الزواج علاقة تربط بين طرفين متحابين، ولكن هذه العلاقة حين يكون أحد طرفيها حاكماً أو سياسياً، قد تخضع لحسابات أخرى. ربما يتسبب زواج بتحالف دولتين، ويتسبب الطلاق بانهيار هذا التحالف.
التاريخ العربي حافل بالزيجات السياسية، على رأسها زواج قطر الندى ابنة حاكم مصر، خمارويه بن أحمد بن طولون، من الخليفة العباسي المعتضد، بعد حرب ضروس بينهما انتهت بهزيمة المعتضد.
ولكن خمارويه قرر أن يزيل الخلاف إلى الأبد فأرسل إليه ابنته قطر الندى في موكب مهيب لتكون زوجة له. ومقابل ذلك اعترف الخليفة العباسي بولاية خمارويه على الأراضي الممتدة من غرب العراق حتى برقة في ليبيا، لمدة 30 عاماً، له ولأولاده من بعده، بحسب ما تواتر في كتب التاريخ، ومنها كتاب "الدولة العباسية: مراحل تاريخها وحضارتها" لسوزي حمود.
كذلك هنالك زواج السلطان المملوكي، الناصر محمد بن قلاوون، من الأميرة المغولية، طلنباي، حفيدة جنكيز خان، الذي كان هدفه ترويض المغول بعد هزيمتهم على يد المماليك.
ويروي المقريزي في كتابه "المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار"، أن بن قلاوون طلب من المغول مصاهرتهم، فطلبوا لأميرتهم مهراً باهظاً، وتم الزواج في قلعة صلاح الدين بالقاهرة، بعد مهر قدره 30 ألف دينار.
وشجرة الدر التي جلست على عرش مصر بعد وفاة زوجها السلطان الأيوبي نجم الدين أيوب، لاقت معارضة شديدة من الخليفة العباسي، والأيوبيين في الشام، ومن علماء الأزهر، وعلى رأسهم العز بن عبد السلام، لأنهم لم يقبلوا أن تتقلد امرأة مقاليد الحكم، فتزوجت من عز الدين أيبك، أحد قادة المماليك، ثم تنازلت له عن العرش، بحسب "موسوعة التاريخ الإسلامي: العصر المملوكي" لمفيد الزيدي.
كذلك فإن التاريخ العربي الحديث يكتظ بالزيجات السياسية، منها زيجات الملك عبد العزيز آل سعود، مؤسس المملكة العربية السعودية، الذي تزوج من 35 سيدة "على الأقل"، إذ كان يطلق واحدة ليتزوج بأخرى، بهدف مصاهرة أكبر قدر من القبائل، ليضمن ولاءها له، بحسب ما جاء في كتاب "أقدم أصدقائي العرب"، لجون فانيس.
في ما يلي، أشهر زيجات سياسية عربية في العصر الحديث.
محمد بن راشد وهيا الحسين
الشيخ محمد بن راشد من مواليد 15 يوليو 1949، والأميرة هيا من مواليد 3 مايو 1974، أي أنه يكبرها بنحو 25 عاماً، وهي تقترب من عمر ابنته منال المولودة في 12 نوفمبر 1977.
ورغم ما يبدو من رومانسية بين بن راشد وهيا، يميل البعض إلى تصديق الادعاء القائل بأن السياسة ليست بعيدة عن الأمر، فالنظام الأردني حليف قوي للولايات المتحدة، وهذا ما يدعم نفوذ بن راشد لدى واشنطن. كما أن الزواج بسيدة متحررة مثل هيا يبرز حاكم دبي لدى الغرب كرجل منفتح، بحسب كتاب أسامة فوزي "حكام ونسوان".
ويوضح فوزي أن هذا الأمر أغضب زوجة بن راشد، هند بنت مكتوم آل مكتوم، والدة ولي عهد دبي، حمدان بن محمد آل مكتوم، فهي ابنة عم بن راشد وكان لها ولإخوتها دور في إيصاله إلى منصب وزير الدفاع، ومن ثم إلى منصبه الحالي، خاصة أن بن راشد يولي رعاية خاصة لـ"هيا" على حساب هند، إذ يظهر معها في المناسبات العامة.
