شؤون خليجية-
تتبع الجمهورية الإيرانية سياسة خارجية متناقضة تجاه المملكة العربية السعودية ودول الخليج العربي، فتصريحات مسؤوليها، التي تنم عن رغبة في تحسين العلاقات وتطويرها والقضاء على الخلافات والأزمات المتصاعدة خلال الفترة الماضية، تناقضها أفعالها وتحركاتها على الأرض، وهي سياسة قديمة لا يمكنها إصلاح الخلل الكبير الذي شهدته العلاقات في الفترة الماضية، فإيران التي كانت حريصة على إظهار الود ليس فقط مع السعودية وإنما مع كافة الدول العربية، لتهيئة الأجواء لتغلغلها وانتشارها في تلك الدول، دون أن تواجه باعتراضات ولا ملاحقات مثل التي يلقاها منتسبوها وحلفاؤها اليوم، تغيرت بشكل كبير، وظهرت نواياها بطريقة لا يمكن لأي دولة أن تقبلها، وإن أكدت القيادة الإيرانية على رغبتها وحرصها على تطوير تلك العلاقات والحفاظ عليها، باعتبار أن العدو واحد والمصالح مشتركة، إذ في الوقت الذي يصرح فيه الرئيس الإيراني باعتزازه بالعلاقات السعودية والعربية، تفاجئ إيران العالم العربي بقيامها بإجراء تجارب على صواريخ بالستية، ويصرح مسؤولوها بأن الكلمة العليا اليوم في العالم هي للصواريخ، وليست للمحادثات السلمية التي تجريها الأنظمة والشعوب لتفادي شبح الحرب، الذي يخيم على الأجواء في كل مكان، ليثبت للعالم أن تلك الدولة تغرد خارج السرب، وتحاول أن تخدع نفسها وليس العالم وخاصة العربي، الذي بات على دراية بالمخططات الإيرانية في المنطقة، ليصبح على القادة الإيرانيين النظر مرة ثانية في تلك المعادلة الصعبة، التي يتبعونها في التعامل مع الدول والأنظمة والمجتمعات العربية، على أساس أن التحديات والأزمات أكبر من قدرة الدول العربية والإسلامية، وتحتاج لتضافر الجهود لمواجهتها حفاظًا على أمن واستقرار المنطقة.
إيران تواصل الاستفزاز
على الرغم من الخسائر التي منيت بها إيران جراء سياساتها التدخلية في الشؤون العربية، مثلما هو الحال في سوريا والعراق، وما تسببت فيه من توتير ليس فقط العلاقات الإيرانية - الخليجية، وإنما كذلك العلاقة ما بين الشيعة والسنة في العديد من الدول الخليجية، وإشعال فتيل الصراع ما بين الطوائف المسلمة، لتحقيق مصالح ومطامع استعمارية قديمة، إلا أن الحكومة الإيرانية لم تتعلم الدرس، وتصر على اتباع استراتيجيات قديمة تم كشفها وفضحها، هذا في الوقت الذي تلجأ فيه إلى استفزاز الأنظمة والحكومات والشعوب العربية في منطقة الخليج، من خلال وصف السياسة السعودية على لسان الرئيس الإيراني حسن روحاني، بالعدوانية، على الرغم من أن العكس هو الصحيح، إذ لا تكف إيران عن الإعلان صراحة عن التدخل في شؤون دول المنطقة، ليس هذا فحسب، بل والتصريح بأنها باتت تملك أربع عواصم عربية تدين لها حكوماتها بالولاء والطاعة، وذلك في إشارة إلى طرابلس وبغداد وبيروت وصنعاء، وذلك بسبب نجاح حلفائهم بعد ثورات الربيع العربي، وبدعم من إيران، في السيطرة على عواصم تلك الدول، قبل أن تبدأ المعادلة في التصحيح وتعمل الشعوب والحكومات العربية على استعادة تلك العواصم من القبضة الإيرانية.
والحقيقة أنه بدلًا من قيام الحكومة والنظام الإيراني باتباع استراتيجيات بديلة تعيدهم مرة ثانية إلى الساحة العربية، بدأت تتخبط وتلجأ إلى الاستفزاز، خاصة بعد أن هدأ زخم برنامجها النووي، ولم تعد قادرة على إثارته أو اللعب بورقته مع القوى الغربية، حيث بدأت إيران مؤخرًا، إجراء سلسلة تجارب جديدة لصواريخ بالستية أثارت «قلق» الدول الخليجية وواشنطن، التي تأسف لأن طهران لم تغير سياستها بعد الاتفاق التاريخي حول برنامجها النووي.
