تدعم كل من المملكة العربية السعودية والهند الشراكة الوليدة بينهما في قضايا مكافحة الإرهاب.، فإلى أي مدى يمكن أن يذهب التعاون؟
في 26 نوفمبر/تشرين الثاني 2008، هاجمت مجموعة من المتسللين يحمل أفرادها بنادق هجومية وقنابل أهدافا متعددة في مدينة مومباي الهندية، مما أسفر عن مقتل 164 شخصا. بعد ذلك بوقت قصير، وصف التلفزيون الهندي الحادث بأنه «واحد من أسوأ الهجمات الإرهابية في تاريخ الهند».
وعلى الرغم من أن منفذي الهجوم تلقوا تدريبا في باكستان، فإن الأموال جاءتهم من المملكة العربية السعودية.
في عام 2010، ونقلا عن وثائق مسربة، كشفت صحيفة «الغارديان» أن وزيرة الخارجية الأمريكية آنذاك «هيلاري كلينتون» وقعت على مذكرة تشير إلى أن الجهات المانحة السعودية، هي «أهم مصدر لتمويل الجماعات الإرهابية السنية على مستوى العالم». وكان أبرز ما جاء في التقرير هو الإشارة إلى التمويل السعودي لجماعة (LED)، المسؤولة عن الهجمات في الهند.
احتياجات الهند
في الشهر الماضي، خلال زيارة «مودي» إلى الرياض، ناقشت المملكة العربية السعودية والهند عددا من القضايا. ولكن كما هو متوقع، كان التركيز على مكافحة الإرهاب. وغني عن القول، إن نيودلهي تريد أن تكون فعالة في التصدي للإرهاب، والشراكة مع الرياض تحمل مفتاح هذه القضية. ولكن ما لم تتحدى الحكومة قدرة الإرهابيين على التخطيط والتشغيل من القواعد الأجنبية، واتخاذ تدابير لمكافحة الإرهاب ستظل الجهود غير مكتملة وناقصة. والمملكة العربية السعودية هي واحدة من هذه القواعد.
وكانت هناك تقارير تفيد بأن أعضاء من جماعة المجاهدين الهنود، والمعروفة باسم IM))، قد سافروا إلى المملكة العربية السعودية، بجوازات سفر باكستانية. وهناك، وصلوا إلى المجندين والأموال التي تم جمعها. وعلاوة على ذلك، كانت المملكة ملاذا آمنا للجهاديين الذين يستهدفون الهند وغيرها من البلدان،بما في ذلك أعضاء ((LET الذين يقع مقرهم باكستان.
وبصرف النظر عن هذا، ومع الجمهور الكبير من الأتقياء والأثرياء، فإن المملكة العربية السعودية هي أيضا مصدر رئيسي من مصادر الأموال للمجاهدين في جميع أنحاء العالم. وقد تلقت الجماعات الإرهابية التي تستهدف الهند مساعدات من المانحين المقيمين في المملكة. وهناك عدد من الوسائل التي من خلالها ترسل الأموال من المملكة العربية السعودية إلى الهند. وكشف تحقيق صدر مؤخرا من قبل الهند أنه يتم إرسال الأموال للجماعات الإرهابية الهندية من خلال حجاج بيت الله الحرام.
في السابق، كانت الهند قد طلبت من السلطات في المملكة العربية السعودية الحفاظ على مراقبة وثيقة عليها. اليوم، هناك أيضا مخاوف من أن الحجاج قد يصبحون هدفا للجماعات المتشددة مثل جماعة جيش محمد. حيث يمكن أن يصطادوا المجندين المحتملين بين المتدينين الهنود الذين يزور 150 ألفا منهم مكة المكرمة كل عام.
وهكذا، فإن الشراكة النشطة مع المملكة هي مفتاح تعزيز فعالية حملة مكافحة الإرهاب في الهند. نيودلهي في حاجة إلى مساعدة السعودية لضرب عملية تجنيد وجمع الأموال والأنشطة الأخرى في المملكة التي تقوم بها مجموعات تستهدف الهند.
