شارك الآلاف من الإيرانيين المقيمين في مختلف دول العالم في مؤتمر المعارضة الإيرانية السنوي الذي عقد في باريس قبل عدة أيام والذي دعا إلى إسقاط نظام ولاية الفقيه في إيران.
ولكن الحدث الأكثر إثارة للانتباه أن أبرز المتحدثين في المؤتمر كان الأمير «تركي الفيصل» رئيس المخابرات السعودية الأسبق الذي أكد على أن نظام ولاية الفقيه سيسقط لا محالة، كما انتقد مبدأ تصدير الثورة الذي يسير عليه النظام الإيراني منذ تولي «الخميني» لمقاليد الحكم في إيران بعد ثورة 1979، متهما إيران بدعم الطائفية من أجل زعزعة الاستقرار في المنطقة.
مشاركة تزيد الاحتقان
وقد تفاوتت ردود الأفعال مشاركة الأمير «تركي الفيصل» في مؤتمر المعارضة الإيرانية حيث احتج الرافضون لها بأنها تعزز الحجج والمبررات الإيرانية بالتدخل في الشأن الداخلي السعودي، وتصب الزيت على النار في ظل الأزمة المشتعلة حاليا بين إيران والسعودية، فيما يرد أصحاب وجهة النظر المعارضة على هذا القول بأن إيران بالفعل متدخلة وهي تسعى منذ الثورة إلى إسقاط نظام الحكم في السعودية وأنها لا تنتظر مشاركة «الفيصل»، حيث أنها جندت خلايا تابعة لها في كل دول مجلس التعاون الخليجي بما فيها السعودية.
كما دافع المؤيدون عن مشاركة «الفيصل» بالقول أن الفيصل شخصية مرموقة وذات تجربة وهو سفير سابق في واشنطن ورئيس المخابرات السابق مما يعطي إضافة رمزية وهامة للمؤتمر، وهي أول مشاركة سعودية في هذه المؤتمرات بشكل واضح وعلني مما قد يربك الحسابات الإيرانية. لكنه في الوقت نفسه لم يعد له أي صفة رسمية بل هو رئيس مركز أبحاث الملك «فيصل» وبالتالي لا يمكن لإيران أن تنتقد الموقف الرسمي السعودي، كما أن هناك عدد من الشخصيات الأمريكية الرسمية السابقة شاركت في المؤتمر مثل رئيس الكونغرس الأمريكي السابق، إضافة إلى وفود من دول عربية مثل مصر، ولعل هذا يجافي المنطق المعلوم بالضرورة نسبيا حيث أن «الفيصل» لم يكن ليشارك في المؤتمر من دون ضوء أخصر سعودي رسمي.
وفي نفس السياق فقد أثنى البعض على مشاركة «الفيصل» في المؤتمر معتبرين أن ذلك يشير إلى امتلاك السعودية لأوراق قوة يمكن أن تضغط من خلالها على الجبهة الداخلية الإيرانية، ومن هؤلاء «عبد الخالق عبدالله» الأكاديمي الإماراتي المقرب من أبوظبي الذي دعا لدعم المعارضة الإيرانية ودعوة زعمائها إلى الرياض والعواصم الخليجية الأخرى.
وفيما تمت قراءة المشاركة على أنها نقطة تحول لنقل الصراع إلى مرحلة جديدة، أشار بعض المحللين إلى أن الخطوة تنم عن رسالة واضحة لإيران بأن السعودية تستطيع أن تقوم بنفس الشيء الذي تقوم به إيران. وقد قال الكاتب السعودي «جمال خاشقجي» أن مشاركة «الفيصل» تعبر عن إرادة غالبية الشعب السعودي.
ودعا الباحث السعودي «محمد السلمي» بشكل أكثر مبادرة إلى العمل على توحيد المعارضة الإيرانية في كافة مناطق شتاتها وأكد أن مشاركة «الفيصل» من شأنها أن تربك الحسابات الإيرانية.
مجاهدو خلق
أما فيما يتعلق بـ«مجاهدي خلق» فهي أكبر وأنشط حركة معارضة إيرانية، وقد تأسست عام 1965 على أيدي مثقفين إيرانيين أكاديميين بهدف إسقاط نظام الشاه، ولكنها وصلت إلى مرحلة الصراع مع نظام ما بعد الثورة وتم إعدام عشرات الآلاف من أنصارها وأعضائها. وتعد منظمة مجاهدي خلق الإيرانية جزءاً من ائتلاف واسع شامل يسمى بـ«المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية» الذي يعمل كبرلمان إيراني في المنفى، والذي يضم 5 منظمات وأحزاب و550 عضوا بارزا وشهيرا من الشخصيات السياسية والثقافية والاجتماعية والخبراء والفنانين والمثقفين والعلماء والضباط إضافة إلى قادة ما يسمى بـ«جيش التحرير الوطني الإيراني» الذراع المسلح للمنظمة والذي يتمركز حتى اليوم في معسكر أشرف في العراق وتكونت أغلبية قادته من النساء. ويرأس المجلس «مريم رجوي» التي ألقت الكلمة الافتتاحية للمؤتمر الأخير.
