ليبرتي - رحيم كرمون- ترجمة: محمد بدوي- شؤون خليجية-
منذ توقيع الاتفاق الذي تم التوصل إليه بين المجتمع الدولي والنظام الإيراني، حول برنامجها النووي ورفع العقوبات الدولية من عليها، شعرت المملكة العربية السعودية بتفاقم خطر نظام الملالي، الذين لا يترددون في الإعلان عن تكثيف أنشطتهم في المنطقة العربية بشكل عام، وفي داخل المملكة على وجه الخصوص.
وقد وجدت المملكة نفسها تقف وحيدة في مواجهة التغول الإيراني، بعدما فقدت كثيرًا من الدعم السياسي النشط من جانب إدارة أوباما، الذي يبدو أنه يلعب على وتر القلق السعودي لانتزاع أقصى قدر ممكن من أموال النفط لصالح المجمع الصناعي العسكري بالولايات المتحدة، والذي يمتلك تأثيرًا قويًا على السياسة الأمريكية، إضافة لحسابات استراتيجية أخرى من البيت الأبيض.
وهناك تحديات أخرى تواجه السعودية، من بينها الخلافات التي تحيط بعلاقاتها مع جيرانها الخليجيين، وما فعلته المملكة في مبادرتها لإنشاء التحالف الإسلامي لمكافحة الإرهاب، هو في الواقع نوع من إنشاء جبهة سنية ضد التهديد الشيعي، ولكن يبدو أن البلدان التي يمكن أن تشارك في هذه المبادرة لن تستطيع تقديم المساعدة اللازمة في وقت الأزمة، نظرًا لأن الخطر الأكبر يمكن أن يأتي ببساطة من داخل المملكة، حيث ينظر البعض إلى إعدام الزعيم الشيعي نمر النمر، باعتباره علامة على أن السلطات السعودية لم تعد قادرة على إيجاد حلول مناسبة للأزمات المحيطة بها، فلجأت إلى الحلول الأخيرة حتى وإن كان تكلفتها كبيرة، فضلًا عن البطء الذي تسير به المملكة في طريق الإصلاحات الأساسية اللازمة للقضاء على مشاكل الفوارق الاجتماعية، والتهميش السياسي، التي يعاني منها المجتمع السعودي، إضافة إلى مشاكل الإهمال والفساد التي تعتبر من نقاط ضعف نظام الحكم الملكي في السعودية.
العلاقة (الأمريكية - السعودية).. شراكة أم حماية؟
في الرابع عشر من فبراير 1945، وقع الرئيس الأمريكي فرانكلين روزفلت، ومؤسس المملكة العربية السعودية عبد العزيز بن سعود، اتفاقية على المدمرة الأمريكية "يو إس إس كوينسي" في البحيرات المرة بقناة السويس، والتي وضعت أسسًا واضحة للعلاقات بين البلدين، وأعطت الولايات المتحدة امتياز الحصول على النفط السعودي وتأمين إمدادات الطاقة للاقتصاد الأمريكي، في مقابل تقديم الحماية العسكرية والدعم السياسي للنظام السعودي.
وعلى هذا الأساس حدث الترابط بين البلدين، كل منهما يحتاج إلى الآخر؛ ورغم ذلك، فإن هذا الترابط يحتوي على ثغرات تتسبب في استياء السعودية، وتؤثر سلبًا على المبادئ السياسية الخاصة بها المتعلقة بمكانتها الخاصة بين دول العالم الإسلامي، مثل الصراع (العربي - الإسرائيلي)، الذي ابتليت به منطقة الشرق الأوسط منذ أكثر من نصف قرن، والذي يعتبر مصدر كل الاضطرابات التي تعيشها المنطقة، منذ تأسيس وطن قومي لليهود في فلسطين بدعم كامل ودائم من قبل الأمريكيين، الذين يغضون الطرف عن كل الجرائم الإسرائيلية بحق الفلسطينيين. وبالتالي فإن غموض السياسة الخارجية للمملكة في هذه القضية وغيرها، جعلها تفقد مصداقيتها في مجالها الحيوي بين العالم الإسلامي، ووضعت نفسها تحت ضغط الأمريكيين، ونقطة ارتكاز لجميع المناورات السياسية للولايات المتحدة في المنطقة العربية.
في يناير عام 2015، وصل الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود إلى عرش المملكة، وفي إبريل من ذلك العام أعلن تغييرًا شبه كامل في المناصب العليا داخل السعودية، حيث أبعد كل المعينين من قبل سلفه الراحل، وأسند المناصب الرئيسية بالسلطة إلى أقاربه، وفي مقدمتهم نجله محمد بن سلمان وزير الدفاع وولي ولي العهد.