وتهدف إيران من وراء تلك التجارب- حسب وكالة الأنباء الإيرانية وموقع الحرس الثوري- إلى إثبات أن إيران مستعدة "لمواجهة أي تهديد، وأنها حتى لو توقفت مؤقتًا عن الاستمرار في برنامجها النووي، فإنها باتت تملك القدرة على صنع صواريخ بالستية قادرة على حمل رؤوس نووية، وذلك في استعراض غير مبرر للقوة، وفي وقت تشهد فيه العلاقة مع دول الخليج حساسية كبيرة، بسبب مواقفها العدائية ودعمها غير المحدود للنظام السوري، الذي تسبب في مقتل ما يزيد على ربع مليون مواطن بريء".
كما أنه في الوقت الذي نددت فيه إيران بالرغبة السعودية في التدخل بريًا في سوريا، واصفة التصريحات السعودية في هذا الصدد بأن من شأنها أن تسهم في صب المزيد من الزيت على نار العلاقات (السعودية- الإيرانية) الملتهبة، وأنها ربما تسهم حسب تصريحات أمين مجمع تشخيص مصلحة النظام محسن رضائي، في إشعال المنطقة كلها، بما فيها السعودية، بل وربما تؤدي إلى اندلاع حرب إقليمية كبرى، فوجئ العالم بعد الخروج الروسي من سوريا، بمحاولة إيران أن تحل محلة، حيث أعلن النظام الإيراني عن دخول فرقة إيرانية وصفها بالكبيرة إلى الأراضي السورية، لاستكمال المهمة الروسية والحيلولة دون سقوط النظام، وذلك بالرغم من الخسائر الفادحة التي تمنى بها تلك القوات، وتؤدي إلى مقتل العديد من القادة في سوريا.
حيث تخشى طهران من أن تفتح خسارة سوريا على خسارة أوراق وعلاقات إقليمية، استثمرت فيها لسنوات طويلة، واستطاعت نتيجة عملها، تشكيل محور يضم العراق وسوريا وحزب الله، وزيادة تأثيرها في آسيا الوسطى شرقًا إلى الصراع العربي الإسرائيلي غربًا، ومحاصرة السعودية من خاصرتها اليمنية.
وفي المقابل ترى الرياض أن سلخ سوريا من التحالف مع إيران، سيؤدي إلى تراجع دور طهران الإقليمي، ما قد يفضي إلى انحساره وانكفائه إلى داخل حدود الجمهورية الإسلامية، ووضع حد لمحاولات تصدير الثور، ما يعني أن هناك تباعدًا كبيرًا في الرؤى ووجهات النظر ما بين السعودية وايران، فيما يتعلق بدور كل منهما في المنطقة.
أقوال تناقضها الأفعال
يعتقد النظام الإيراني أن مجرد إطلاق بعض التصريحات المعبرة عن الرغبة في التقارب مع دول الخليج العربي، وعلى رأسها المملكة العربية السعودية، كفيل بإزالة التوتر، واستعادة دفء العلاقات مرة ثانية، إلا أن الدور الإيراني المستمر في إشعال الصراعات وإزكاء فتيل التوترات ما بين السنة والشيعة يفشل كل تلك المحاولات، بل ويفقد كافة الأطراف الثقة في التحركات والمواقف الإيرانية.
فقد صرح وزير خارجية إيران محمد جواد ظريف، بأنه يجب على إيران والسعودية تجاوز العلاقات المتوترة، والعمل من أجل الاستقرار في سوريا والشرق الأوسط، مشددًا على النظر للمصالح المشتركة بين البلدين.
وأضاف ظريف في كلمه موجهة لنظيره السعودي في مؤتمر ميونيخ للأمن: "ينبغي أن نعمل معًا"، مؤكدًا أنه "لا يمكن أن تستبعد أي من إيران والسعودية الأخرى من المنطقة"، مبديًا استعداد طهران "للعمل مع السعودية"، قائلًا إنه: "يمكن أن تكون لإيران والسعودية مصالح مشتركة في سوريا".