أقوال جاهزة
شارك غرد أسرار الزيجات السياسية في العالم العربي: زيجات تسببت بتحالف دولتين، وخلافات زوجية ولدت أزمات ديبلوماسية
شارك غرد ما الذي يقف وراء الزيجات المختلطة للعائلات الحاكمة في العالم العربي؟ علاقات حب أو حسابات سياسية باردة؟
منصور بن زايد ومنال بن راشد
لا شك أن زواج منال ابنة محمد بن راشد آل مكتوم، من الشيخ منصور بن زايد آل نهيان، هو رباط جديد بين أكبر عائلتين حاكمتين متنافستين في الإمارات، فبن زايد هو ابن رئيس الإمارات السابق، وعائلته تحكم أبوظبي وتترأس البلاد، ومنال هي بنت حاكم دبي ونائب رئيس البلاد، والزواج يقوي من متانة دولة الإمارات القائمة على النظام الفيدرالي.
حمد بن جاسم وموزا
في عام 1977 بويع حمد بن خليفة آل ثاني ولياً لعهد قطر، وهو العام نفسه الذي تزوج فيه موزا بنت ناصر المسند، المعارض القوي لحكم آل ثاني لقطر، لتستقر الأمور لآل ثاني في الحكم، ويتوقف ناصر عن المعارضة، بحسب كتاب أسامة فوزي.
ويشير فوزي إلى أن إطاحة حمد بوالده خليفة بن حمد من الحكم عام 1995، كان بتدبير من موزا، التي ولّت أيضاً ابنها تميم مقاليد الحكم، عام 2013.
أحمد بن علي آل ثاني ومريم بنت راشد
عام 1972، تمت الإطاحة بالشيخ أحمد بن علي بن جبر آل ثاني، الذي كان قد تولى حكم قطر منذ 1960 حتى 1972، لمصلحة ابن عمه الشيخ خليفة بن حمد، ليعيش بن علي في دبي، بفضل زواجه من مريم بنت راشد بن سعيد آل مكتوم، ابنة حاكم دبي وقتها، وأخت حاكم دبي الحالي محمد بن راشد آل مكتوم.
ويذكر "جيه. إي. بيترسون "J.E. Peterson، في دراسة له بعنوان "الحكام والتجار والشيوخ في السياسة الخليجية: وظيفة من وظائف الشبكات العائلية"، أن التحالف بين آل مكتوم وآل ثاني كان سابقاً على ذلك، فالزواج من مريم كان ضمن تحالف العائلتين سياسياً، إذ كانت دبي تابعة لإمارة قطر في عهده قبل انضمامها لاتحاد الإمارات العربية عام 1971.
نجل ملك البحرين وابنة العاهل السعودي
في يوليو 2011، أُعلن زواج الأمير خالد نجل ملك البحرين، حمد بن عيسى آل خليفة، بالأميرة سحاب، ابنة العاهل السعودي الراحل عبد الله بن عبد العزيز.
وتتمتع البحرين بعلاقات متينة مع المملكة العربية السعودية، وتجلى ذلك في إرسال الرياض قوات مسلحة إلى المنامة لقمع التظاهرات الداعية إلى إسقاط حكم آل خليفة، تحت مظلة قوات درع الجزيرة، وكان ذلك في مارس 2011، قبل أشهر قليلة من زواج خالد وسحاب.
ابن ملك البحرين وكريمة حاكم دبي
ناصر بن حمد آل خليفة يقف بين الشيخ محمد بن راشد، حاكم دبي، ورئيس دولة الإمارات الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان
آل سعود ليسوا الداعمين فقط لآل خليفة عن طريق المصاهرة، ففي سبتمبر 2009 تزوج ناصر بن حمد آل خليفة، من "شيخة"، ابنة محمد بن راشد، حاكم دبي، وبهذا النسب صار ملك البحرين مرتبط عائلياً بملك الأردن أيضاً، فهو صهر حاكم دبي.
سعد الحريري ولارا العظم
زعيم الطائفة السنية في لبنان، سعد الحريري، الذي ورث تركة أبيه رفيق الحريري، متزوج بلارا العظم، ابنة الملياردير السوري بشير العظم، الذي يعمل في المملكة العربية السعودية ويقيم فيها، وله نفوذ كبير هناك. وبرز هذا النفوذ خلال ظهوره في لقاء ممثلي الكتل السياسية اللبنانية بمنزل سعد الحريري في الرياض، وقد حضره رئيس الوزراء تمام سلام.
ومن المعروف أن رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري أسس تحالفاً بين أسرته وبين السعودية، حتى أنه حصل على الجنسية السعودية عام 1977، وورثها منه ابنه سعد.
