هآرتس- ترجمة وتحرير فتحي التريكي - الخليج الجديد-
أصدرت وزارة الخارجية السعودية بيانا رسميا غير مسبوق هذا الأسبوع أعلنت خلاله أن ثلاثة صحفيين لا يمثلون وجهة نظر الحكومة السعودية وأنهم ليس لديهم أي اتصال مع أي جهة حكومية.
«جمال خاشقجي»، «نواف عبيد» و«أنور عشقي» هم ثلاثة من كتاب الأعمدة الأكثر شهرت في البلاد. كما أن مقالاتهم تنشر أيضا في الصحافة العربية الدولية. ولكن منذ عدة أشهر من الآن، فقد واصلوا إثارة غضب الحكومة ووسائل الإعلام التابعة للدولة في مصر من خلال تعليقاتهم ومقالاتهم الهجومية.
ذروة هذا الهجوم وقعت قبل أسبوعين، عندما نشر «خاشقجي» عمودا في صحيفة الحياة العربية الدولية تحت عنوان: «هل هناك ما هو أسوأ»، وقد هاجم المقال بالأساس المشاركة الروسية في سوريا. ولكن ما أثار غضب مصر هو تأكيده على أن «الحكومة المصرية متحمسة لهذه المشاركة» وأن «وسائل الإعلام المصرية لا تخفي ذلك .. ولكن المملكة العربية السعودية ينبغي ألا تسمح حليفتها لتبني مثل هذا الموقف الموالي لروسيا بشكل غير مسبوق».
ليست هذه هي المرة الأولى التي يتراشق فيها الصحفيون السعوديون والمصريون بالحجارة. في شهر مارس/أذار الماضي، بعد فترة قصيرة من تتويج خادم الحرمين الشريفين الملك «سلمان بن عبد العزيز»، كتب الصحفي المصري «إبراهيم عيسى» أن الرياض كانت تخطط لتغيير سياستها تجاه مصر وستدعم من الآن فصاعدا جماعة الإخوان المسلمين، والتي تعتبرها القاهرة منظمة إرهابية. رد «خاشقجي» بالتغريد على حسابه بالقول إنه «لو كان في مصر صحافة حرة فإن كلمات عيسى لم تكن لتكتب أبدا ولكن وسائل الإعلام في مصر هي ملك للحكومة»، في إشارة واضحة إلى أن الرئيس المصري «عبد الفتاح السيسي» كان يقف خلف انتقاد وسائل الإعلام المصرية للرياض.
وبعد ذلك بقليل، عندما بدأت المملكة العربية السعودية غاراتها الجوية في اليمن، فإن الإعلامي المصري «توفيق عكاشة» وصف العملية السعودية بأنها «عاصفة من الغبار لن تهزم الأعداء» وحذر من عواقب التدخل العسكري المصري في الصراع اليمني.
لم يتوقف السم عن هذا الحد. في أكتوبر/تشرين الأول، كتب الكاتب السعودي «عبد العزيز قاسم» أنه «لولا المساعدات السعودية التي تسمح لمصر بالتقاط الأنفاس فإن مصر كانت لتنهار. دول الخليج هي من تشتري الأسلحة والطائرات لمصر، بصرف النظر عن كل المنح والودائع بقيمة مليارات الدولارات التي تم إيداعها في البنوك المصرية».
وعندما أجرت مصر الانتخابات البرلمانية في نوفمبر/تشرين الأول، فإن المذيعة اللبنانية «نيكول تنوري» والتي تعمل لصالح شبكة العربية السعودية قد سخرت من ضعف الإقبال على الانتخابات وتهديد وزارة الداخلية المصرية بتوقيع غرامات على من لم يذهبوا إلى التصويت. وقد سخرت المذيعة بالقول إن «85 في المائة من قائمة الناخبين المصريين سوف تكون على قائمة الادعاء .. سوف تكون هذه أطول لائحة ادعاء في التاريخ».
وعلى الرغم من أن رد الفعل المصري الغاضب تم توجيهه صوب قناة العربية، فإن النقاد المصريين لم يكن لديهم أي شكوك حول أن المسؤولين السعوديين كانوا وراء موقف المحطة.
وقبل أيام قليلة، بعد أن أعلن الملك «سلمان» خطته لإقامة تحالف من الدول الإسلامية ضد الإرهاب، فقد هاجم الصحفي المصري «إبراهيم عيسى» الخطة من جديد عبر برنامجه التلفزيوني وتساءل بالقول: «هل من المنطقي للمدرسة الوهابية المتطرفة، التي يهيمن على المملكة العربية السعودية، والتي تتهم غيرها من المسلمين بأنهم زنادقة، أن تقود تحالف يضم هؤلاء الذين تتهم بالهرطقة»، معقبا بالقول إن «هذا التحالف سوف يدعم الإرهاب بدلا من مواجهته».
الآن، فإن الحكومة السعودية تحاول أن تضع حدا لهذه الاشتباكات. في المقابل، يتعين على الحكومة المصرية حتى الآن أن تفعل الشيء نفسه.
