فرانس 24- ترجمة: محمد بدوي- شؤون خليجية-
جاء لقاء الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند، مع ولي العهد السعودي محمد بن نايف، في قصر الإليزيه بباريس يوم الجمعة الماضي، لطمأنة الشريك السعودي بعد التغييرات التي حدثت في الدبلوماسية الفرنسية، وانفتاحها الأخير تجاه إيران.
رسميًا، كان من المتوقع مناقشة الوضع الإقليمي، والذي يشمل الحروب المشتعلة في اليمن وسوريا، والتي يلعب السعوديون دورًا رئيسيًا فيها، لكن الحديث الأكبر للرئيس الفرنسي اتجه لبث الطمأنينة لدى قادة العائلة المالكة السعودية، التي نظرت بعين القلق تجاه الترحيب الملحوظ بزيارة الرئيس الإيراني حسن روحاني لباريس، نهاية يناير الماضي.
وجاءت تلك الزيارة النادرة للرئيس الإيراني لباريس عقب تجدد العلاقات بين العواصم الغربية وطهران، كنتيجة طبيعية للتوقيع على الاتفاق النووي في يوليو 2015.
ذوبان الجليد بين فرنسا وإيران ألقى ظلالًا من الشك حول متانة العلاقات الدبلوماسية والعسكرية والاقتصادية بين باريس والرياض، لأول مرة منذ وصول فرانسوا هولاند إلى السلطة في مايو 2012. في ذلك الوقت، كان هولاند قد قرر الرهان على الشراكة الفرنسية السعودية، بعد شبه قطيعة مع سياسة سلفه نيكولا ساركوزي، الذي كان منفتحًا جدًا على قطر. وفي خطوة لها رمزيتها، كانت السعودية هي وجهة أول زيارة لهولاند إلى المنطقة بعد وصوله إلى كرسي الرئاسة الفرنسية.
مصالحة على خلفية عقود مربحة
وبعد تراجع الولايات المتحدة الحليف التاريخي للسعودية عن الملفات التي تقلق الرياض، وخاصة من بعد قضية الأسلحة الكيميائية السورية في أغسطس عام 2013، إلى جانب توجه إدارة أوباما نحو طهران في المفاوضات التي جرت حول البرنامج النووي الإيراني، وجدت الرياض نفسها أقرب إلى فرنسا، التي كانت على استعداد لضرب نظام بشار الأسد، حليف إيران الشيعية.
ثم ترجم هذا التحالف إلى عقود تجارية بالمعنى الحرفي، حيث ضاعفت فرنسا من عمليات إبرام العقود مع المملكة العربية السعودية، التي أصبحت "الزبون الأول لفرنسا في منطقة الشرق الاوسط"، على حد تعبير الرئيس الفرنسي.
في عام 2013، تجاوز حجم التبادل التجاري بين البلدين 8 مليارات يورو. وفي نوفمبر عام 2014، وقعت الرياض عقدًا لتسليم شحنات أسلحة فرنسية إلى لبنان بقيمة 3 مليارات دولار، قبل أن تعدله الرياض الشهر الماضي.
ومن نتائج هذا التحالف أيضًا، وقعت الرياض عقدًا سخيًا في فبراير 2015، لصالح نظام السيسي في مصر، والذي مولته الرياض ببذخ من أموال النفط، وشمل العقد توريد 24 مقاتلة من طراز رافال وفرقاطة ميسترال، بقيمة تتجاوز خمسة مليارات يورو. وفي شهر أكتوبر من نفس العام، تم التوقيع على سلسلة من الاتفاقيات والعقود تجاوزت عشرة مليارات يورو، خلال زيارة رئيس الوزراء الفرنسي مانويل فالس إلى الرياض.
في المقابل، ولا ندري عن توافق أم لا، فإن الحكومة الفرنسية لم تخيب أمل السعودية في العديد من القضايا. فعلى المسار السوري، تظهر فرنسا نفس المواقف التي تتبناها الرياض وعلى رأسها المطالبة برحيل بشار الأسد. وبالمثل، في الملف النووي الإيراني، تبنت باريس، قبل التوقيع على الاتفاق، أكثر المواقف المتصلبة تجاه طهران. وكذلك في اليمن، كانت الرياض التي تقود التحالف العربي ضد التمرد الحوثي معتمدة على الدعم الفرنسي طوال الوقت.
انتقادات كثيرة
في يناير عام 2015، وبعد وصول الملك سلمان إلى عرش المملكة بعد شقيقه الراحل عبد الله لم يتغير الوضع، على العكس من ذلك. ففي مايو، فرشت ممالك الخليج النفطية البساط الأحمر للرئيس الفرنسي هولاند، كضيف شرف لقمة مجلس التعاون الخليجي، الذي يضم كلًا من السعودية والبحرين والإمارات وعمان والكويت وقطر، وذلك للمرة الأولى من نوعها لرئيس دولة غربية.
ومنذ ذلك الحين لم تتوقف انتقادات المعلقين حول هذه العلاقة الخاصة بين فرنسا، التي تدعي أنها ترفع راية حقوق الإنسان في العالم، وبين المملكة السعودية التي توجه لها انتقادات كثيرة على تمويلها حركات سلفية مسلحة في دول عدة.
ولكن في مواجهة الأزمات الاقتصادية، تقدم الحكومة الفرنسية الاعتبارات الجيواستراتيجية والمصالح الاقتصادية على القيم والمبادئ التي ترفع رايتها.
وبعد هجمات في باريس، ازدادت حدة تلك الانتقادات، فبينما تعلن فرنسا الحرب على الإرهاب، ترتفع الأصوات مرة أخرى للتنديد بالروابط التي تجمع بين فرنسا والسعودية وقطر. وعلى سبيل المثال كتبت صحيفة ليزيكو الفرنسية: إن "باريس تفقد مصداقيتها من خلال علاقاتها مع المملكة العربية السعودية".
ورد مانويل فالس على تلك الانتقادات قائلًا إنه ليس لديه "شك في التزام الرياض والدوحة في الحرب ضد تنظيم الدولة الإسلامية". وبعد أحداث 13 نوفمبر، وباسم الحرب ضد الإرهاب، تحركت فرنسا تجاه إيران وروسيا، حلفاء نظام الأسد في دمشق.
وفي أواخر عام 2015، زار وفد تجاري فرنسي إيران يمثل أكثر من 150 شركة فرنسية برئاسة وزيرين، وتم خلال الزيارة توقيع عدد من الاتفاقيات بين البلدين.
وفي نهاية يناير الماضي، وقعت إيران وفرنسا 20 وثيقة للتعاون بينهما، بحضور الرئيسين حسن روحاني وفرنسوا هولاند، كبداية للتحرك في العلاقات السياسية والاقتصادية والثقافية بين طهران وباريس، خلال مرحلة ما بعد الاتفاق النووي.
لذلك يرى البعض أن تعليق الرياض لعقد بيع السلاح الفرنسي إلى لبنان، هو نوع من التحذير السعودي لإعادة التوازن إلى الدبلوماسية الفرنسية. وذلك على الرغم من أن الرياض أعلنت رسيمًا أنها قد اتخذت هذا الإجراء احتجاجًا على المواقف "العدائية" من لبنان تجاهها، مشيرة بذلك إلى ممارسات حزب الله اللبناني الموالي لإيران.