السيد عبد العليم- الوطن العمانية-
” تتسم العلاقة بين البلدين على مدار سنوات طويلة بالتفاهم المشترك وحسن الجوار وعدم التدخل في الشئون الداخلية لأي منهما في الأخر وعلى الاحترام المتبادل، حتى أنه في أوج التوتر في العلاقة بين ايران واميركا لم تهدد إيران بإغلاق مضيق هرمز الذي تشرف عليه السلطنة. مما يدل على التفاهم التام بين البلدين.”
إيران قوة اقليمية تسعى الى اعادة صياغة علاقاتها بالعالم الخارجي بعد انهاء العزلة التي فرضت عليها لعقود بسبب برنامجها النووي الذي تم التوصل الى اتفاق بشأنه مع القوى العالمية الكبرى بشكل جعل ايران تعيد علاقاتها الطبيعية مع اغلب بلدان العالم. وللسلطنة جوارها البحري وعلاقاتها التاريخية الممتدة لقرون مع ايران فضلا عن المصالح الاقتصادية والتجارية التي تجمع البلدين.
وكدأب الدبلوماسية العمانية في انتهاج سياسة حسن الجوار وتغليب لغة المصالح المشتركة واتباع سياسة الوئام والتوافق بدلا من الخصام والتصارع مع كل بلدان العالم بداية من جيرانها من البلدان العربية ومحيطها الإقليمي، كان هذا النهج هو الذي يسم العلاقات السياسية بين السلطنة وايران. فلم تأبه السلطنة، خاصة فيما بعد الثورة الايرانية عام 1979، الى محاولات القوى الغربية اثارة الفتنة والفرقة والخلاف والتنازع مع ايران تحت دعاوى مثل تصدير الثورة والتشيع وغير ذلك من الدعاوى التي تهاوت مع مرور الزمن ولم تكن سوى شعارات رنانة لا تلامس الواقع.
وإدراكا لذلك، تأتي زيارة معالي يوسف بن علوي بن عبد الله الوزير المسئول عن الشئون الخارجية للعاصمة الايرانية طهران ولقائه الرئيس حسن روحاني وكبار المسئولين تتويجا للعلاقات المتينة المتجذرة بين البلدين. والتي تمتد لقرون نظرا للتقارب الجغرافي حيث لا يفصل بين البلدين سوى مياه الخليج العربي ويتقاربا كثيرا عند مضيق هرمز احد اهم المعابر البحرية في العالم.
وتتسم العلاقة بين البلدين على مدار سنوات طويلة بالتفاهم المشترك وحسن الجوار وعدم التدخل في الشئون الداخلية لاي منهما في الاخر وعلى الاحترام المتبادل، حتى انه في اوج التوتر في العلاقة بين ايران واميركا لم تهدد ايران باغلاق مضيق هرمز الذي تشرف عليه السلطنة. مما يدل على التفاهم التام بين البلدين. فضلا عن الدور العماني في تقريب وجهات النظر بين ايران والقوى الكبرى ومساهامتها الكبيرة في التوصل للاتفاق النووي مؤخرا. الامر الذي يحظى بتقدير كبير من الجانب الايراني.
وتأتي زيارة الوزير المسؤول عن الشؤون الخارجية لطهران لتتويج وتعزيز هذا التفاهم والاستفادة المتبادلة لتحقيق مصالح شعبي البلدين الصديقين. فقد وصف الرئيس روحاني العلاقات بين السلطنة وطهران بالممتازة واعتبرها نموذجا يمكن أن يحتذى لسائر العلاقات بين دول المنطقة، مرحبا بتوسيع العلاقات الاقتصادية والتجارية والاستثمارية بين البلدين. وثمن الرئيس روحاني خلال لقائه ابن علوي دور السلطنة في تعزيز مسيرة السلام والاستقرار في المنطقة مشيرا إلى أن فرص التعاون بين السلطنة وإيران قطعت شوطا كبيرا. ومن جانبه رحب ابن علوي بالفرص المتاحة في المرحلة الجديدة لتوسيع التعاون التجاري والاقتصادي والاستثماري بين البلدين معتبرا أن تعاون البلدين في هذه المجالات مستمر لصالح الشعبين في السلطنة وإيران وأيضا لصالح جميع دول وشعوب المنطقة.
