السعودية، رقم صعب في معادلة علاقة مصرية إيرانية، وجدت هذه الأيام ضالتها المنقطعة منذ 1978.
ففرص التقارب بين البلدين، في المرحلة الحالية، خاصة بعد علاقات متوترة بين مصر والسعودية، وعدوتها إيران، يعد أفضل من أي وقت مضى.
صورة مرشد إيراني «علي خامئني»، في إعلان كبيرة بشوارع القاهرة، حتى وإن كان ضمن دعائية لقناة فضائية، إلا أن الرقابة المصرية وافقت عليها، رغم أن «خامئني» يظهر وهو يلتقط صورة «سيلفي» وخلفة معالم لدول خليجية، وهو ما اعتبره الكاتب السعودي «جمال خاشقجي»، بمثابة «قلة ذوق».
كما تعتبر سوريا، وما تحمله من ملفات إقليمية، وتشابك للعلاقات، فرصة أخرى للتقارب بين مصر وإيران.
قطع العلاقات
البداية كانت في 1978، عندما توترت العلات بين القاهرة وطهران، على خلفية توقيع مصر اتفاقية السلام مع (إسرائيل) المعروفة باسم «كامب ديفيد»، ومن ثم استضافة الرئيس المصري الراحل «أنور السادات» لشاه إيران المخلوع «محمد رضا بهلوي» بعد الثورة الإيرانية في العام 1979.
ثم قطعت مصر العلاقات مع إيران، وطردت سفيرها إثر قيام الأخيرة بتسمية شارع في طهران باسم «خالد الإسلامبولي»، العقل المدبر لاغتيال الرئيس المصري الأسبق «محمد أنور السادات»، عقب أيام من إعدامه في 15 أبريل/ نيسان 1982.
وظلت العلاقات متوترة، في عهد الرئيس المصري الأسبق «حسني مبارك»، رغم اللقاء الذي عقده مع نظيره الإيراني «محمد خاتمي» في ديسمبر/ كانون الأول 2003، على هامش القمة العالمية لمجتمع المعلومات في جنيف.
ورغم أن الاجتماع كان الأول من نوعه بين رئيسَي إيران ومصر منذ قيام الثورة الإسلامية عام 1979، وواكبته أحاديث عن التقارب بين البلدين، فإن شيئًا من هذا القبيل لم يحدث.
وعقب الثورة المصري في 2011، وانتخاب الرئيس «محمد مرسي»، في يونيو/ حزيران 2012، بدأ الحديث مجددا عن عودة العلاقات بين البدين، خاصة مع زيارة قام بها الرئيس المصري إلى طهران، لرئاسة تسلم حركة «عدم الانحياز»، في أغسطس/ آب 2012.
ودارت أحاديث كثيرة عن أن «مرسي» سيلتقي بمسؤولين إيرانيين لبحث استئناف العلاقات، إلا أن الرئيس المصري اجتمع فقط مع نظيره الإيراني «محمود أحمدي نجاد» على هامش القمة وغادر بعدها البلاد.
وقبل الاجتماع، تحدث «مرسي» عقب تسلمه رئاسة الحركة، ووجه انتقادات حادة للنظام في سوريا (المدعوم من إيران)، فانسحب الوفد السوري من الجلسة، فيما لم يتطرق الرئيس «نجاد» لهذا الملف في كلمته على الإطلاق.
وعقب ذلك، وتحديدا في فبراير/ شباط 2013، سافر الرئيس الإيراني حينها «نجاد»، إلى القاهرة، في زيارة تاريخية استقبله خلالها «مرسي»، لكن مرة أخرى لم تشهد العلاقات عودة حقيقية إلى مستوى الدفء.
أسباب
الصحفي الإيراني «روح الله فقيهي»، قال في مقال له قبل يومين في صحيفة «المونتور»، إن ثلاثة قيود رئيسية، كانت مفروضة على الجانب المصري، يرى أنها هي التي عرقلت تطبيع العلاقات بين البلدين.
وأوضح أن هذه الأسباب تتلخص في السياسة الأمريكية الساعية إلى عزل إيران، إلا ان هذه السياسة ضعفت منذ توقيع الاتفاق النووي بين إيران والدول الكبرى.
أما ثاني هذه الأسباب، بحسب «فقيهي»، فهي السياسة المواجهة التي تنتهجها (إسرائيل) مع إيران، والتي تصاعدت عقب التوصل إلى خطة العمل المشتركة الشاملة.