الملك الجديد للمملكة يدرك تمامًا أن إيران هي العدو رقم واحد، وأنها تعمل كل ما بوسعها لزعزعة استقرار السعودية، وإغراقها في الحروب والصراعات، ولكنها لن تجرؤ على الدخول في حرب مفتوحة ومباشرة معها، لمعرفتها أن المملكة تحت الحماية الأمريكية، ولكنها تعتمد على أسلوب الضربات السريعة والمناورات وزعزعة الاستقرار داخل المملكة، وهو ما يفسر سبب التغييرات في السياسة الداخلية للمملكة بعد صعود الملك سلمان، كإجراءات احترازية، وتحسبًا لأي تحركات هنا أو هناك.
التغييرات الأمنية للملك الجديد ليست محل إجماع داخل النخبة السعودية، بعد إصدار لوائح جديدة تقيد الأنشطة السياسية والاجتماعية، وتزايد حركة الاعتقالات. كما حدث في سبتمبر الماضي، حين اعتقلت قوات الأمن 1500 سعودي و300 أجنبي للاشتباه في صلتهم بتنظيم داعش.
الدوافع السياسية للنظام الإيراني في المنطقة
تنطلق الرؤية السياسية لرجال الدين الإيرانيين من منطلق ثوري وديني وسياسي في وقت واحد، وتعتمد في سياستها الخارجية على مبدأ "تصدير الثورة الإيرانية"، ونصت المادة (124) من دستور الجمهورية الإيرانية صراحة على أن "تصدير الثورة مسؤولية ثابتة للجمهورية الإسلامية".
وقال المرشد الإيراني علي خامنئي بعد فترة وجيزة من توقيع الاتفاق على النووي الإيراني، إن هذا الاتفاق لن يغير من السياسة الخارجية الإيرانية ولن تلجأ إلى الحلول الوسط حول هذا الثابت "تصدير الثورة".
بالنسبة للإيرانيين، فإنهم ينظرون بقلق إلى المملكة العربية السعودية بعد ثورة 1979، بسبب دعمها النظام العراقي في عهد صدام حسين خلال الحرب بين إيران والعراق ماليًا وعسكريًا. وسعت المملكة إلى استمرار عزل النظام الإيراني عن المجتمع الدولي لفترات طويلة.
ولذلك شعرت الرياض بالقلق بعد التوقيع على الاتفاق بين إيران والمجتمع الدولي، الذي يتضمن اعترافًا ببرنامجها النووي ورفع بعض العقوبات عنها، وهو ما يسمح بالتأكيد للنظام الإيراني بالحصول على موارد مالية أكثر تساعد في تحقيق أهدافها في الدول العربية، وخاصة الخليجية، التي تحتل مكانًا مركزيًا وبارزًا في فكرة تصدير الثورة الإيرانية.
وتعتمد إيران على المناورة في التدخل بالشؤون الداخلية للدول المجاورة، حيث تمارس بالفعل التوسع الأيديولوجي بالاعتماد على المكون الشيعي في دول الشرق الأوسط، وتمويل العوامل التي تعمل على إزعاج وزعزعة الاستقرار المؤسسي بهذه البلدان، والتي قد تسبب شروخًا لا علاج لها بين المجتمعات التي كانت تشهد تعايشًا بين مكوناتها المختلف، مثل العراق وسوريا واليمن ولبنان.
قضايا خلافية بين السعودية وإيران
تسعى المملكة قبل كل شيء لضمان سلامتها والمساهمة في استقرار المنطقة، مع الحفاظ على علاقتها الخاصة مع الأمريكيين، وتقوم سياستها الخارجية على هذا المبدأ، ولكن وجهة نظر النظام الإيراني تهدد أسس وأهداف الهياكل السياسية والاقتصادية للمملكة، بل تذهب إلى ما هو أكثر من ذلك، حيث تهدد بقاء المملكة ذاتها.
الموضوعات الخلافية بين النظامين متعددة، فالنظام الإيراني صاحب فكر شيعي في عقيدته الدينية، ويعمل على إحياء وتجديد صراعات تاريخية مع السعودية. وتسببت سياساته الخارجية التي تعتمد على سياسة تصدير الثورة الإيرانية، في ضرب مساحات التعايش في البلدان المجاورة، وكان لها تأثير سلبي على استقرار المملكة عبر تشجيع الاحتجاجات الشيعية في المنطقة الشرقية.
وقد تسببت هذه الأنشطة الإيرانية في منطقة الشرق الأوسط، في دفع السعودية باستمرار إلى الرد على السياسات الإيرانية، ومحاربة الطوائف الموالية لطهران، ناهيك عن وصول هذه الخلافات إلى أسواق النفط، واتهام إيران للسعودية بإغراق سوق النفط العالمية، وبالوقوف وراء انخفاض الأسعار بهدف انهيار الاقتصاد الإيراني.
ولكن هذا الاتهام غير دقيق، حيث يفسر الخبراء هبوط الأسعار بسبب انخفاض الطلب وعوامل اقتصادية بحتة متعلقة بركود الاقتصاد العالمي، ما يعني أن الاتهامات الإيرانية لا أساس لها، وأنها تأتي كاتهامات استفزازية لها أهداف دعائية تخدم سياساتها الخارجية.