وكان للجانب الاقتصادي حضور كبير في الزيارة، حيث أعلن معالي الوزير المسؤول عن الشؤون الخارجية أن دراسة أنبوب تصدير الغاز الإيراني إلى السلطنة ستتم خلال الأشهر الستة القادمة. وأوضح أن الهدف من المشروع هو توجيه الغاز الإيراني عبر السلطنة إلى الأسواق العالمية. معربا عن ارتياحه لترحيب المسؤولين الإيرانيين بالمشاريع التي اقترحتها السلطنة. مؤكدا تفعيل برامج التعاون التجاري والاقتصادي المشترك بين البلدين على المدى القريب. وأكد بن علوي استعداد السلطنة للاستثمار في إيران. وأشار إلى تأسيس ممر عمان – إيران – تركمانستان وكازاخستان وصرح: إنجاز هذا الممر بحاجة لبعض التعديلات الفنية، ويتعين إجراء مباحثات بين الدول الأعضاء حول الترانزيت والجمارك. ومن جانبه اعلن وزیر النفط الإیراني بيجن زنكنة: إن إيران وعمان ترغبان في تطوير العلاقات والاستثمار المشترك في البلدين، ويبذلان جهودهما لاتخاذ الإجراءات وتوفير البنى الأساسية اللازمة لتطوير هذه العلاقات. كما تم بحث الاستثمار المشترك في قطاع تكرير وتخزين النفط وتنمية الصناعات والمنتجات البتروكيمياوية. كما بحث المسئولون من البلدين تسهيل النقل البحري وتقليص فترة توقف السفن في الموانئ العمانية والايرانية. كما تم مناقشة التعاون في مجال الملاحة الجویة والتجارة وتسهیل منح التأشیرات التجاریة وتوفیر الظروف للاستثمار بین السلطنة وإيران، وكذلك الاستثمارات المشتركة مع الأطراف الخارجیة.
وكدلالة رمزية على عمق العلاقات بين البلدين، وصلت في مطلع الشهر الجاري أول سفينة عمانية لنقل الركاب الى ميناء الشهيد كلانتري في مدينة جابهار جنوب شرق ايران مع تدشين خط ملاحي بين الدولتين. بما يسهم في تسهيل نقل الركاب بين البلدين وكذلك تنشيط الحركة السياحية والتجارية مما يمهد لازدهار وتنمية المنطقة. وفي الثامن من الشهر الجاري، وتلبية لالتماس الحكومتين الإيرانية والأميركية بالمساعدة في نقل شحنة من الماء الثقيل الى خارج ايران لضمان سريان الاتفاق النووي الذي تم التوقيع عليه بين الجمهورية الاسلامية الايرانية ومجموعة( 5+1 ) في موعده المحدد، قامت الجهات المعنية في السلطنة وبالتنسيق مع الجانبين الإيراني والأميركي باجراء كافة الترتيبات اللازمة لإخراج الشحنة من ايران تنفيذا لما نص عليه الاتفاق النووي بأن لايتجاوز مخزون ايران من الماء الثقيل عن 130 طناً وعليها التصرف في ما يفوق هذه الكمية خلال الـ 15 سنة المقبلة بعرضها للبيع في السوق الدولية.
وفي الوقت الذي تتمتع فيه السلطنة بعلاقات ممتازة مع جوارها ومحيطها العربي، فان تعزيز تلك العلاقات مع ايران لا يخصم باي حال من الأحوال من علاقاتها مع اخوانها العرب وليست على حساب أي احد في المنطقة. بل ان التعاون بين مسقط وطهران كما اكد ابن علوي، يفتح افاقا جديدة لتعزيز امن واستقرار المنطقة. وهو ما اكده الجانب الايراني ايضا على لسان محمد جواد ظريف وزير الخارجية الذي أشاد بمواقف جلالة السلطان المعظم وحكومة السلطنة والدور الإیجابي والفاعل جداً في تسویة أزمة الملف النووي الإيراني مع المجموعة السداسية الدولية. وأكد أن الحكومة والشعب الإيراني مسرورون من حكومة وشعب السلطنة لحضورهم ومشاركتهم الفاعلة في العلاقات الثنائية والاقليمية والمشتركة متعددة الأطراف، وأكد وزير الخارجية الإيراني على أن زیارة ابن علوي إلى طهران مؤشر علی الأهمیة التي یولیها البلدان لدعم العلاقات الثنائیة. كما بحث الجانبان القضايا الاقليمية ذات الاهتمام المشترك مثل الأزمة السورية ومحاولة التوصل الى مخرج لتلك القضايا.
واجمالا، فان سياسة مد اليد والتفاهم والتوافق والعمل على حل اي خلاف بالطرق السلمية التي تنتهجها السلطنة، تعمل على استقرار المنطقة وتخدم بلدانها. لانه بدون تفاهم بين الدول المؤثرة في المنطقة، لن يتم حل الحروب والمشاكل التي تعج بها. وذلك لان اغلب حروب ومشاكل المنطقة كما هو الحال بالنسبة للوضع في سوريا واليمن والعراق وحتى ليبيا، يؤججها تدخل اطراف عربية واقليمية ودولية بدلا من العمل على اخمادها. ولابد لحل تلك الأزمات من تغليب لغة الحوار والتفاهم والحل السياسي بدلا من محاولات الحل العسكري الفاشلة. وبالطبع لن يتحقق الحل السياسي السلمي الا بتوافق ليس الاطراف الداخلية فقط، بل بحوار وتوافق بين الاطراف العربية والاقليمية والدولية المنخرطة في الصراع. ويمكن للدبلوماسية العمانية المقبولة من كل الاطراف ان يكون لها دورها في فتح قنوات التواصل وتسهيل التفاهم بين تلك الاطراف ـ بما فيها أطراف من المنطقة مع إيران ـ بما يمكن ان يؤدي في النهاية الى توافق واتفاق يوقف نزيف الدماء الذي يذكيه الاشقاء المتقاتلين بايديهم وبأيدي غيرهم في بلدان المنطقة.