ما وراء العوائق التقليدية
وعلى الرغم من التطورات الأخيرة، فإن التعاون في مكافحة الإرهاب ليس وجها جديدا للعلاقات الثنائية. ففي عام 2010، وخلال زيارة رئيس الوزراء الهندي «مانموهان سينغ» إلى الرياض، وقع زعماء البلدين إعلان الرياض. ومن بين أمور أخرى، فقد تم الاتفاق على «وضع استراتيجيات مشتركة» لمكافحة الإرهاب. وتقاسم البلدان معلومات أكثر من أي وقت مضى منذ ذلك الحين، مما أدى إلى اعتقال وترحيل إرهابيين مشتبه بهم ومطلوبين في الهند، بما في ذلك أبوسفيان وهو واحد من سبعة عناصر مطلوبين لدى نيودلهي. وعلاوة على ذلك، بعد وقت قصير من الهجوم الذي وقع في باثانكوت هذا العام، فقد أعربت القيادة السعودية عن استعدادها للتعاون مع لجنة التحقيق، وهي لفتة يرى كثيرون أنها تشير إلى رغبة السعودية في التعاون ضد الإرهاب.
ومع ذلك، ظهرت بعض العوائق أمام التعاون بين الهند والمملكة العربية السعودية. ومن ذلك التحالف السعودي مع باكستان وموقفها من كشمير.
ورغم أن الشراكة في مكافحة الإرهاب بين المملكة العربية السعودية والهند توصف بأنها جيدة للغاية، إلا أن الصورة ليست وردية كما يرى العديد من المعلقين.حيث أن جماعات مثل ((LET التي تستهدف الهند ما زالت تتلقى الدعم من قبل الجيش الباكستاني. وسافر أعوانهم إلى المملكة العربية السعودية، ربما بتواطؤ من السلطات السعودية، حيث يتم تزويد جوازات السفر من قبل إسلام أباد. وعلى الرغم من أن ترحيل المتهمين بالإرهاب هو دليل على الشراكة المتنامية بين نيودلهي والرياض، فإنه يجب عدم تجاهل التحركات الناتجة عن الضغط المتواصل.
في العديد من المناسبات، انتقد دبلوماسيون هنود تردد المملكة العربية السعودية في التحرك ضد الارهابيين المشتبه بهم. مؤخرا اشتكى مسؤول هندي قائلا «على الرغم من أن المملكة العربية السعودية لا ترغب في أن ينظر إليها على أنها مأوى للإرهابيين، فإنها غير مستعدة أيضا لإزعاج باكستان بتسليم المشتبه بهم لمعرفتها بصلاتهم المباشرة مع والاستخبارات الداخلية».
الشراكة السعودية الباكستانية
وأثار التحالف بين السعودية وباكستان منذ فترة طويلة مخاوف نيودلهي. وهو التحالف الذي بدأ قبل الغزو السوفييتي لأفغانستان. واليوم تربط الرياض وإسلام آباد شراكة فاعلة تقوم على المصالح المشتركة، والقرب الجغرافي، والقيم الإسلامية المشتركة. ووصف مسؤول سعودي ذات مرة التحالف بأنه «على الأرجح واحد من أقرب العلاقات بين أي بلدين في العالم».
منذ الستينيات وحتى اليوم، قامت باكستان بتدريب قوات الأمن السعودية. كما أن الشراكة العسكرية / الاستخباراتية بين البلدين ذات جذور عميقة جدا. وكانت باكستان حليفا يمكن الاعتماد عليه في المملكة العربية السعودية وهي «أفضل رهان لضمان الأمن على المدى الطويل». ومؤخرا أعلن قائد الجيش، في باكستان، الجنرال «رحيل شريف» أن «أي تهديد لسلامة الأراضي السعودية من شأنه أن يثير رد فعل قوي من باكستان». وفي مقابل خدماتها للرياض، تحصل إسلام آباد على مليارات الدولارات من المساعدات من خزائن الدولة السعودية.
