وائل عبد الفتاح- السفير اللبنانية- الخليج الجديد-
هل تغيّر العالم العربي؟
سؤال..
نعم تغيّر، ولم يعد غريباً أن يقود الخليج، وبالتحديد السعودية، المنطقة عبر شبكات سياسية ومالية، مرة تحت عناوين الدعم العروبي حتى أصبحت «شقيقة كبرى» في حضور مصر، ومرات تحت مسميات إسلامية (آخرها الحلف الإسلامي العسكري) لتقود «السنية السلطوية» بعد غياب أباطرتها من زعماء دول وأحزاب التحرّر العلماني، الذين تحوّلوا في أيامهم الأخيرة إلى زعماء طائفيين.
السلطوي سيذهب غالباً إلى مصير التماهي مع «التركيبات القديمة» ليحافظ على خلوده، وكما العادة كان يسمي مزارع الخلود هذه «أوطاناً» ويضع عليها شعارات أكثر التهاباً من «وطن عربي..» أو «الإسلام وطناً» بينما تتغلظ أسوار مزرعته التي يعزل بها «الشعب» خلف هذه الأسوار نفسها.. ليصبحوا أسرى أو رهائن في «مستعمرات».
لكي نرى ما يجرّب الآن لا بد أن نعود قليلاً لنرى كيف أصبح صدام حسين زعيماً طائفياً بعدما تربى في حزب عروبي، وكيف ابتلعت الطائفية الحزب نفسه في سوريا، وهذا يفسّر السقوط المريع للدولتين (سوريا والعراق) باعتبارهما المزارع النموذجية لما يسقط كله الآن.
التغيير هنا أن الأقنعة تختفي تماماً لنبقى أمام حقيقتنا بلا ماكياج.. فالعالم الذي نعيش فيه «عالم خارج التاريخ» لكن تقوده قاطرات تربطه بالعالم وسيرورته، من خلال الحاجة إلى النفط، أو رغبة حكّام هذه البلاد في استهلاك سلع وإنجازات، وفي المقابل تحويل المجتمعات كلها إلى معارض استهلاكية.
هذه دول هشة، تسقط سريعاً إلا ما ارتبط فيها بما قبل التاريخ الحديث، ويمكن لأحد أو جماعة أن تسأل في السعودية: لماذا نتحوّل إلى الديموقراطية ما دمنا نعيش نجاحاً ورفاهة؟
لماذا نتغيّر ما دام التغيير كان لعنة على الجميع؟
وهناك بالفعل تيارات في السعودية ترى أنها تقدّم «موديل سياسي» ناجحاً وسعيداً، ويمثل «عروبة الديموقراطية» حيث أن كل من بادروا بموديلات ديموقراطية وعلمانية غربية، كانوا من المستعربة بينما العاربة موطنهم في السعودية.
... هذه خرافات فكرية وسياسية، لكنها تنتشر الآن في مرحلة يتصارع فيها أمراء التأسيس الثاني على مَن سينقل المملكة إلى مستوى «الإمبرياليات الإقليمية»، في ظل فراغ تستطيع فيه السعودية أن تعلن عن حلف من طرف واحد.
ـ 2 ـ
قبل أيام قليلة من 25 يناير/ كانون الثاني، مصر على حافة التردّد أمام دخول الحلف السعودي الغامض.
الحلف غامض برغم أن اسمه قديم: التحالف الإسلامي العسكري، أعلنته السعودية في منتصف ليلة زيارة ولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان للقاهرة.
في اليوم التالي أبدت الباكستان استغرابها، ولبنان عدم علمه، كما أبدى بوتين تعجبه وأثار المحللين الغربيين أسئلة بديهية: لماذا تحالف إسلامي والدولي ما زال فاعلاً؟
والأسئلة المحلية في مصر لم تقف عند حدود السؤال الرسمي: هل سيؤثر الحلف الإسلامي على القوة العربية المشتركة؟
ولا عند ما لم يسأل عنه: كيف تتحالف مصر مع تركيا وقطر ولو كان ضد «داعش»؟
حدود الأسئلة اتسعت مع البذخ السعودي المفاجئ (استثمارات بقيمة 30 مليار ريال... فجأة ومن دون إعلان مسبق ومصاحبة لزيارة الأمير الباحث عن عناصر قوة في «صراع غير معلن» في العائلة المالكة)...
لماذا البذخ؟ وقبل ذلك لماذا التحالف؟ هل هو استجابة لتصوّر أميركي أنه لن يهزم «داعش» سوى جيش من 100 ألف سني، من المقاتلين في المعارك البرية؟ أم أنه جزء ممّا يسمه تقرير من معهد كارينجي: «قرارات سياسية مقلقة جداً للخارج والداخل» الناتجة عن شروخ في الحكم السعودي؟
وهل سيعمل التحالف أصلاً؟ أم أنه مجرد حركة في «فراغ القوة»؟
ـ 3 ـ
..الحلف ليس جديداً.
الفكرة قديمة حاربها عبد الناصر في ظل رفض سياسة الأحلاف (بغداد والإسلامي) والتي كانت بالنسبة لنظام ثورة يوليو/ تموز لعبة من ألعاب ذيول الاستعمار..، وفي وقت أكثر ارتباكاً، وخلطاً للأوراق، فإن مصر دخلت الحلف بعدما ساهمت السعودية في كبح التغيير، بل والمساهمة في إعادة بناء سلطوية جديدة.
نجحت السعودية في مخطط الكبح، وترويج الاعتذار عن الثورة، مقابل الاستقرار الذي يبدو أنه لن يأتي إلا بجرعات إنقاذ، لأنه من الصعب بناء سلطوية جديدة، برغم حالة الهلع من التغيير التي فرضها الصراع العنيف بين الدولة القديمة (بقيادة الجيش) والإخوان المسلمين (وخلفهم طيف الحالمين بالخلافة)..
السعودية التي تعاني تريد قيادة لا شريك لها، بينما نقاط تأثيرها تتحرّك ببطء سلحفاة للهروب من انهيار عاجل، وهذا ما يرفع درجة الاحتقان والضعف، في مواجهة «داعش» صنو السعودية المنفلت.
كيف تحارب «داعش» بحلف ديني..؟ وكيف يمكن إبعاد التعدّد الديني والطائفي والمذهبي في العالم العربي وأنت في حرب مواجهة مع تنظيم يسعى إلى فاشية لون واحد..؟
هذه خزعبلات السلطوية العربية كلها (ورثة دول التحرّر وسلالات حكم ما قبل التاريخ) التي لن تنتصر على «داعش» بابعادها «الحياة كما يعيشها الناس» مقابل تنميط الحياة و تأبيدها في قطعان متشابهة..
كيف تحارب أو تقود السعودية حرباً ضد «داعش»، وهي تعاقب شاعراً بالإعدام شنقاً على بيت شعري أو تمنع كاتباً من السفر والكتابة لأنه طالب بإصلاحات تنقل الدولة إلى حالة «المملكة الدستورية»؟
... الحلف السعودي إعلان جديد عمّا يظل خافياً حتى لأصحابه.