يذكر أنّ العلاقات بين إيران ومعظم أعضاء مجلس التعاون الخليجي لم تكن متوتّرة منذ وقتٍ طويل. وظهرت التوتّرات بشكلٍ خاص منذ أن تعرّضت السفارة السعودية في طهران لهجومٍ في يناير/كانون الثاني عام 2016 بعد أن أعدمت الرياض رجل الدين الشيعي «نمر النمر». ومع ذلك، يبدو أنّ دول مجلس التعاون الخليجي قد تختبر فكرة إصلاح العلاقات مع إيران.
وكان وزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجي قد بحثوا يوم الخميس الماضي في الاجتماع الوزاري الثاني والعشرين للمجلس الوزاري في الرياض عقد حوارٍ استراتيجيٍ مع إيران. ويأتي هذا الاقتراح، إلى جانب موجة النّشاط الدبلوماسي بين طهران والحكومات الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي على مدى الأشهر الأربعة الماضية، كبشرى محتملة ببدء التقارب البطيء والانتقائي، حتّى وإن كان ذلك فقط مع كل دولة على حدة، ولا يقدّم حلًّا للقضايا الاستراتيجية الأوسع بينها.
ومن شأن أيّ تخفيفٍ للتوتّر مع إيران أن يكون تغييرًا مرحبا به من قبل أعضاء مجلس التّعاون الخليجي. وتؤدّي العلاقات السّيئة لدول المجلس مع جارتها عبر الخليج العربي إلى تفاقم الانقسامات الطّائفية الدّاخلية للبلدان، ويزيد من تعقيد عملية الإصلاح التي هي شاقّة في الأساس. وبعد تلطيف الأجواء مع إيران، ستتاح للحكومات في مجلس التّعاون الخليجي فرصةً أكبر للتّركيز على الإصلاح الاقتصادي والتنمية المحلية، وهي أولوياتها العليا حاليًا. ولتحقيق هذه الغاية، بدأ مجلس التعاون الخليجي علنًا في السّعي نحو تحقيق المصالحة بعد وقت وجيز من فوز الرئيس الأمريكي «دونالد ترامب» بمنصبه. وجاء انتصار «ترامب» ليشير إلى عودة واشنطن إلى سياسة أكثر عدوانية تجاه طهران، وهو ما كان يأمل به أعضاء المجلس بعد أن حاولت الإدارة السّابقة تحسين العلاقات بين الولايات المتّحدة وإيران. وأكّد ذلك أنّ الدول الخليجية أصبح لديها الآن الثّقة التي تحتاجها لمحاولة تعزيز العلاقات مع طهران في المجالات ذات الاهتمام المشترك. وقد بدأت الحملة الدبلوماسية فى ديسمبر/كانون الأول الماضي عندما صاغ مجلس التّعاون الخليجي رسالةً إلى الحكومة الإيرانية تقترح بدء حوار. وفي يناير/كانون الثاني، سلّم وزير الخارجية الكويتي الرسالة إلى الرئيس الإيراني «حسن روحاني»، والذي قام فيما بعد بزيارة إلى عُمان والكويت.
وكانت الدولتان نقطة انطلاق منطقية للرئيس الإيراني. فبعد كلّ شيء، من بين أعضاء مجلس التعاون الخليجي، اتّخذت الكويت وسلطنة عمان الموقف الأكثر اعتدالًا تجاه إيران. إلّا أنّ الرياض، المنافس الرئيسي لطهران داخل المجلس وخارجه، أثبتت أيضًا استعدادها المتزايد للتّعاون مع طهران حول القضايا العملية، وذلك في الشهور القليلة الماضية. وخلال المفاوضات حول خفض إنتاج منظّمة الدول المصدرة للنّفط (أوبك)، على سبيل المثال، قبِلت المملكة اتّفاقًا سمح لإيران بخفض إنتاجها على مستوى أعلى من الدول الأخرى في أوبك التي خضعت للخفض.
كما وجّهت السّعودية الدّعوة إلى إيران لحضور مناقشاتٍ حول إصدار تأشيراتٍ تمكّن الإيرانيين من الذّهاب للحجّ في عام 2017، وذلك بعد انهيار العلاقات بين البلدين، وهو الأمر الذي منعهما من التّوصل إلى اتّفاقٍ حول هذه المسألة عام 2016. (كانت المحادثات ناجحة، وقد اختتمت الرياض وطهران الاتّفاق في وقتٍ سابقٍ من شهر مارس/آذار). وإذا استمرّ هذا الاتّجاه، فإنّ عودة العلاقات الدبلوماسية قد تكون في نطاق إمكانية إيران والسّعودية.