سوف تواصل باكستان في تعزيز مكانتها كشريك مهم للمملكة العربية السعودية. فمنذ اليوم الذي التقى فيه الرئيس «فرانكلين روزفلت» والملك «عبد العزيز» للمرة الأولى في عام 1945، كانت الولايات المتحدة الضامن الرئيسي للأمن السعودي. ولكن، مع ترددها في دعم حسني مبارك - وهو حليف منذ فترة طويلة للولايات المتحدة - فقد أثبتت واشنطن سياسة المصالح المتغيرة. وعلاوة على ذلك، أثار دعم الولايات المتحدة لاتفاق نووي مع إيران قلقا كبيرا إزاء التزام الولايات المتحدة بأمن حلفائها الخليجيين. والآن مع صعود إيران وارتفاع درجة تردد أمريكا ، فإن المملكة العربية السعودية في حاجة باكستان أكثر من أي وقت مضى.
ونقلا عن دبلوماسي هندي، فقد أفادت صحيفة هندية، أنه «في ظل صراعها الجيوسياسي المكثف مع إيران، فإن المملكة العربية السعودية أصبحت مترددة في تعريض علاقتها مع باكستان للخطر عبر شن هجمات على هذه الجماعات».
طبيعة الدولة السعودية هي عائق آخر. النخب الحاكمة في الرياض تسعى للاستفادة من الشريعة الإسلامية لإضفاء الشرعية على قبضتها على السلطة. وهكذا، فإن القيادة السعودية تنكص عن فكرة استهداف جماعات إسلامية مثل جماعة الدعوة التي لا تتحدى سلطتها. سيكون من غير المنطقي لنظام إسلامي تضييق الخناق على جمعية تتمتع بشعبية واسعة في العالم الإسلامي. ولها سمعة واسعة في مجال الأعمال الخيرية والإغاثية التي كسبت قلوب وعقول الناس في العالم الإسلامي.
وعلاوة على ذلك، ومع الحرب المشتعلة في اليمن، كانت جماعة الدعوة حليفا مفيدا للحكومة السعودية. ودافعت الجماعة علنا عن الحملة التي تقودها السعودية في اليمن، وصورت الأزمة هناك بأنها «نتيجة للتحالف الصليبي اليهودي لتدمير الأماكن الإسلامية المقدسة». في العام الماضي، قامت المجموعة أيضا بحملة قوية لحمل باكستان على المشاركة في المعركة.
التطورات الجديدة
بالرغم من وجود عقبات، فإن المملكة العربية السعودية شريك قيم للهند والعكس صحيح . إذا كانت الهند في طريقها لتصبح ثالث أكبر مستهلك للنفط ومع النمو السريع للطلب في البلاد، فإن الهند هي واحدة من أسواق المنافسة للنفط السعودي.
وعلاوة على ذلك، تسعى المملكة العربية السعودية الآن لتنويع اقتصادها، ومغازلة المستثمرين الأجانب أصبح أولوية بالنسبة للنظام هناك. وخلافا لباكستان، فإن الهند لديها الخبرة اللازمة ورأس المال للاستثمار في المملكة. ومع كونها سوق كبير للنفط السعودي ومصدر للمستثمرين المحتملين، فإن الهند تتفوق على باكستان في حسابات السعودية .
وبصرف النظر عن هذه التطورات الأخيرة في العلاقات السعودية الباكستانية التي تبعث على الاطمئنان الهندي، فإن أمرا آخر يحث على توثيق العلاقات بين الهند والمملكة العربية السعودية. في مارس/آذار 2015، رفض البرلمان الباكستاني طلب المملكة العربية السعودية المشاركة في الحرب الأهلية التي تجري في اليمن. منذ ذلك الحين، ثمة من يقول أن العلاقات السعودية الباكستانية على نطاق واسع تسير في طريق منحدر.