وعن السبب الثالث، أوضح أنه يقصد به سياسة المملكة العربية السعودية التي تسعى لكبح النفوذ الإيراني، وهي الجهود التي تزايدت في أعقاب الربيع العربي والاتفاق النووي.
سوريا بداية التقارب
وعقب الانقلاب في مصر، بدأت الأوضاع تتغير تدريجيا، فتغير موقف مصر من الأزمة السورية، وبات أقرب لموقف إيران وروسيا الداعم لـ«بشار الأسد»، عنه لموقف السعودية، حتى ظهر هذا قبل أسبوعين، عندما صوتت مصر في مجلس الأمن لصالح مشروع قرار روسي، كانت السعودية ودولا عربية وإسلامية تعارضه.
حتى أن السعودية اعتبرت هذا التصويت «لم يكن مفاجئاً»، ولكنها وصفته بـ«المؤلم»، مستغربة تباعد الموقف المصري عن نظيره العربي، وذلك على لسان مندوب السعودية الدائم لدى الأمم المتحدة الدكتور «عبدالله المعلمي».
سبق هذا التصويت، لقاء في 23 سبتمبر/ أيلول الماضي، عندما التقى وزير الخارجية الإيراني «محمد جواد ظريف» نظيره المصري «سامح شكري»، على هامش قمة الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، وكانت الأزمة السورية كانت الموضوع الرئيس على مائدة النقاش.
كما أعلنت القاهرة ودمشق، قبل أيام، عن الزيارة التي قام بها مدير مخابرات النظام السوري اللواء «علي المملوك» إلى مصر، مطلع الأسبوع الجاري، والتقى خلالها مسؤولين أمنيين كبار، على رأسهم اللواء «خالد فوزي» مدير جهاز المخابرات المصري.
أعقب لقاء «ظريف-شكري»، لقاء آخر بين الرئيس الجديد لمكتب رعاية المصالح المصرية في طهران «ياسر عثمان»، ومستشار رئيس البرلمان الإيراني للشؤون الدولية «حسين أمير عبد اللهيان».
وأعرب المستشار الإيراني خلال اللقاء عن حماس بلاده للتعاون مع مصر حول القضايا الإقليمية، بما في ذلك الأزمة السورية، ورد «عثمان» بالإعراب عن أمله للتعاون مع «الأصدقاء الإيرانيين» لتجسير الفجوة بين البلدين.
وجاءت هذه التصريحات، رغم مشاركة عدد من نواب البرلمان المصري، في مؤتمر المعارضة الإيرانية الذي عُقد في العاصمة الفرنسية باريس يوليو/ تموز الماضي، ما دفع طهران لاستدعاء رئيس مكتب رعاية المصالح المصرية، لإبلاغها اعتراضها على هذه المشاركة.
توتر مع السعودية
وعلى الرغم من ضخ السعودية قرابة 30 مليار دولار، وفق تقديرات اقتصادية، لصالح نظام «السيسي»، منذ الانقلاب، فإن بوصلة القاهرة، خرجت عن طوع الرياض، وباتت في خط مضاد للمواقف السعودية، في ملفات حساسة للأمن القومي الخليجي والعربي، يتصدرها ملفي سوريا واليمن.
وكانت السعودية تتوقع من مصر إرسال قوات برية كجزء من القتال ضمن قوات التحالف العربي في اليمن، لكن القاهرة رفضت، وتجاهلت وعود رئيسها ضمن سياسة «مسافة السكة» التي أعلنها مرارا «السيسي» لحماية الأمن القومي العربي.
واتهم مسؤول يمني، البحرية المصرية، بتسهيل دخول السلاح للحوثيين وحلفائهم، مشيرا إلى أن القاهرة فتحت مع المتمردين الحوثيين، قنوات تواصل مع الاستخبارات المصرية، تحديداً بعد ثلاثة أشهر من انطلاق عملية «عاصفة الحزم»، وهو الأمر الذي لم تنفيه القاهرة.
لكن أجواء التوتر خيمت بكثافة حول مستقبل العلاقات المصرية السعودية، على خلفية تصويت القاهرة لصالح قرار روسي في مجلس الأمن الدولي يتعلق بالأزمة السورية.
قرار آخر سعودي من شركة «أرامكو»، بوقف إمداداتها النفطية لمصر، قبل مغادرة سفير المملكة العربية السعودية لدى القاهرة «أحمد القطان» إلى الرياض، بشكل طارئ، دون أن يعلن الأسباب.
كما ان الإعلان عن زيارة «المملوك» للقاهرة، كانت بمثابة رسالة من «السيسي» للسعودية، أن ثمة ما يجمع مصر مع المحور السوري الروسي الإيراني وهو قابل للزيادة.
