شارل جبور- الشرق الاوسط-
من الواضح أن المملكة العربية السعودية اتخذت قراًرا من طبيعة استراتيجية بمواجهة الأذرع الإيرانية في المنطقة في رسالة مباشرة إلى طهران بأن دورها الإقليمي داخل الدول العربية عبر التنظيمات والميليشيات المسلحة والممولة والمدعومة من قبلها غير مرغوب فيه إطلاًقا٬ وأنها لن تسمح من الآن فصاعًدا باستمراره.
لقد قررت الرياض حسم هذا الملف بنفسها كي لا يكون بنًدا في أي مفاوضات مرتقبة على قاعدة أن لا مساومة أو تسوية على الأذرع الإيرانية في المنطقة٬ وكي لا تتركه ورقة بيد طهران للمقايضة في رسالة واضحة بأنه لا حواَر مجدًيا قبل إنهاء الأذرع الإيرانية.
ويخطئ من يتعامل مع الموقف السعودي في السياق التكتيكي واللحظة المتفجرة٬ أو يعتبر أن المملكة ستتراجع عنه٬ لأن أي تقدير خاطئ من هذا النوع سيجعل كلفة المواجهة أكبر على طهران وأذرعها٬ وستثبت الأيام أن القرار السعودي ثابت ونهائي٬ ويتجه إلى مزيد من الإصرار٬ لا العكس.
وهذا القرار لم يكن وليد اللحظة٬ بل جاء نتيجة تجاوز طهران لكل الضوابط والخطوط الحمراء من سيطرة ميليشياتها على الواقع العراقي٬ إلى تدخل «حزب الله» في سوريا٬ وصولاً إلى محاولة الحوثيين السيطرة على اليمن٬ ومن دون التقليل من المواقف التحريضية وغير المسبوقة ضد المملكة٬ فضلاً عن الخلايا الأمنية التي تم اكتشافها في بعض العواصم الخليجية٬ وبالتالي لم تترك طهران فرصة للحوار أو مساحة للتوافق٬ بل اعتقدت أن بإمكانها تغيير المعادلات والتحكم في مصير المنطقة٬ وبدأت الترويج لسيناريوهات قديمة جديدة وهمية بانهيار أنظمة٬ فجاء الرد السعودي لأن الأمور وصلت إلى مستويات لم يعد بالإمكان احتمالها.
ولم تتخذ القيادة السعودية هذا القرار إلا بعد تأكدها أن القيادة الإيرانية لن تبِّدل في سياساتها٬ خصوًصا أن ممارساتها لم تختلف بين مرحلة ما قبل التوقيع على الاتفاق النووي وما بعدها٬ بل زادت في توغلها في شؤون المنطقة٬ مستفيدة من حوارها مع المجتمع الدولي ومن رفع العقوبات عنها٬ الأمر الذي وضع الرياض أمام خيارين؛ إما ترك الأمور على النحو السابق٬ مما يمِّهد لخلق واقع يصعب زحزحته مستقبلاً٬ وسيكون قابلاً للتوسع٬ لا الانحسار٬ وإما المواجهة على الطريقة الحاصلة اليوم.
وتزامن القرار السعودي مع دخول أطراف الأزمة السورية٬ بشكل أو بآخر٬ في مفاوضات سلام ستفتح الباب أمام تسوية على مستوى المنطقة٬ الأمر الذي دفع الرياض في هذه اللحظة بالذات إلى توجيه رسالة للغرب بأن المعبر لأي تسوية هو عودة طهران إلى داخل حدودها الجغرافية٬ وأن المعبر للسلام إعادة سيادة الدول التي تتغول فيها الميليشيات لتكون سيدة على أرضها عبر إسقاط ثنائية الدولة الثورة أو الدولة الميليشيا٬ هذه الثنائية التي ظهر بالملموس أن الهدف منها تعميم ثقافة الحرب على حساب ثقافة السلام٬ وإبقاء العواصم العربية ساحات نفوذ مستباحة لطهران.
وبمعزل عن رد فعل «حزب الله» الذي يحاول التقليل من أهمية القرارات الخليجية العربية وخطورتها عليه٬ إلا أنه يكابر٬ تلافًيا للإقرار بالواقع الصعب والمعقد الذي أدخل نفسه فيه٬ فليس تفصيلاً أن الحزب الذي كانت ترفع صور زعيمه في معظم العواصم العربية٬ أصبح حزًبا إرهابًيا٬ وهذه القرارات ليست محصورة في الأنظمة كما يحاول الحزب أن يرِّوج٬ لأن الثورات العربية كشفت أن الحزب خرج من الوجدان الشعبي العربي بفعل سلوكه في لبنان وسوريا٬وانكشاف المشروع الإيراني في العراق.
وقد يكون «حزب الله» اليوم في أدق وضع منذ نشأته٬ لأن قيمته وأهميته في عمقه العربي الإسلامي٬ وبالتالي عندما يقفل هذا العمق الأبواب في وجهه٬ يتحول إلى حزب شيعي معزول خارج لبنان٬ ويواجه في الوقت نفسه معارضة سياسية داخل لبنان نتيجة استجلابه الحروب الخارجية٬ ورفضه الالتزام بالدستور وميثاق العيش المشترك.
فهل تكون القرارات الخليجية العربية مناسبة لتراجع طهران سياساتها٬ وتدخل في حوار جدي مع السعودية من أجل ترسيخ السلام في المنطقة٬ وتكون دولة صديقة للعرب٬ لا عدواً٬ أم ستذهب قدًما إلى الأمام في مواجهات لا أفق لها٬ بل خاسرة على الأمد المتوسط٬ والدليل ما يحصل في اليمن والعراق وسوريا ولبنان وفلسطين؟