مواقف متباينة
على الرغم من الامتنان المصري للدعم الاقتصادي المتواصل من الرياض والذي بلغ أكثر من 15 مليار دولار منذ عام 2013، بالإضافة إلى تعهد الرياض باستثمار 8 مليارات أخرى على مدى السنوات الخمس المقبلة، إلا أن البلدين لم يكن لديهما أجندات متطابقة فيما يتعلق بالسياسة الخارجية.
أعلنت مصر دعمها للحرب السعودية في اليمن ولكنها لم ترسل جنودها للقتال إلى جانب المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة. الرياض لا تزال تصر على أن الرئيس السوري «بشار الأسد» يجب أن يرحل قبل تشكيل أي حكومة انتقالية في سوريا، في حين أن «السيسي» لا يزال يعتقد أنه لا يوجد حل ممكن للأزمة السورية بدون مشاركة «الأسد». قامت المملكة العربية السعودية بتدشين ائتلاف إسلامي ضد الإرهاب، والذي يبدو هدف الحقيقي مواجهة النفوذ الإيراني أكثر من محاربة «الدولة الإسلامية»، وبذلك فإنها قد أحبطت خطة مصر لإقامة تحالف عربي ضد الإرهاب من شأنه محاربة تنظيم «الدولة الإسلامية» في ليبيا وسيناء.
لكن قلب النزاع الحقيقي بين القاهرة والرياض يكمن في مواقفهما تجاه مشاركة روسيا في سوريا. القاهرة وموسكو تتطلعان إلى تطوير العلاقات الاقتصادية والاستراتيجية بينهما، مصر تشتري طائرات حربية من روسيا ويجري الحديث حول تولي روسيا بناء محطة نووية بالقرب من الإسكندرية.
وقد تم دفن خطط إنشاء المفاعل النووي في أدراج الحكومة المصرية منذ عقود، ويرجع ذلك بشكل رئيسي إلى نقص التمويل والقوى العاملة المهنية. وحتى الآن، يبدو أن المحادثات تسير بشكل جيد في هذا الصدد. ومع ذلك، فإنه كلما جلبت المحادثات مصر وروسيا أقرب إلى بعضهما البعض كلما ارتفع صوت صرير الأسنان في المملكة العربية السعودية.
وتعتبر روسيا أقرب حليف لإيران في الصراع السوري. وتخشى الرياض من أن أي حل دبلوماسي للأزمة السورية يتطلب موافقة روسيا فإنه سوف يأتي على حساب مصالحها.
ما هو مؤكد إلى الآن أنه لا القاهرة ولا الرياض تعارضان الخطة الدبلوماسية التي تم اعتمادها من قبل الأمم المتحدة هذا الشهر. وتدعو الخطة إلى إقامة حكومة انتقالية في سوريا في غضون ستة أشهر، والتي ستشرف على كتابة دستور جديد ومن ثم إجراء انتخابات. لكن المملكة العربية السعودية تخشى ما سيحدث بعد تشكيل الحكومة الانتقالية. ولذلك فإنها تحتاج إلى تحالف عربي خاص بها لمواجهة محور موسكو وطهران ويفترض أن تكون مصر عضوا قياديا في هذا التحالف. السعوديون مستعدون تماما لضخ ما يكفي من الأموال لبناء هذا التحالف، ولكن التحالف المصري الروسي الناشئ قد يعرقل هذه الخطط.
ضغوط متزايدة
وفي الوقت نفسه فإن حكومة «السيسي» تستعد للاختبار المحلي المقبل في 25 يناير/كانون الثاني، في الذكرى السنوية الخامسة للثورة المصرية. خلال الأسبوعين الماضيين، نظمت مختلف الجماعات المصرية مظاهرات في القاهرة ومدن أخرى، مرددين شعارات على شاكلة «ما تعبناش والحرية مش ببلاش» و«الشعب يريد إسقاط النظام»، بينما تتم الدعوة الآن لمظاهرات حاشدة في ميدان التحري بالقاهرة تحت شعار «ثورة ثانية».
«أنتم لا تحتاجون إلى ثورة .. إذا كان الشعب كله يريد مني الرحيل فسوف أرحل حتى من دون مظاهرات» هكذا قال «السيسي» في تصريح له هذا الأسبوع معقبا: «ولكني لن أسمح أن يتم تدمير مصر».
الحرب على الإرهاب، والمظاهرات ليست المخاوف الوحيدة لدى الحكومة في مصر. في الأسبوع الماضي، حاول ألف من مشجعي فريق النادي الأهلي المصري لكرة القدم اقتحام الفندق الذي يقيم فيه اللاعبين، ما تسبب في تأخر موعد بداية المباراة لساعتين. وقد فعلوا ذلك احتجاجا على الأمر بمنع الجماهير من حضور مباريات كرة القدم، والذي صدر عقب أحداث الشغب الدامية في ملعب بورسعيد عام 2012.
في إطار معاناتها بين متطلبات السياسة الخارجية التي تمليها المملكة العربية السعودية، ومشاكل الموازنة الخطيرة التي استنزفت الاحتياطي النقدي والحرب على الإرهاب وتزايد الانتقادات الداخلية، فإن الحكومة المصرية لا تزال أبعد ما يكون عن الاستقرار. وأكثر ما يثير القلق هو أن مقياس الضغط على الحكومة المصرية يظهر مرة أخرى ذات القراءات التي أظهرها في نهاية عهد الرئيس المخلوع «حسني مبارك».