ومن الجدير بالذكر أن منظمة مجاهدي خلق ضعفت كثيرا بعد الاحتلال الأمريكي للعراق، ومع وجود نظام عراقي موال لإيران.
مشاركة «تركي الفيصل» في المؤتمر اعتبرتها إيران دعما صريحا للمنظمة التي تعتبرها طهران منظمة إرهابية. واتهم مستشار الخارجية الإيرانية «حسين أمير عبداللهيان» السعودية بتقديم الدعم المالي والأمني للإرهاب، كما استخدم «عبداللهيان» نبرة تهديدية عندما أكد أن قضية الأمن في المنطقة مترابطة ولا يمكن استخدام الإرهابيين لزعزعة الأمن في المنطقة والحفاظ على السعودية آمنة، فيما اعتبر مسئولون إيرانيون أن المشاركة السعودية العلنية في مؤتمر المعارضة الإيرانية هي مشاركة «وقحة».
مقامرة غير محسوبة
وبغض النظر عن تصريحات «عبد اللهيان» وغيره من المسؤولين الإيرانيين، فقد أشار عدد من الخبراء في الشأن الإيراني بأن تعويل السعودية على مجاهدي خلق لا يتوقع منه أن يأتي بنتائج مثمرة. فعلى سبيل المثال قالت الباحثة في الشأن الإيراني بمركز الجزيرة للدراسات «فاطمة الصمادي» أن مراهنة العرب بهذا الشكل الاندفاعي على التغيير في إيران على طريقة «مريم رجوي» لن يفيد حيث أن عائلة «رجوي» لا تحظى باحترام في إيران بسبب موقفها في الحرب العراقية وعلاقتها بالرئيس العراقي الراحل «صدام حسين»، ولهذا فإن مراهنة السعودية على «مجاهدي خلق» غير مجدية، ولا تبدو مستندة على حسابات.
وقالت الباحثة في معرض تعليقها على مشاركة «الفيصل» في المؤتمر بأن «بعض الناس يعشقون الملفات الخاسرة».
وترى الباحثة بأن التغيير القادم في إيران هو تغيير اجتماعي تفرضه تحولات المجتمع الإيراني نفسه ولن يأخذ شكلا عنيفا أو ثوريا وسيتم بصورة إحلالية على يد الأجيال الجديدة من أبناء الجيل الذي أنجز الثورة.
وفي ذات السياق اعتبر عدد من الباحثين الإيرانيين بأن رهان السعودية على جماعة مجاهدي خلق هو رهان خاسر لأن المنظمة أو الجماعة لم تعد تشكل خطرا على النظام الإيراني في الوقت الحالي، كما أن كثيرا من المحللين السعوديين المؤيدين لدعم المعارضة الإيرانية أكدوا ضرورة البناء على هذه الخطوة وهذا يدل على أن الأمر يحتاج وقتا طويلا في حال نجاحه.
ومن المتوقع أن الحديث العلني عن الدعم السعودي للمعارضة الإيرانية سيؤجج ويفاقم الصراع، وخاصة الصراع بالوكالة في اليمن وسوريا والبحرين ولبنان.
أما المفكر الموريتاني «محمد مختار الشنقيطي» وفي معرض نقده لمهاجمة «الفيصل» لحركة «حماس» واتهامها بتنفيذ مخططات الفوضى الإيرانية خلال كلمته في المؤتمر، فقد أكد أن مواجهة إيران الجادة تكون عبر «تسليح الأحرار الذين يقاتلونها في سوريا بأسلحة نوعية وليس بالخطابات التطبيعية»، مؤكدا أن المواجهة الحقيقية مع إيران هي في العراق وسوريا ولن تكون في باريس.
وتعليقا على ما ذكره «الشنقيطي» فإن هناك علاقة ثمة علاقة على ما يبدو بين مؤتمر المعارضة الإيرانية، التي تتهم بتلقي تدريبات من الموساد الإسرائيلي، مع اتهامات بدورها في الكشف عن المشروع النووي الإيراني، وبين دعوات «الفيصل» لتطبيع العلاقات السعودية الإسرائيلية ولقاءاته بالمسئولين الإسرائيليين.
الهجوم غير المبرر على حركة «حماس» وضع «تركي الفيصل» في سلة واحدة مع قيادي بالحري الثوري الإيراني شن بدوره هجوما على الحركة، وهو ما زاد من خلط الأوراق واستدعى تساؤلا حول حسابات الرياض المرتبكة في تحديد الحلفاء التي تجعلها ترمي بكل ثقلها وراء «مجاهدي خلق» بينما تواصل خسارة جمهور الحركات الإسلامية السنية الواسع الانتشار.
وعلى أية حال يبدو أن الخطوة السعودية عبر مشاركة «الفيصل» والتي جاءت استجابة ربما للتغول العلني لـ«قاسم سليماني» وميليشياته في المنطقة ليست سوى خطوة تهدف إلى استفزاز إيران، دون أن تحمل بين طياتها حسابات أوفرصا حقيقة يمكن للسعودية الرهان عليها.
أسامة محمد - الخليج الجديد-