وحصر الوزير الإيراني المشكلات المشتركة التي يواجهها الطرفان في مجموعات، مثل تنظيم الدولة الإسلامية وجبهة النصرة التابعة لتنظيم القاعدة، مؤكدًا أن المتطرفين يشكلان تهديدًا للسعودية مثلما يمثلان تهديدًا على باقي المنطقة.
غير أن هذا الكلام الدبلوماسي المتكرر لم يعد يلقى قبولًا لدى الأطراف الأخرى، إذ صرح السفير السعودي لدى الأمم المتحدة، عبدالله المعلمي، بأن عودة العلاقات الدبلوماسية مع طهران مرهونة بتصرفاتها، مشيرًا إلى أن رسالة الاعتذار من إيران لمجلس الأمن لا تعني شيئًا، خاصة وأن إيران لا تزال مستمرة في ممارساتها الاستفزازية في المنطقة، خاصة في سوريا والعراق واليمن.
وفي الواقع أن التصعيد الإيراني اقترن مع قرار سعودي بالتخلي نهائيًا عما كان يعرف بـ"الصبر الدبلوماسي"، الذي كان سائدًا في التعامل مع إيران، ومحاولات تمدد نفوذها الإقليمي بواسطة أحزاب منبثقة من عقيدتها، مثل حزب الله، أو أنظمة متحالفة معها مثل النظام السوري أو مع من تجمعهم بها روابط الدين، مثل الشيعة في البحرين وشرق المملكة السعودية واليمن، أو مع من تعتبرانه امتدادًا طبيعيًا لها، مثل العراق.
وعلى عكس ما يعتقد البعض ليس العامل المذهبي هو المحرك الأساسي لهذا الصراع، انطلاقًا من فكرة تصدير الثورة، بعدما جعلت إيران نفسها حامية لكل شيعة العالم ومدافعة عن حقوقهم. ولكن الطابع المذهبي للصراع، يخفي أيضًا صراعًا جيوسياسيًا على النفوذ يستخدم الطائفية أداةً له.
ويعني هذا أن إيران ليست جادة في دعاويها الخاصة بالرغبة في تطوير العلاقات مع دول الخليج، وأنها باتت تفتقد ثقة الأنظمة والحكومات والشعوب العربية، التي فقدت حتى الثقة في حزب الله، الذي اعتقد البعض فترة أنها أحد أهم المكومات في مقاومة العدو الصهيوني، إلا أن الثورة السورية قد كشفت زيف كل تلك الدعاوي، وأن حزب الله ليس سوى أداة لتنفيذ الإرادة الإيرانية في المنطقة، وتوسيع مجال نفوذها في منطقة الخليج العربي، وما يؤكد ذلك في الحقيقة التصريحات الإيرانية التي أكدت مؤخرًا أن الكلمة العليا أصبحت للصواريخ وليس للمفاوضات، وهو ما يعني أن إيران لم تعد تؤمن في حقيقة الأمر بلغة السلام، وأنها ماضية في مشاريعها التوسعية، التي تسعى من خلالها لتوسيع نطاق نفوذها في المنطقة.
القوى العالمية تشعل الصراع
بالرغم من دعاوى القوى العالمية، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية، الخاصة بالعمل على نزع فتيل التوتر بين المملكة العربية السعودية والجمهورية الإسلامية الإيرانية، إلا أن تلك القوى هي السبب الرئيسي في إشعال فتيل التوترات بين القوتين الإقليميتين الكبيرتين في المنطقة، باعتبار أن بقاء الصراع بين الطرفين، يهيئ لها الأجواء ليس فقط للبقاء في المنطقة ونهب ثرواتها، وإنما كذلك للترويج لمنظوماتهم العسكرية، والحفاظ على سيطرتهم على منطقة الشرق الأوسط.
فالولايات المتحدة تجيد لعبة قلب الموازين، واللعب على كافة الأطراف، مثلما كانت تفعل مع العراق في ثمانينات القرن الماضي، عندما كانت تبدو وكأنها تدعم الرئيس العراقي صدام حسين في حربه مع إيران، تلك الحرب التي استمرت لأكثر من ثماني سنوات، في الوقت الذي كانت تقدم فيه السلاح لإيران التي كانت تعتبرها في ذلك الوقت الشيطان الأكبر، قبل أن تنكشف الخديعة وتظهر فضيحة إيران غيت للعالم، ليعلم الجميع أن أمريكا تتلاعب بالمنطقة وتشعل الصراعات فيها، من أجل الحفاظ على مصالحها، وتهيئة الأجواء لتدخلها وفرض شروطها وإملاءاتها على الأنظمة والحكومات العربية.
