قال تقرير لمعهد «بروكنغز» أن شبح الحرب بين إيران والمملكة العربية السعودية «ليس حتميا»، ولكن يجب على الجانبين اتخاذ خطوات لخفض درجة حرارة الصراع الناشب بينهما حاليا، وأن من مصلحة الطرفين ألا تشهد العلاقات مزيدا من الهبوط.
وفي تحليل بعنوان: «إذا كانت العلاقات الإيرانية السعودية تغلي .. كيف نخفض درجة حرارتها؟»، حذر «سلطان بركات» رئيس الفرع العربي للمعهد في الدوحة من أن «هناك الآن إمكانية جدية لمواجهة مباشرة»، بسبب عدة مشاكل ما يتطلب البحث عن حلول لعدم وصولها للحرب.
وشهد الصراع السعودي الإيراني ارتفاعا كبيرا في السنوات الماضية، وتصاعد في يناير/كانون الثاني الماضي عقب إعدام السعودية رجل الدين الشيعي الشيخ «نمر النمر»، ما أثار ردود فعل غاضبة في إيران، وزاد بشكل كبير جدا مخاطر وإمكانية المواجهة المباشرة.
وتهدد هذه الحساسيات والعواطف الدينية العالية، بتحويل أي شرارة غير مقصودة خلال الحرب الباردة بين القوتين الإقليميتين إلى حرب ساخنة.
كما أن العداء بين القوتين يشكل تهديدا خطيرا أوسع للمنطقة التي لا تعرف حاليا الاستقرار، ويتناقض مع المصالح طويلة الأجل بين السعودية وإيران.
وأكد «محمد بن سلمان»، نائب ولي العهد وزير الدفاع، في مقابلة يناير/كانون الثاني الماضي مع صحيفة «ذي إيكونوميست» أن أي حرب بين البلدين هي «بداية لكارثة كبرى في المنطقة». وتابع: «أي شخص يدفع للحرب بين إيران والمملكة العربية السعودية ليس في كامل قواه العقلية، لأن الحرب بين المملكة وإيران هي بداية لكارثة كبرى في المنطقة ... ونحن لن نسمح بالتأكيد بحصول أي شيء من هذا القبيل».
ويبدو أن ما قاله الأمير صحيح، لأنه لو استمرت دوامة الصراع السعودي الإيراني سوف تتحول بسرعة إلى حريق على مستوى المنطقة مع آثار زعزعة الاستقرار بشكل خطير في منطقة الشرق الأوسط وما وراءه.
ثلاث خطوات لتبريد شبح الحرب
ويقترح معهد «بروكنغز» ثلاثة اعتبارات رئيسية يجب على كلا الجانبين العمل على تنفيذها من أجل خفض درجة حرارة الصراع ومعالجة أسباب التوتر الجذرية على النحو التالي:
أولا: لا يجب أن يسيء كل طرف فهم الآخر، فالعلاقات الإيرانية الإماراتية والإيرانية العمانية تقوم على الحوار والتبادل، بينما تقوم العلاقات الإيرانية السعودية على سوء الفهم والجهل والعزلة، جنبا إلى جنب مع التحيز الطائفي المتصاعد، والكراهية والفرقة التي زرعها الغزو الأمريكي للعراق عام 2003، والعداء المستمرة منذ فترة طويلة.
ثانيا: تشجيع المزيد من الانفتاح مع إيران. بسبب عزل إيران وفرض عقوبات عليها منذ ثورة عام 1979، تشكلت شبكة من قادة الميليشيات، وكالات الاستخبارات، وكبار رجال الدين قادرة على خطف الدولة. وبدلا من تحقيق المصالح الوطنية مثل تحسين التعاون الإقليمي أو زيادة الاستثمار الداخلي، عملت السياسة الخارجية الإيرانية إلى حد كبير على تحقيق مصالح خاصة لتلك الشبكة.
وفي المملكة العربية السعودية ينظرون إلى تصرفات إيران في المنطقة على أنها تستهدف على الأرجح، المملكة العربية السعودية.
والمشكلة بالنسبة إلي المملكة العربية السعودية، أنها عندما تزيد الصراع مع إيران، فإنها تساعد ضمنا في تمكين هذه الشبكات الغامضة، بينما تقليصه يشجع الإصلاح في إيران عن طريق تشجيع المزيد من الانفتاح.
ثالثا: إعادة صياغة العلاقة بين المؤسسات الدينية وصناع القرار في السعودية. لكن المشكلة أن آل سعود يستمدون شرعيتهم من رعايتهم لمكة المكرمة والمدينة المنورة، ويحتاجون بالتالي إلى تهدئة رجال الدين، الذين عادوا لإعلاء الخطاب الطائفي للانقسام.
وقد سبق للملك الراحل عبد الله بن عبدالعزيز اتخاذ خطوات لإبعاد الدولة عن رجال الدين، لكن خلفه الملك «سلمان» مختلف، وهو الذي أعاد الاهتمام بدور الدين.
تجنب المواجهة المباشرة
ويقترح تقرير «بروكنغز» لتجنب المواجهة المباشرة، أن تسعي المملكة العربية السعودية وإيران لتحديد المجالات الاهتمام المشترك المحتملة بينهما، سواء اقتصاديات الدولتين التي تعتمدان على النفط، وكلاهما يعمل للحد من هذا الاعتماد. أيضا من مصلحة إيران والسعودية استهداف كل المجموعات الإرهابية بما في ذلك تنظيم القاعدة و«الدولة الإسلامية».
أيضا تواجه الدولتان تهديدات بيئية مماثلة، مثل تسرب النفط، والتحديات المتعلقة بالتصنيع المتسارع، ونقص المياه، وفي كل من هذه المجالات، يمكن لإيران والمملكة العربية السعودية العمل معا.
ومع أن التقرير يري أن هذا «لن يكون سهلا، إلا أنه يضرب أمثلة من التاريخ، مشيرا لأنه قبل 70 عاما، لم يكن أحدا يتصور أن تتغلب فرنسا وألمانيا وبريطانيا على منافساتهم الإقليمية وأن يصبحوا شركاء سياسيين وبينهم تعاون اقتصادي وثيق».
هذا فضلا عن التعاون في المسارات الدبلوماسية وأنواع مختلفة من التبادلات الثقافية والتعليمية والاجتماعية بين السعوديين والإيرانيين، والأنشطة الأخرى التي يمكن أن تساعد في كسر الحواجز من سوء الفهم والتحامل.
معهد «بروكنغز»-