تجنب الحرب بين الرياض وطهران لابد أن يكون الأولوية الأكثر إلحاحا بالنسبة إلى الرئيس الأمريكي القادم في الشرق الأوسط.
كتب الكثير عن الحرب الباردة بين المملكة العربية السعودية وجمهورية إيران الإسلامية. على الرغم من أن هذه المنافسة الاستراتيجية القاتلة لم تسبب اضطرابا كاسحا في الشرق الأوسط، لكن الأزمة اتسعت بشكل كبير وعمقت ذلك الاضطراب الموجود بالفعل.
سواء في العراق أو سوريا، اليمن، أفغانستان، البحرين، لبنان أو في أي مكان آخر، فإن الخلاف بين الرياض وطهران قد عمق الانقسامات المجتمعية والتوترات الطائفية الملتهبة، وأدى إلى الإضرار بجهود لهزيمة تنظيم الدولة الإسلامية و إنهاء الحرب الأهلية في سوريا واستقرار العراق، ووقف القتال في اليمن، وحل الأزمة السياسية في لبنان.
بينما يفضل كلا البلدين دائما خوض المعركة بالوكالة، لأن لديهما ما يخسرونه من مكاسب، أبرزها العلاقات مباشرة مع الدول، فإن الحرب وصلت إلى نقطة الغليان، مما يزيد من احتمال المواجهة المباشرة للمرة الأولى في تاريخ العلاقات العدائية بين البلدين. وأقل بعد لهذه التطورات هو تكثف النقد اللاذع. وقد تراشقت القيادات السعودية والإيرانية بالنقد المتبادل في الآونة الأخيرة، وتشير الاتجاهات الموضوعية أن الأمور تتجاوز التراشقات النارية العاطفية المفاجئة.
في الواقع، هناك خمسة اتجاهات استراتيجية تساعد في تفسير سبب التصعيد الذي قد يؤدي إلى المواجهة الإيرانية السعودية التي صارت الآن أكثر احتمالا الآن من أي وقت مضى.
بؤر التوتر
أولا، هناك ببساطة المزيد من الفرص، أو بؤر التوتر، التي يمكن أن تؤدي إلى الصدام. مع نشوب الانتفاضة العربية في عام 2011، تنافست إيران و السعودية على النفوذ في المقام الأول في العراق، لبنان، البحرين، وإلى حد ما، في الأراضي الفلسطينية من خلال دعم حلفائهما.
اليوم، أصبح صراع السعوديين والإيرانيين أكثر خطورة وديناميكية في سوريا واليمن. في سوريا، تلتزم السعودية بالإطاحة بالرئيس السوري «بشار الأسد»، الحليف المقرب من إيران، وهددت مرارا وتكرارا بتصعيد التدخل العسكري هناك، ربما عن طريق إرسال قواتها الخاصة. حتى يحدث ذلك فعليا، فلا مناص من أن تتدخل الرياض، وهذا يجعلها في مواجهة مع طهران في ساحة المعركة، حيث تقوم القوات الإيرانية وحزب الله اللبناني بقتال كل أعداء «الأسد».
في اليمن، يمتد الصراع إلى أبعد من صواريخ الحوثي التي تهبط على المدن السعودية وصولا إلى مياه الخليج، حيث احتمالات المواجهة بين القوات البحرية الإيرانية والسعودية والنتائج التي يمكن أن تترتب جراء ذلك. في الأسبوع الماضي، حذرت طهران الرياض من الاقتراب من المياه الإيرانية، كما أجرى السعوديون لأول مرة على الإطلاق تدريبات بالذخيرة الحية في مياه الخليج. ولكن الأسطول الخامس الأمريكي في البحرين، لم يشارك، وكان يراقب الميدان عن كثب وبقلق.
القيادة السياسية الجديدة
ثانيا، هناك قيادة سياسية جديدة وشابة في الرياض عازمة على تبني سياسة خارجية سعودية أكثر حزما واتباع نهج أكثر عدوانية تجاه ما يعتبرونه تهديدا وجوديا إيرانيا.
وصل فريق أكثر جرأة في الرياض إلى سدة الحكم، وقد ضاقوا ذرعا بما يعتبرونه «سلبية» الولايات المتحدة فيما يتعلق بالتجاوزات الإيرانية في المنطقة، وهذه القيادة حريصة على تولي زمام الأمور بنفسها.
سياسة الولايات المتحدة «غير المؤكدة»
ثالثا، لا يهم كم مرة اتهمت فيها إدارة «أوباما» باتهامات الانفصال عن الشرق الأوسط. الشركاء الإقليميون للولايات المتحدة مقتنعون أن واشنطن انسحبت، أو ما هو أسوأ، أنها قمت بتسليم مفاتيح المنطقة لأسوأ عدو لهم في طهران.
والنتيجة هي أن العواصم الخليجية تعيش الآن حالة من عدم اليقين فيما يتعلق بسياسة الولايات المتحدة. وفي كل مرة تقوم واشنطن بانتقاد الرياض بصراحة بسبب الحرب في اليمن أو دعم الأيديولوجية المتطرفة في المنطقة، تظهر طهران كمستفيد أول. وهذا يجعل دول الخليج بحاجة لضبط افتراضاتها عن الالتزامات الأمنية الأمريكية تجاهها.
روسيا
روسيا حاليا هي لاعب أمني كبير في منطقة الشرق الأوسط. وفي حين طهران لا تريد لموسكو التعدي على مجال نفوذها، فإن الواقع هو أن الإيرانيين يريدون الاستفادة بشكل كبير من شريك أمني جديد قادر على تحقيق أهدافهم الاستراتيجية.
يزيد المحور الناشئ بين إيران وروسيا من احتمال الانخراط في أعمال أكثر عدوانية واستفزازية يمكن أن تؤدي إلى حرب مع السعودية.
قدرات إيران الهجومية
وأخيرا، تحسنت قدرات إيران الصاروخية بشكل كبير، وهذا يعطيها وسائل جديدة وقوية للانخراط في أعمال هجومية لم تكن قادرة عليها من قبل.
تركزت جهود إيران على مدى السنوات القليلة الماضية على تحسين دقة وزيادة مدى صواريخها من أجل إحداث تحول في قوة الردع.هذا لا يعني أن قدرات إيران العسكرية المعززة سوف تشجعها على التصرف بطريقة غير منطقية أو تتجاهل للوجود العسكري الهائل لواشنطن في المنطقة. ولكن صواريخ أكثر دقة توفر لطهران مجموعة من الخيارات العسكرية الأخرى وزيادة وتزيد هامش المرونة التشغيلية في تحدي الخطط الأمريكية في الخليج.
العداء المستمر منذ عقود بين السعودية وإيران يسبق وجود «أوباما». ولكن خلال فترة رئاسته، مع استثناء ملحوظ لاتفاق الحد من التسلح المحدود الذي تم التوصل إليه مع طهران لوضع حد لبرنامجها النووي على مدى العقد المقبل، فإنه لم يفعل سوى القليل جدا، للحد من الاتجاهات الاستراتيجية المقلقة لإيران.
هذا هو أحد الأسباب المهمة لماذا نعتقد أن خطر وقوع نزاع سعودي إيراني في الشرق الأوسط هو اليوم أكثر احتمالا مما كان عليه في أي وقت مضى. تجنب مثل هذه الحرب لابد أن يكون الأولوية أكثر أهمية وإلحاحا للرئيس الأمريكي المقبل في الشرق الأوسط.
نيوزويك- ترجمة وتحرير أسامة محمد - الخليج الجديد-