وفي الواقع إن الأنظمة العربية لم تتعلم الدرس، فما قامت به أمريكا في الماضي تكرره الآن، بعد أن استبدلت العراق الذي فقد مقومات الدولة وأصبح على شفى الانقسام، بالمملكة العربية السعودية، التي تم حصارها بأنصار وحلفاء إيران في المنطقة، سواء من خلال الحوثيين في اليمن أو بالشيعة في العراق، ولم تكتف بذلك، بل وقام الرئيس الأمريكي أوباما بالإعلان صراحة على أن أولويات الولايات المتحدة لم تعد المنطقة العربية وتحديدًا منطقة الخليج، وإنما الشرق الأقصى، على اعتبار أن العدو القادم الذي بات يهدد المصالح الأمريكية في العالم هو التنين الصيني الصاعد بقوة، ومن ثم لم تعد أمريكا بحاجة إلى الحفاظ على تحالفها الاستراتيجي مع المملكة العربية السعودية، وأنها بحاجة أكثر للتقارب مع عدوها التقليدي النظام الإيراني، لوقف برنامجه النووي، مقابل فك الحصار الاقتصادي المفروض عليه، دون حساب للعواقب التي قد تترتب على تلك القرارات، خاصة وأن إيران دولة صاحبة مشروع استعماري، لا يختلف كثيرًا عن المشروع الأمريكي للسيطرة على المنطقة والعالم، وأن أي اتفاق سيتم عقده معها ستلتف حوله وتواصل مشاريعها، سواء تلك المتعلقة بالبرنامج النووي، أو تطوير الأسلحة والمعدات طويلة المدى، مثلما صرحت بذلك مؤخرًا.
وبذلك لم يعد أمام دول الخليج وعلى رأسها السعودية، سوى الاعتماد على نفسها في توفير سبل الحماية لمجتمعاتها، الأمر الذي دفع المملكة لتكوين التحالف الدولي للقضاء على التمرد الحوثي في اليمن، والتحالف الإسلامي لوضع حد للدور الإيراني في المنطقة، والمساعدة في إنهاء حكم بشار الأسد في سوريا، الأمر الذي دفع الولايات المتحدة لإعادة حساباتها مرة ثانية، والإعلان عن عدم الرضا عن سياسات الرئيس أوباما، الذي بدا ضعيفًا وغير قادر على اتخاذ قرارات استراتيجية تحمى المصالح الأمريكية في المنطقة، وتحافظ عليها.
والحقيقة أن الإدارة الامريكية الحالية تناقض نفسها، ففي الوقت الذي مدت فيها يدها لإيران وأعلنت فك الحصار الاقتصادي المفروض عليها، اعترف وزير الخارجية الأمريكية (كيري)، مع بدء تنفيذ اتفاق مجموعة (5+1) مع إيران حول البرنامج النووي الإيراني وتخفيف العقوبات على اقتصادها في (16 يناير2016م)، بأن إيران ستستخدم الوفورات المالية التي ستحصل عليها في دعم الإرهاب والجماعات الإرهابية، التي تعتبرها واشنطن إرهابية.
ليس هذا فحسب، بل وسبق أن صرح الرئيس الأمريكي باراك أوباما، بأن إيران دولة منافقة (Hypocritical state)، وهو ما يعني أن الولايات المتحدة تحاول تصحيح الخطأ الكبير الذي وقعت فيه، عندما أهملت تحالفها مع دول الخليج لصالح تحالفها الجديد مع إيران، إلا أن الوقائع تشير إلى حالة من فقدان الثقة بين الطرفين الخليجي والأمريكي، وأن المستقبل ستحكمه الصفقات المؤلمة بين الطرفين، بحيث يحافظ الجميع على مكاسبه الاستراتيجية في المنطقة.
دول على خط الوساطة
منذ بداية الأزمة (السعودية – الإيرانية)، انطلقت جهود وأصوات تنادي بتهدئة الأوضاع بين الطرفين، وتجنب تصعيد الموقف أكثر من ذلك، لكن السعودية لم تمتثل لهذه النداءات، حيث أبدت إيران استعدادها لدراسة أي مبادرة للتصالح مع المملكة العربية السعودية، بعد الأزمة الدبلوماسية الأخيرة التي وقعت بين البلدين، على خلفية احتراق مقار دبلوماسية سعودية في إيران.