كما يزيد من حجم التوتر، أن مصر تتمتع بعلاقات وثيقة مع خصم سعودي آخر، متمثلا في الحكومة العراقية التي يقودها الشيعة، وتدعمها طهران.
ردا على التوبيخ السعودي، صعدت صحف مصرية من لهجتها ضد المملكة العربية السعودية، واتهمت صحيفة «الوطن» المصرية، المعروفة بقربها من أجهزة أمنية وسيادية في البلاد، الملك «سلمان بن عبدالعزيز» بدعم جماعات إرهابية وتمويل تنظيمات متطرفة في المنطقة.
كما شن إعلاميون مصريون، على صلات قوية بالأجهزة الأمنية في البلاد، حملة عنيفة ضد المملكة العربية السعودية، بلغت إهانة الملك ونجله، وامتدت إلى إطلاق تهديدات بوقف رحلات العمرة والحج للأراضي المقدسة، وفتح أبواب التطبيع مع إيران «العدو اللدود للمملكة»، وشراء النفط الإيراني بديلا للنفط السعودي.
فيلم الحارس
قبل أسابيع، كشفت وكالة «فارس» الإيرانية، عن قرب عرض فيلم «باديجارد» (الحارس) الذي مول إنتاجه الحرس الثوري الإيراني، في القاهرة، وتدور قصته حول شخصية قائد فيلق القدس الجنرال «قاسم سليماني».
وأوضحت الوكالة حينها أن «باديجارد» تم عرضه في صالات دمشق، وسوف يتم عرضه في سبع صالات في العاصمة المصرية القاهرة، وثلاثة صالات أخرى في مدينة الإسكندرية.
مراقبون، انتقدوا موافقة مصر على عرض فيلم يمجد شخصية عسكرية إيرانية ملطخة يدها بدماء الشعب السوري.
وربما، تمثل موافقة مصر على عرض الفيلم، بحسب المراقبين، استفزازًا كبيرًا للسعودية ودول الخليج العربي بشكل عام، بعد الاتهامات الرسمية من قبلها للحرس الثوري الإيراني و«سليماني» بالتدخل العسكري التخريبي عبر مليشيات طائفية مسلحة في دول الخليج.
المد الشيعي
الإعلامي المصري «خالد صلاح»، أشار قبل أسابيع، ومع بدء الأزمة المصرية السعودية، في برنامجه عبر فضائية «النهار»، إلى أن هناك برنامجًا يبث على قناة «فدك» الشيعية يُدعى «مصر الفاطمية»، يخاطب المجموعات الشيعية داخل مصر، ويتلقى اتصالات هاتفية من الشيعة المصريين.
وبحسب الفيديو الذي أذاعه البرنامج، فإن شيخ شيعي عراقي يزعم أنه لا يستطيع أحد أن ينكر المد الشيعي في مصر، وأن أغلب أهل مصر على مذهب الشيعة.
وقال «صلاح» خلال البرنامج إن المصريين لا يتساءلون فيما بينهم حول مذهبهم، سواء كان سنيا أو شيعيا.
مستقبل
الكاتب الإيراني «فقيهي»، ذكر في مقاله، أن هذه التفاعلات المتزايدة بين إيران ومصر يبدو أنها أغضبت السعودية، مستشهدًا بتقرير نشرته وكالة «سبوتنيك» الروسية في 26 سبتمبر/ أيلول الماضي، قال إن مسؤولًا سعوديًا بارزًا اتصل بالرئيس المصري للتعبير عن غضبه عقب لقاء «ظريف-شكري»، بل وهدد بقطع المساعدات إلى القاهرة.
ورأى «فقيهي» أن «الصورة الكبيرة لسلسلة الاجتماعات الأخيرة بين كبار المسؤولين الإيرانيين والمصريين قد تكون مؤشرا على بداية تعاون غير مسبوق بين البلدين.
وتابع: «في نهاية المطاف، قد يؤدي هذا الدفء إلى تطبيع العلاقات، وتنسيق الجهود بشأن الأزمة السورية».
وختم بالقول: «مع ذلك، وعلى الرغم من أن الأزمة السورية يمكن أن تغير قواعد اللعبة في العلاقات بين إيران ومصر، يبقى أن نرى ما إذا كانت مصر سوف تنحاز تماما إلى محور إيران-روسيا، وتقف في وجه الضغوط السعودية والأمريكية».
إسلام الراجحي- الخليج الجديد-