لم يكن العام الماضي عامًا طيبًا تمامًا للمملكة العربية السعودية. مصاعب مالية وسط أسعار رخيصة للنفط، وهجمات لتنظيم الدولة داخل الأراضي السعودية، ومستنقع مكلّف في اليمن، ونكسات في سوريا، كل ذلك أضعف من وضع المملكة في المنطقة. ورغم هذه التحدّيات، تمكّنت السعودية من إنشاء شبكة من الدول السنّية داخل إطار التحالف العسكري الإسلامي لمحاربة الإرهاب. وعلى الرغم من أنّ الغرض المعلن من التحالف الذي تدعمه الولايات المتّحدة هو سحق «الدولة الإسلامية» والقاعدة والجماعات المتطرّفة، إلّا أنّ الغياب الملحوظ لإيران والعراق عن التحالف، يتماشى مع موقف الرياض العدائي ضدّ إيران.
وفي الشهر الماضي، أحرزت المملكة نصرًا جديدًا بضمّ عضو جديد للتحالف، وهي عمان. وبالنسبة للسلطنة، التي نأت بنفسها طويلًا عن جهود الرياض لعزل طهران، فإن انضمامها للتحالف يثير تساؤلات مهمّة حول أجندة السياسة الخارجية لمسقط مع تفاقم حجم التوتّرات بين دول الخليج وإيران. سارعت السعودية في تحيّة عمان على قرارها بأن تصبح العضو رقم 41 في تحالفها، في إشارة إلى قوّة مجلس التعاون الخليجي وإلى «فصل جديد من الوحدة الإقليمية والإسلامية».
السلطنة والمملكة
وكجار وعضو في مجلس التعاون الخليجي، حافظت عمان والسعودية على تحالف وثيق منذ وقت طويل، لكنّ علاقات مسقط الوثيقة بطهران قد خلقت تصدّعات في العلاقات العمانية السعودية. وباستضافة مسقط لمحادثات سرية بين المسؤولين الأمريكيين والإيرانيين، والتي قادت إلى إتمام الاتفاق النووي الإيراني التاريخي في عام 2015، فقد أثار المسؤولون العمانيون استياء نظرائهم في السعودية. وفي الآونة الأخيرة، اتّهم مسؤولون سعوديون عمان، التي حافظت حتّى الآن على الحياد بالنسبة لحرب اليمن، بالسماح بتهريب الأسلحة عبر الحدود العمانية اليمنية إلى أيدي مقاتلي الحوثيين، وهو الادّعاء الذي أنكره المسؤولون في مسقط.
وخلال جولته الأخيرة في دول مجلس التعاون الخليجي، لوحظ استبعاد الملك «سلمان بن عبد العزيز» لعمان من الرحلة، الأمر الذي أشار إلى استياء الرياض من العلاقات الوثيقة بين عمان وطهران، حتّى وإن لم يصرّح المسؤولون السعوديون أبدًا عن استيائهم من السلطنة. ووفقًا لمسؤول بارز سابق بمجلس التعاون الخليجي، يرى البعض داخل المجلس حياد عمان بأنّه «حياد سلبي»، حيث تسعى السعودية وباقي دول المجلس لإنشاء خليج عربي متّحد ضد إيران وحلفائها في المنطقة من لبنان إلى اليمن.
لم يتفاجأ المراقبون من سياسة عمان الخارجية عندما تجنّبت الانضمام إلى التحالف الإسلامي العسكري في بداياته في ديسمبر/ كانون الأول عام 2015. فلم تنظر مسقط أبدًا لإيران كمصدر للتهديد وكثيرًا ما رفضت اتّباع خطى الرياض بشأن المسائل التي تتعلّق بإيران.
الحياد الإقليمي
علاوة على ذلك، في السنوات الأخيرة، دفعت مجموعة كبيرة من العوامل عمان للاستثمار في علاقتها بإيران، وأهمّها خطط مسقط وطهران لاستكمال مشروع خط أنابيب الغاز الطبيعي تحت سطح البحر، الأمر الذي يجعل عمان الدولة الأولى في مجلس التعاون الخليجي التي تطور بنية تحتية تربط بشكل مباشر بين شبه الجزيرة العربية وإيران. وعلاوة على ذلك، من الأسباب الرئيسية لتحوّل عمان نحو توثيق علاقتها بإيران، هو تفكير مسقط الاستراتيجي بأنّ عمق علاقاتها مع طهران يعطيها استقلالا أكبر عن السعودية كقوّة مسيطرة على مجلس التعاون الخليجي، والتي يراها العمانيون غالبًا جارًا طاغيًا. ولا نفتقد في المعادلة حقيقة حمل العديد من رجال الدين السعوديين وجهات نظر متعصّبة ضد المسلمين الإباضية. وبطبيعة الحال، هذا لا يعجب العمانيين، الذين يعتنق غالبيتهم مذهب الإباضية، وهو مذهب مسالم ومتسامح من الإسلام. وكان الحفاظ على الاستقلال عن السلطة الجيوسياسية والدينية للمملكة دائمًا ركيزة أساسية في سياسة عمان الخارجية.