ليس هذا فحسب، بل ووسّطت إيران دولة خليجية لحمل رسالتها إلى باقي دول الخليج، حيث كشفت صحيفة "الرأي" الكويتية، أن نائب رئيس الوزراء وزير الداخلية الكويتي محمد الخالد، حمل رسائل من قيادة بلده إلى قادة خمس دول خليجية، تتعلق بنقل رغبة القيادة الإيرانية في فتح صفحة جديدة من العلاقات مع دول الخليج، على مبدأ حل المسائل العالقة بالحوار الهادئ.
وكان "عباس عراقجي" نائب وزير الخارجية الإيراني، قد صرح بأن إيران والسعودية عليهما اتخاذ كل خطوة ممكنة لنزع فتيل التوترات بينهما، وذلك لمساعدة هذه المنطقة– حسب زعمه- في أن تصبح أكثر استقرارًا، وبالطبع أكثر أمانًا؛ حتى يمكن محاربة التحدي الحقيقي والتهديد الحقيقي في المنطقة، وهو الإرهاب والتطرف، وبالطبع الطائفية التي تعد تهديدًا كبيرًا.
وبالإضافة إلى الكويت، أعربت روسيا عن استعدادها للوساطة بين الطرفين المتنازعين، معربة عن قلقها إزاء تفاقم الأزمة في الشرق الأوسط بمشاركة الدولتين الإقليميتين اللتين ترتبط روسيا معهما بعلاقات ودية تقليدية، وأعربت الخارجية عن قناعة موسكو بأن المشكلات والخلافات بين الدول يجب أن تُحل بطريقة الحوار وراء طاولة المفاوضات.
ولكن الأصوات الروسية لم تجد آذانًا صاغية لها، لتلحقها جهود الدول الإسلامية، التي تمثلت أولًا في تركيا، فعرضت أنقرة التدخل لتهدئة التوتر بين السعودية وإيران، وحث رئيس الوزراء التركي أحمد داوود أوغلو، كلا البلدين على اللجوء إلى الوسائل الدبلوماسية لحل الخلاف بينهما، لكن الوساطة التركية لاقت نفس مصير سابقتها الروسية، لتأتي بعد ذلك الجهود العربية متمثلة في العراق، حيث عرض وزير الخارجية العراقي إبراهيم الجعفري، وساطة بغداد لحل الأزمة التي اشتعلت بين السعودية، لكنها لم تختلف كثيرًا عن الروسية والتركية.
وبدورها دخلت فرنسا على خط الأزمة بين السعودية وإيران، لتهدئة التوتر بين السعودية وإيران، إلا أن الرد السعودي على تلك الوساطات قد قوبل بالرفض، حيث تعتبر السعودية أن الاعتداء على ممثليها في طهران ومشهد، ليس وحده المشكلة، بل المشكلة الرئيسية في أن طهران تعيث تدخلًا وإفسادًا في اليمن وسوريا والعراق والبحرين ولبنان، وفي الكويت نفسها.
لذلك تشترط السعودية للتصالح مع إيران توقف طهران عن زعزعة الاستقرار في المنطقة، والتوقف عن التدخل في الشؤون الداخلية للدول العربية. والانسحاب الفوري من دولتي سوريا، والعراق، والتوقف عن دعم جماعة الحوثيين اليمنية، وعدم إحداث أي قلائل في هذه الدولة.
وبناء على ذلك لا يتوقع أن تشهد العلاقات (السعودية – الإيرانية) أي تهدئة في الصعيد القريب، خاصة وأن إيران تعتبر سوريا خطًا أحمر لا يمكن التنازل عنه، ولا توجد نقاط تواصل يمكن الاتفاق عليها ما بين السعودية وإيران، ورؤى الطرفين فيما يتعلق بالسلام والاستقرار في المنطقة تبدو مختلفة، فضلًا عن أن كلًا منهما يسعى للعب الدور الإقليمي الأكبر في المنطقة، الأمر الذي يعني أن المنطقة قد لا تشهد حالة من الاستقرار في الأجل المنظور، وذلك كله يصب في صالح المشاريع الغربية التي تستهدف تقسيم وتفتيت دول المنطقة.