يتجه زعيم مسيحي مخضرم حليف لحزب الله لملء الفراغ الرئاسي اللبناني في صفقة تعزز صعود حلفاء إيران وتشير إلى تراجع الدور السعودي في البلاد.
وبحسابا الكتل التصويتية في مجلس النواب اللبناني، أصبح من شبه المؤكد أن ميشال عون سيصبح رئيسا للبلاد الأسبوع المقبل بناء على ترشيح غير متوقع من قبل الزعيم السني «سعد الحريري» الذي قاد تحالف القوى المدعومة من السعودية على مدى عقد من الصراع السياسي مع حزب الله وحلفائه المدعومين من إيران.
ومن المرجح أن ينتخب البرلمان «عون» وهو في الثمانينات من عمره في 31 أكتوبر/تشرين الأول الجاري مما يفتح الطريق أمام تشكيل حكومة جديدة برئاسة «الحريري».
ومن شأن هذا الانتخاب أن ينهي أحد عناصر الأزمة التي شلت البلاد وهو ملء الفراغ الرئاسي الذي دام 29 شهرا.
لكن من شأن الانتخاب أيضا أن يؤدي إلى توتر جديد قد يساهم في تعطيل تشكيل الحكومة الجديدة، وستطرح أيضا أسئلة حول سياسة الغرب تجاه لبنان.
ويعتمد الجيش اللبناني وهو دعامة أساسية لاستقرار لبنان على مساعدات عسكرية من الولايات المتحدة التي تعتبر حزب الله جماعة إرهابية.
ويبدو أن هذا الاقتراح الذي لم يكن يخطر على بال أحد حتى وقت قريب جاء بسبب المأزق المالي الذي يواجهه «الحريري» جراء أزمة مالية تواجهها شركته للتطوير العقاري بالسعودية.
و«سعودي أوجيه» هي المحرك المالي وراء التيار السياسي الذي تقوده عائلة «الحريري» وقد تضررت بشدة في الآونة الأخيرة جراء التباطؤ في قطاع البناء السعودي المرتبط بهبوط أسعار النفط مما أدى إلى خفض الإنفاق الحكومي وتسبب في تسريح موظفين من تيار المستقبل.
ويؤذن ذلك باحتضار التحالف الذي يقوده «الحريري» -والذي واجه حزب الله الشيعي المدجج بالسلاح لأكثر من عقد من الزمن- في الوقت الذي تزداد فيه قوة الحزب الشيعي في لبنان والمنطقة.
ومع إدراكها صعوبة هزيمة حزب الله فيما يبدو فإن لبنان تراجع إلى قاع قائمة الأولويات الإقليمية للمملكة العربية السعودية بسبب انشغال السعودية بمواجهة إيران في اليمن والبحرين وسوريا حيث يقاتل حزب الله لدعم «بشار الأسد».
ودفع هذا حلفاء الرياض في لبنان لعقد صفقات جديدة من أجل الحفاظ على مصالحهم، وكان المنافس الأبرز لـ«عون» في زمن الحرب الزعيم المسيحي «سمير جعجع» قد وافق في وقت سابق من هذا العام على ترشيحه.
وقال «نبيل بو منصف» المعلق السياسي في جريدة «النهار» اللبنانية: «لم يعد لبنان أولوية لدى المملكة العربية السعودية ولم تعد السعودية تدعم حلفاءها في لبنان الأمر الذي أدى إلى إضعاف الرمز الأساسي للسعودية وحليفها الأساسي في لبنان الذي هو الرئيس سعد الحريري وباقي الأطراف في 14 آذار».
وكان رئيس الوزراء اللبناني الأسبق «سعد الحريري» أعلن الأسبوع الماضي في خطاب نقله التلفزيون تأييده ترشيح خصمه لرئاسة البلاد مؤكدا أن قبوله بذلك هو «تسوية سياسية» خوفا على لبنان في ظل شلل الحكومة منذ بداية الحرب السورية.
ولكن ما يجري الآن ينظر إليه على أنه هزيمة لمعسكر «الحريري» حيث قال «بومنصف»: «نحن الآن أمام فريق سلم أمام فريق آخر.. هناك منتصر ومنكسر.. هناك غالب ومغلوب. هذا الأمر في لبنان يرتب دائما تداعيات خطرة على المستويات الأمنية والسياسية والاقتصادية وغير ذلك».
وأضاف: «نحن أمام انفراج في انتخاب رئيس جمهورية ولكننا أمام حقول الغام في اليوم التالي».