ومع ذلك، فإنّ أيّ تعاونٍ جديد سيكون محدودًا. وما دامت الصّراعات في الدّول المجاورة، مثل اليمن ولبنان وسوريا والعراق قائمة، سوف تتورّط طهران والرياض في التّنافس على النّفوذ الإقليمي. ويعدّ كلّ صراع مسرحًا للحرب بالوكالة، الأمر الذي يضع رؤية إيران للشّرق الأوسط ضدّ رؤية السعودية والإمارات وقطر. وعلى الرّغم من أنّ اتّفاق الولايات المتّحدة لمنع إيران من تطوير الأسلحة النّووية قد نجت خلال الشهرين الأولّين من إدارة «ترامب»، فإنّ الرياض وحلفاءها في دول مجلس التّعاون الخليجي واثقون من أنّ واشنطن منحازة إلى جانبهم.
وفي اليمن، على سبيل المثال، تأمل دول مجلس التّعاون الخليجي في أن تزيد واشنطن من الدّعم العسكري لتحالف المجلس ضدّ المتمرّدين الحوثيين. وقد أصبحت الولايات المتّحدة أكثر اهتمامًا بتعزيز مساعدتها لتحالف دول مجلس التّعاون الخليجي منذ أن حصلت على المبرّر من الأخبار التي أفادت بأنّ إيران تدرس زيادة مشاركتها في اليمن. وفى كلمته أمام الكونغرس يوم الأربعاء، وصف قائد القيادة المركزية الأمريكية، الجنرال «جوزيف فوتيل»، إيران بأنّها المصدر الرئيسي لعدم الاستقرار فى الشرق الأوسط، وقال أنّ الولايات المتّحدة ستعمل على منعها من نشر نفوذها بشكلٍ أكبر.
ولكن حتّى بعيدًا عن إيران، تحاول الولايات المتّحدة احتواء عدم الاستقرار الإقليمي بشكلٍ عام بتشجيع المزيد من التّعاون بين حلفائها السنة، بما في ذلك دول مجلس التّعاون الخليجي. ويبدو أنّ السعودية ومصر يتراجع كلّ منهما منذ أن ضغطت إدارة «ترامب» على كلا الجانبين لتنحية الخلافات في وقتٍ سابقٍ من مارس/آذار. وكذلك حثّت واشنطن العراق والسّعودية على تعزيز علاقاتهما الثنائية، وذلك يأتي، في جزءٍ منه، كمحاولة لإضعاف تحالف بغداد مع إيران. ويبدو أنّ إدارة «ترامب» قد أثّرت تأثيرًا مباشرًا على اختيار السّعودية لرئيس الجيش الباكستاني السّابق ليرأس تحالفها العسكري الإسلامي. بل إنّها قد قدّمت مبادرات للدّول العربية في المنطقة للمساعدة في إرساء الأساس لجولة جديدة من مفاوضات السّلام مع (إسرائيل). وحتّى الآن، يبدو أنّ جهود واشنطن تعمل بنجاح، لاسيّما مع دول مجلس التّعاون الخليجي.
غير أنّ الولايات المتحدة لن تكون قادرة على تهدئة جميع مشاكل المجلس. فزيادة الدّعم العسكري لائتلاف دول مجلس التّعاون الخليجي في اليمن، على سبيل المثال، لن تغير حقيقة أنّ دولة الإمارات تركّز على تحقيق الاستقرار في سواحل البلاد التي مزّقتها الحرب، في حين أنّ السّعودية أكثر اهتمامًا بتأمين حدودها. وستكون الرّياض مضطّرة لإقناع الولايات المتّحدة بإرسال المزيدِ من الجنود إلى جانبها، حيث تتماشى أهداف واشنطن في الصّراع مع أهداف أبوظبي. وإدراكًا منها أنّ زيادة الدّعم الأمريكي له حدوده، فإنّ دول الخليج تبحث عن التعزيز في أماكن أخرى، بما في ذلك السّودان.
وعلى الرغم من استمرار التّنافس الشّرس بين إيران والسّعودية، إلا أنّ تلميحات المصالحة الوليدة تدل على استعدادهما لوضع خلافاتهما جانبًا في ظلّ وجود ظروف مناسبة، وفي قضايا محدّدة. وقد وجد مجلس التّعاون الخليجي أنّ تحسين العلاقات الثنائية مع إيران يمكن أن يساعدها على تحقيق التزاماتها المحلّية. وبالنّسبة لطهران، فإنّ تقليص حجم الأعمال القتالية مع دول الخليج يمكن أن يساعد في الحفاظ على اتّفاقية خطّة العمل الشاملة المشتركة مع الولايات المتّحدة. ومع ذلك، فإنّ الخلافات الأساسية التي تُبقِي الجانبين على خلاف قد تصمد أكثر من تقاربهما.
ستراتفور- ترجمة وتحرير شادي خليفة - الخليج الجديد-