ومن السابق لأوانه القول بأنّ عمان قد تخلّت عن حيادها الإقليمي بانضمامها للتحالف الإسلامي العسكري لصالح تحالف أوثق مع الرياض وأبوظبي. وعلى الأرجح، تؤكّد عمان على التزامها بالعمل مع دول الخليج العربي في السعي لدرء التهديدات العابرة للحدود من الجماعات الجهادية السلفية المتطرفة والعنيفة مثل القاعدة في شبه الجزيرة العربية و الدولة الإسلامية في اليمن، وهو ما لا يعطي أي مؤشر على أنّ مسقط تخطّط لتغيير جذري في سياستها الخارجية أو تراجع علاقتها بطهران.
وفي الحقيقة، في فبراير/ شباط ومارس/آذار الأخيرين، بعد شهرين من إعلان ولي ولي العهد السعودي وزير الدفاع الأمير «محمد بن سلمان» إطلاق التحالف العسكري الإسلامي لمحاربة الإرهاب، بدأت 19 دولة من دول التحالف مناورات تدريبية مشتركة في السعودية سمّيت بـ «رعد الشمال». وبالرغم من أنّ عمان لم تكن عضوًا في التحالف ذلك الوقت، إلّا أنها شاركت في التدريبات التاريخية بين 20 دولة عربية ومسلمة. وأكّدت مسقط بمشاركتها رغبتها في العمل مع قوّات التحالف من خلال تبادل المعلومات الاستخباراتية وتعزيز مبادرات مكافحة الإرهاب في شبه الجزيرة العربية حتّى وإن كان العمانيون حذرين بشأن الانضمام رسميًا إلى التحالف. ببساطة، أرادت مسقط معرفة المزيد عن الغرض من التحالف الذي تقوده الرياض والتعرّف على الأساليب قبل الدخول إليه.
وليس من الواضح أنّ انضمام السلطنة للتحالف سيسبّب أي معاناة للتعاون العماني الإيراني. فلدى إيران العديد من المصالح في الحفاظ على علاقتها الناضجة متعدّدة الأوجه مع مسقط، ومن غير المرجّح أن يبتعد الإيرانيون عن عمان بسبب هذا القرار. وعلى الأرجح أقدمت عمان على هذه الخطوة وأصبحت العضو رقم 41 في التحالف بعد أن تأكّدت أنّ الخطوة لن تأتي على حساب العلاقة بينها وبين طهران. وعلى افتراض استمرار التدريبات العسكرية المشتركة بين مسقط وطهران في مضيق هرمز، ستكون السلطنة هي الدولة العربية الوحيدة التي تشترك في تدريبات عسكرية مشتركة مع كل من السعودية وإيران، الأمر الذي يلقي الضوء على الدور الفريد لمسقط في النظام الجيوسياسي في الشرق الأوسط.
تحول في السياسة الخارجية؟
من الصعب تحديد التداعيات الاستراتيجية طويلة المدى من دخول مسقط إلى التحالف. فقد استندت السياسة الخارجية لعمان طويلًا على مبدأي الحياد وعدم التدخّل. وببقائها خارج الحرب الأهلية في اليمن، وعدم انضمامها للتحالف العسكري بقيادة الولايات المتّحدة ضد الدولة الإسلامية في الشام، والامتناع عن التدخّل في الثورة عام 2011 في ليبيا ضد نظامها السابق، تجنّب العمانيون نشر قوّاتهم خارج محيط دول مجلس التعاون الخليجي على عكس ما فعلته باقي دول المجلس في السنوات الأخيرة. وبالنظر إلى أنّ التحالف العسكري الإسلامي مبني أساسًا على عموم المسلمين السنّة الذين يعملون معا لمحاربة الإرهابيين في جميع أنحاء العالم الإسلامي، فإنّ مشاركة عمان النشطة في مثل هذه الانتشارات، إذا حدثت، ستكون علامة على تغيّر كبير في السياسة الخارجية لمسقط. ومع ذلك حتّى الآن، لا يوجد دليل على وجد أي خطّط لدى العمانيين للشروع في مثل هذا التحوّل.
وفي حين تتفاقم التوتّرات بين السعودية وإيران، ستزداد صعوبة قدرة مسقط على الحفاظ على التوازن في علاقتها مع البلدين. ومع ذلك، بالنسبة للسلطنة، فإنّ تعزيز مكانها كمنصّة محايدة لإجراء المحادثات من أجل حل الأزمات الأمنية الإقليمية والعالمية كان دائمًا أولوية قصوى. وعلى الرغم من اعتبار المسؤولين في الرياض وطهران أن منافسة بينهم معادلةً صفرية، لا ترى عمان ذلك.
ترى مسقط أنّ مصالحها ستتحقّق على الوجه الأكمل بتوثيق علاقاتها بدول مجلس التعاون الخليجي الخمسة وكذلك بإيران. ومن المرجّح، بحسب ما يقال، أنّ العام الجديد سيشهد ضغطًا أكبر من السعودية على عمان من أجل تحالف أوثق على حساب طهران، الأمر الذي يمثّل تحدّيًا أمام محاولات مسقط من أجل الحفاظ على دورها الفريد في المنطقة كحليف لكلا البلدين، السعودية وإيران. وفي الواقع، لم يذكر أحد أنّه من السهولة بمكان اتّباع سياسة خارجية سويسرية داخل الشرق الأوسط، لكنّ عمان حتّى الآن قد قامت بعمل ممتاز في هذا الجانب.
جورجيو كافييرو - المونيتور- ترجمة وتحرير شادي خليفة - الخليج الجديد-