طلال بن عبد العزيز ومنى الصلح
تحالف سنة لبنان مع السعودية، بدا أيضاً في زواج الأمير طلال بن عبد العزيز، شقيق ملك السعودية الحالي، بمنى رياض الصلح، ابنة الزعيم السني اللبناني رياض الصلح، أول رئيس وزراء للبنان بعد الاستقلال. أنجبت 3 أبناء، أشهرهم وأقواهم الأمير الوليد بن طلال، أحد أكبر أثرياء العالم، الذي يحمل الجنسية اللبنانية.
ورأى كثيرون في بداية الألفية الثانية أن الوليد بن طلال يمكنه أن يدخل اللعبة السياسية في لبنان، ويجلس مكان جده رياض الصلح نفسه، ولم يرفض الأمير بشكل قاطع هذا الأمر، خاصة أنه يحمل الجنسية اللبنانية مع الجنسية السعودية، كما كان رفيق الحريري، ولكن اغتيال الحريري أبعد هذه الفكرة عن رأسه.
عم ملك المغرب ولمياء الصلح
لآل الصلح امتداد ملكي آخر، ففي عام 1961، تزوجت لمياء، ابنة رياض الصلح، من الأمير عبد الله العلوي، ابن ملك المغرب محمد الخامس، وعم الملك الحالي محمد السادس، لترتبط العائلة الملكية المغربية بالعائلة الحاكمة السعودية عن طريق أسرة آل الصلح اللبنانية.
وتتمتع المملكة المغربية بعلاقات جيدة مع لبنان، وكذلك مع السعودية، التي دعمتها ضد الجزائر في قضية الصحراء الغربية، وقادت دول مجلس التعاون الخليجي لاتخاذ موقف داعم للقضية.
رياض الصلح وفائزة الجابري
رياض الصلح هو أول رئيس وزراء لبناني بعد الاستقلال، كان من القادة الذين كافحوا الاحتلال العثماني والفرنسي، وشارك القادة السوريين، كإحسان الجابري، وسعد الله الجابري، في الكفاح من أجل استقلال سوريا الكبرى "سوريا، لبنان، الأردن، فلسطين"، وكان في عداد الذين حضروا المؤتمر السوري بجنيف عام 1919.
ويبدو أن هذا التحالف دفع إلى قرب من نوع آخر، فقد تزوج الصلح بفائزة الجابري، ابنة سعد الله الجابري، أول رئيس لوزراء سوريا بعد الاستقلال.
وكان رياض الصلح من اللاعبين السياسيين في الساحة السورية بعد الاستقلال، فقد تدخل لرأب الصدع بين الزعيم السياسي إبراهيم هنانو، وحماه، سعد الله الجابري عام 1928 إثر انتخاب الجمعية التأسيسية السورية، بحسب مذكرات أحمد السياف، التي جمعها الباحث السوري محمد جمال باروت، في كتاب بعنوان "شعاع قبل الفجر".
زواج شقيقة فاروق من بهلوي
في عام 1938، قرر شاه إيران، رضا بهلوي، مصاهرة الأسرة العلوية الحاكمة في مصر، والتي كانت تعد وقتها أعرق العائلات الحاكمة في الشرق الأوسط، لإنعاش شعبيته وزيادة نفوذه على المستويين الدولي والمحلي، فطلب من فاروق الأول، ملك مصر، خطبة أخته الأميرة فوزية لابنه وولي عهده، محمد.
تم الزواج عام 1939، رغم اختلاف المذهب الديني بينهما، إذ أن فوزية من الطائفة السنية ومحمد من الطائفة الشيعية، لكنه كان علمانياً، لا يعبأ بمثل هذه الخلافات.
جلس محمد رضا بهلوي على عرش أبيه بعد عامين من زواجه، وأنجب من فوزية ابنتهما "شاهيناز"، لكن تقارير سرية تلقاها فاروق من إيران أفادت بأن أخته تعيش حياة تعيسة لا تليق بها في بلاط الشاه، وأنها تحب مدرب الخيول الذي يدربها، فقرر أن يطلقها منه، ودعم ذلك أن هناك من يكيد لها في القصر لاستيائهم من أن تكون امبراطورة إيران مصرية.
رتب فاروق لزيارة أخته لمصر، وبعد وصولها حبسها في قصر أنطونيادس بالإسكندرية، ومنع عودتها إلى بلاد فارس، وطلب تطليقها رغم أنف الشاه، ما تسبب في أزمة سياسية كبيرة بين البلدين. تم الانفصال فعلياً في مصر عام 1945، لكنها تطلقت رسمياً في إيران عام 1948، بحسب مذكرات كريم ثابت، المستشار الصحافي للملك فاروق.
وكالات-