ويرجع ذلك جزئيا إلى بواعث قلق وتردد باكستان بشأن الأمن الداخلي. فالسكان الشيعة ثاني أكبر طائفة في باكستان التي تفهم تكلفة استفزاز إيران. وعلاوة على ذلك، فإن العلاقات الباكستانية المتنامية مع إيران تساعد على تفسير ترددها في محاربة الوكيل الإيراني المفترض.
بعد أن وصلت إيران إلى اتفاق إطاري مع الدول الكبرى في العام الماضي، سعت باكستان علنا للشراكة الإيرانية في عدد من المجالات. زفي وقت سابق من هذا العام، دعا الرئيس الإيراني «حسن روحاني» إسلام أباد لإجراء محادثات بين باكستان وإيران وفق أرضية مشتركة على عدد من القضايا. ومع الطلب الباكستاني المرتفع على الغاز الطبيعي والكهرباء، فمن المتوقع على نطاق أعلى زيادة اعتمادها على إيران.
هناك خط أنابيب الغاز الطبيعي من إيران إلى بوشهر في ولاية البنجاب في باكستان الذي أوشك على الانتهاء. وعلاوة على ذلك، وافقت إيران على تزويد باكستان بنحو 3000 ميغاواط من الكهرباء بسعر تنافسي، وهو أمر حيوي بالنسبة لبلد مفعم بالإحباط من الأزمات . ومن شأن الشراكة مع طهران أن تحقق فوائد ملموسة لإسلام آباد وتبدو القيادة هناك على بينة من ذلك.
ومع ذلك، وعلى الرغم من كل هذه العناصر ، فإنه ليس من الأسلم أن نفترض أن العلاقات السعودية الباكستانية تتجه إلى أسفل. البلدان لا يزالان بحاجة بعضهم البعض. ولكن التحالف سوف يتأثر سلبا مع تقارب باكستان من طهران. وفي هذا السياق علينا أن نقول أنه لن يكون من السهل على المملكة العربية السعودية إيجاد شريك مناسب يمكن أن يحل محل باكستان. ومع ذلك، الآن بعد أن بدأت إسلام آباد تناور مع طهران، فإن المملكة العربية السعودية عليها أن توفر مجالا أفضل للمناورة في علاقاتها مع الهند،بما في ذلك في مجال مكافحة الإرهاب.
تفاؤل حذر
على ما يبدو، فإن المحادثات بشأن مكافحة الإرهاب سرقت الأضواء خلال زيارة «مودي» في الرياض الشهر الماضي. ومن المرجح أن كلا البلدين سوف يستمران في التعاون. وتلاقت الهند والمملكة العربية السعودية على ضرورة معالجة تمويل الإرهاب. ومع ذلك، فإنه يبقى أن نرى ما إذا كانت القيادة السعودية سوف تقوم بتضييق الخناق على الجماعات مثل جماعة الدعوة. وما لم يتم تحدى قدرة المجموعات لتجنيد وجمع الأموال في المملكة، فإن الشراكة لمكافحة الإرهاب بين نيودلهي والرياض سوف تظل جوفاء.
في النهاية، على الرغم من التقارب الواسع في وجهات النظر، لا بد من الإشارة إلى أن المصالح الأساسية للبلدين تختلف في بعض الأماكن. المملكة العربية السعودية قد تجد من المفيد إبقاء العلاقة مع بعض المجموعات التي ترفضها الهند. وعلاوة على ذلك، فان اعتماد الرياض على إسلام أباد يعني أن القيادة السعودية لن تتردد في استهداف المنظمات ذات الصلات مع وكالة الاستخبارات الباكستانية.
ومع ذلك، كما رأينا، فإن بعض التطورات الأخيرة قد تمهد الطريق لتعاون أفضل بين الهند والمملكة العربية السعودية على جبهة مكافحة الإرهاب.
«ذا ديبلومات»- ترجمة وتحرير أسامة محمد - الخليج الجديد-