لأن هذا الدعم يعني استمرار قمعه للمعارضة وسجن المخالفين له في الرأي، ويود هذا الطرف ألا يضخ أحد دولاراً واحداً في شرايين الاقتصاد طالما هو ناقم على نظام الحكم وغاضب على أحوال البلد، ويرى أن الفساد يأكل الأخضر واليابس، وأن الشعب لم يستفد شيئاً من منح ومساعدات نقدية ونفطية تجاوزت قيمتها 50 مليار دولار ضختها دول الخليج منذ 3 يوليو 2013 وحتى وقت قريب.
وفى رأيي، فإن الطرفين يخطئان عندما يقرأان المشهد الاقتصادي بهذه العصبية الشديدة، ويفسر كل واحد مبادرة المملكة لدعم اقتصاد مصر على هواه ومزاجه الشخصي غير مستند لحقائق سياسية واقتصادية تقع على الأرض.
وبعيداً عن أسلوب هذا وذاك دعوني أطرح خمسة أسئلة نحاول من خلالها أن نرسم صورة واقعية لمبادرة السعودية الخاصة بدعم مصر، ونحاول رسم السيناريو المتوقع لهذه المبادرة التي تحدثنا سابقاً عن محاورها الثلاثة.
• السؤال الأول: لماذا لم تعلن المملكة في المبادرة الجديدة عن منح مصر مساعدات نقدية مباشرة «رز» على غرار ما تم منذ 3 يوليو 2013 وحتى قبل أشهر قليلة، أو حتى منح مصر وديعة أو قرضاً مسانداً بسعر فائدة يعادل الأسعار الممنوحة على القروض الدولية أو حتى قريب منها كما جرى في شهر أبريل الماضي حينما منحت السعودية مصر قرضاً بملياري دولار وبسعر فائدة 2.5% سنويا؟
• السؤال الثاني: لماذا اقتصرت مبادرة المملكة الجديدة على الاستثمارات المباشرة، أي المشروعات، والمنتجات البترولية كالبنزين والسولار والغاز؟
هل لهذا الاختيار علاقة بملف التسريبات الخاصة بالمساعدات الخليجية لمصر والتي قيل إن الشعب المصري لم يستفد منها شيئاً، أو على الأقل لم تتحسن أحواله المعيشية عقب وصولها؟ أم أن الاختيار السعودي له علاقة بالعجز المالي الذي يواجه موازنة المملكة والذي قد يتجاوز 100 مليار دولار عن العام الجاري 2015؟
• السؤال الثالث: هل تنفيذ الوعود السعودية الجديدة يخضع لحسم الملفات العالقة بين البلدين والمتعلقة بالحرب اليمنية والأزمة السورية والتقارب الأخير بين النظامين المصري والإيراني؟ أم لا توجد علاقة بين هذه الملفات السياسية وملف المساعدات الاقتصادية؟
• السؤال الرابع: هل يمكن أن تواصل السعودية مساعداتها الخارجية في الوقت الذي تتجه فيه لفرض ضرائب على مواطنيها ورفع أسعار بعض أنواع الوقود وترشيد الإنفاق العام وخصخصة جهات حكومية بهدف معالجة عجز الموازنة المتوقع في العام المقبل 2016 والمقدر بنحو 40 مليار دولار قابل للزيادة وتغطية العجز الضخم في موازنة العام 2015 والناجم عن فقدان أسعار النفط أكثر من 60% من قيمتها منذ منتصف العام 2014؟
• السؤال الخامس والأخير: ما هو حجم الاستثمارات السعودية الحالية في مصر حتى نحدد الزيادة المرتقب ضخها عبر المبادرة الجديدة؟ هل هي 25 مليار ريال سعودي أي حوالي 6.7 مليارات دولار كما تقول بعض الأرقام الرسمية، وبالتالي فإن ما سيتم ضخه كاستثمارات جديدة في شرايين الاقتصاد المصري هو 5 مليارات ريال أي 1.3 مليار دولار؟ في كل الأحوال لن يتم ضخ 30 مليار ريال كما ردد البعض، بل سيتم زيادة الاستثمارات القائمة إلى هذا المبلغ.
إذا استطعنا الإجابة عن الأسئلة الخمسة فإننا نكون بذلك قد حددنا مصير المبادرة السعودية المتعلقة بدعم الاقتصاد المصري، وهل ستخرج للنور أم ستضاف لوعود مؤتمر شرم الشيخ.
* مصطفى عبد السلام رئيس القسم الاقتصادي بـ«العربي الجديد».