هل هي نهاية سعيدة؟
ومنصب الرئيس في لبنان المخصص للمسيحيين الموارنة ضمن نظام لتقاسم السلطة بين الطوائف شاغر منذ انتهاء ولاية الرئيس السابق «ميشال سليمان» في مايو/أيار عام 2014.
ولطالما طمح «عون» الذي تولى منصب قائد الجيش إبان الحرب الأهلية بهذا الموقع ويعتقد مؤيدوه أن زعيمهم له الحق بهذا المنصب كون حزبه تفوق على أي جماعة مسيحية أخرى وفاز بأكبر عدد من المقاعد في المجلس النيابي الذي تم انتخابه في 2009 عندما أجريت آخر انتخابات في البلاد.
وكان «عون» قد ترأس إحدى حكومتين متنافستين خلال السنوات الأخيرة من الحرب الأهلية حتى أجبرته القوات السورية على مغادرة القصر الرئاسي إلى المنفى عام 1990.
وعاد إلى البلاد في 2005 بعد انسحاب الجيش السوري تحت ضغط دولي عقب اغتيال رئيس وزراء لبنان الأسبق «رفيق الحريري».
وكان «عون» نسج تحالفا فاجأ الكثيرين مع «حزب الله» في فبراير/شباط عام 2006، وظل داعما لحزب الله خلال الحرب مع (إسرائيل) عام 2006 فيما كانت الجماعة الشيعية توجه اتهامات للبنانيين آخرين بالتآمر مع أعدائها.
وفي وقت لاحق نزل أنصار «عون» إلى الشوارع جنبا إلى جنب مع حزب الله ضد حكومة رئيس الوزراء السابق «فؤاد السنيورة» المدعومة من «الحريري».
وفي عام 2011 أطاح حزب الله وحلفاؤه بما فيهم «عون» بالحكومة التي كانت برئاسة «الحريري» بعد استقالة جميع وزرائهم بينما كان «الحريري» في زيارة رسمية إلى واشنطن.
وفسر «الحريري» قراره تأييد «عون» قائلا إنهما اتفقا على مبادىء مشتركة بما في ذلك إعادة تنشيط مؤسسات الدولة والاقتصاد والخدمات الأساسية للدولة التي فشلت حتى في حل أزمة التخلص من القمامة.
وفي الوقت نفسه التقى «عون» زعيم حزب الله «حسن نصر الله» يوم الأحد الماضي لشكره على التوصل إلى «نهاية سعيدة» للأزمة الرئاسية، لكن المحللين يخشون أن يستغرق الاتفاق على تشكيل حكومة جديدة شهورا.
وانتقد رئيس مجلس النواب «نبيه بري» ورئيس حركة أمل الشيعية المتحالفة مع حزب الله والمعارض لـ«عون» منذ فترة طويلة بشدة صفقته مع «الحريري» وغضب لأنه لم يتم التشاور معه على نطاق واسع.
وقال «بري» إن الأمر قد يستغرق ما بين خمسة إلى ستة أشهر لتشكيل الحكومة وهذا يعني أن نصل إلى الانتخابات البرلمانية التي من المقرر أن تجرى في صيف العام المقبل.
وقال دبلوماسي: «هناك خطر جدي تماما بأن سعد الحريري إما أن يفشل في تشكيل الحكومة أو أن يأخذ وقتا طويلا».
تساؤلات حول الدعم العسكري
وستراقب الدول الغربية التي تعتبر حزب الله منظمة إرهابية عن كثب مسار الأمور لمعرفة كيفية إدارة «عون» لمؤسسات الدولة ولاسيما الجيش الذي يعد خامس أكبر متلق في العالم للمساعدات العسكرية الأمريكية.
وأضحى دعم الولايات المتحدة للجيش اللبناني أكثر أهمية منذ إلغاء المملكة العربية السعودية حزمة مساعدات بثلاثة مليارات دولار للجيش والقوى الأمنية الأخرى في فبراير/شباط بسبب عدم إدانة الحكومة لهجمات على بعثات دبلوماسية سعودية في إيران.
ووجه «الحريري» الاتهام في ذلك إلى وزير خارجية لبنان «جبران باسيل» صهر «عون» ورئيس التيار الوطني الحر.
وقال دبلوماسي إن وصول «عون» إلى سدة الرئاسة سيثير المزيد من التساؤلات حول المساعدات العسكرية التي تساعد الجيش على صد المسلحين المتشددين في المنطقة الحدودية بين لبنان وسوريا.
وقال الدبلوماسي: «إذا الجيش أصبح وكأنه ولاية عونية سيكون من الصعب على الدول الغربية المانحة أن تستمر في دعم القوات المسلحة».
رويترز-