غريغوري غوس - واشنطن بوست- ترجمة وتحرير شادي خليفة -
يمكن حل الأزمة بين دول الخليج، التي تقودها المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة ضد قطر، على المدى القصير، لكن من غير المرجح أن يتم حلها تمامًا على المدى الطويل. وقد تجلب الوساطة الكويتية والوساطة الأميركية الجانبين إلى بعض الحلول التوفيقية، حيث يقبل القطريون بعض المطالب الـ 13 التي قدمها لهم السعوديون والإماراتيون، لكنّ الاختلافات الجوهرية بين الجانبين لن تنتهي بسهولة.
وبالنسبة لأولئك الذين يرون الأزمة الإقليمية الحالية في الشرق الأوسط من خلال العدسة الطائفية فقط، تعطي حقيقة إسراع إيران للدفاع عن قطر مجرد مثال آخر على الصراع السني الشيعي الأكبر.
ولا يتعلق الصراع الحقيقي بإيران، بل بالفهم المختلف للغاية حول كيفية ارتباط الإسلام السياسي بالدولة بين القوى السنية في الشرق الأوسط. وتتمتع قطر والإمارات والسعودية بأغلبية سنية من السكان، ويحكمها الملوك السنة، لكنّ مواقفها مختلفة جدًا بشأن هذه المسألة. كما تقف تركيا ومصر، وهما أكبر جمهوريتين سنيتين، على جانبين مختلفين.
وقد أكدت، في مقال صدر مؤخرًا، أنّ عجز دول الشرق الأوسط السنية عن تشكيل تحالف فعال ضد إيران ينبع من الاختلافات العميقة فيما بينها حول طبيعة التهديدات التي تواجهها.
وتمثل قطر وتركيا، والإمارات ومصر، والسعودية ثلاث مواقف مختلفة حول هذا السؤال الشائك. ولا تعد أزمة قطر سوى أحدث وأوضح مظاهر هذا الصراع بين القوى السنية.
قطر والإخوان المسلمون
تراهن قطر على حضور جماعة الإخوان المسلمين في جميع أنحاء العالم العربي قبل فترة طويلة من الربيع العربي، وتوفر الدعم للجماعات التابعة للإخوان في المنطقة، وكذلك الملاذ الآمن للإخوان المنفيين مثل الداعية المصري «يوسف القرضاوي»، وزعيم حماس السابق «خالد مشعل»، وتوفر أيضًا منبرًا للآراء السياسية الإسلامية السنية في القنوات الفضائية الإقليمية لشبكة الجزيرة.
وتسعى هذه الجماعة الإسلامية السنية، رغم أنّها ليست ديمقراطية ليبرالية، إلى السلطة من خلال الوسائل الانتخابية. ويتشارك هذه الرؤية الرئيس التركي «رجب طيب أردوغان»، الذي رأى في نجاحات الإخوان المسلمين بعد الربيع العربي، إمكانية وجود كتلة من الأنظمة المماثلة، تقودها تركيا.
وكانت سوريا ما بعد «الأسد» هي العضو التالي في هذه الكتلة، وهذا هو السبب في أنّ «أردوغان» كان أول زعيمٍ إقليميٍ يدعو الرئيس السوري للتنحي.
الدور السياسي للدين في السعودية
تمثل السعودية نقيض الإسلام السني الشعبي من أسفل إلى أعلى. ومنذ عهدٍ بعيد، أنشأ النظام الملكي مؤسسته الدينية السلفية المعروفة باسم الوهابية، لتكون شريكًا له في دعم حكمه.
وقد أصبح رجال الدين السعوديين الآن بيروقراطيين حكوميين، ويدعون إلى التفسير الاجتماعي المتشدد من الإسلام والذي يدعو إلى كراهية الأجانب، ويسعون إلى نشر هذا التفسير في جميع أنحاء العالم الإسلامي من خلال دعم النظام الملكي، وتقديم المشورة بأنّ من واجب المسلمين طاعة الحكام وأولي الأمر.
الاتجاه الثالث
وبينما تتحالف مع السعودية، تمثل دولة الإمارات اتجاهًا ثالثًا في الإسلام السياسي. ويرتبط الإسلام الرسمي في الإمارات بإحكام سلطة الدولة ويخضع له. وخلافًا للمملكة، ليس لدى الإماراتيين الطموح لنشر الإسلام خارج حدودهم. بل على النقيض من ذلك، فهي تدعم القوى المناهضة للإسلاميين في مصر وليبيا وأماكن أخرى.
وانضمت إليها مصر في هذا الاتجاه، وكانت مصر في السابق مركز السياسة العربية، لكن الآن، نظرًا لمشاكلها الاقتصادية والسياسية المحلية، أصبحت تابعة بصورة أكبر. ولدى الأزهر، الجامعة العظيمة للتعليم الإسلامي السني في القاهرة، بالتأكيد طموحات تتجاوز حدود مصر. لكن ليس لديه القدرة المالية على تحدي المؤسسات السعودية الممولة من الإسلام السلفي العالمي.
ومن المثير للاهتمام أن نلاحظ أن الإمارات قد قدمت مبادرات تخص الأزهر، وربما تبحث تمويله لتحدي السلفية العالمية والإخوان المسلمين، باسم تجديد الخطاب الديني.
الصراعات الأيديولوجية
بإضافة الموقف الإسلامي السلفي المتمثل في تنظيم الدولة الإسلامية والقاعدة، أصبحت الصراعات الأيديولوجية داخل العالم السني محفوفة أكثر بالمخاطر. وهم يتشاركون التفسير السلفي المتشدد من الإسلام مع السعودية، لكنّهم يكرهون الحكام السعوديين ويتهمونهم ببيع أنفسهم للولايات المتحدة.
وترفض هذه التيارات المسار الانتخابي الذي يتخذه حزب «أردوغان» والإخوان المسلمين. وتعد الحدود الإقليمية القائمة نقيضًا لرسالتهم حول مجتمعٍ مسلمٍ موحد. وقد هاجم تنظيمي الدولة الإسلامية والقاعدة الأنظمة التركية والسعودية والمصرية في مناسباتٍ عديدة.
ولا يمكن للدول السنية أن تتصرف بصورة متآزرة لأنّهم، على الرغم من أنّهم قد يشعرون جميعًا بالقلق إزاء إيران، يرون بعضهم البعض تهديدًا محتملًا، إن لم يكن فعليًا، لاستقرار النظام الداخلي. ويرى المصريون والإماراتيون أنّ جماعة الإخوان المسلمين تشكل خطرًا داخليًا كبيرًا، وبالتالي يرون قطر وتركيا على أنهم حلفاء أعدائهم المحليين.
ولهذا السبب تصر القاهرة وأبو ظبي على أن تغلق قطر قناة الجزيرة. ويشعر السعوديون بالقلق من أنّ قطر، التي تشاركها رسميًا تبني الوهابية السلفية، قد تلعب في سياستها الداخلية، وتحشد المعارضة لنظامها.
ولا ترغب مصر في الوقوف خلف الجهود السعودية لإسقاط «بشار الأسد» في سوريا لأنّها تخشى أن تستفيد الجماعات الإسلامية مثل جماعة الإخوان المسلمين من ذلك. ولدى السعودية علاقاتٍ تاريخية مع جماعة الإخوان، لكنّها ابتعدت عنها مؤخرًا، وترى الإسلام السياسي الانتخابي تهديدًا داخليًا.
وتشعر أنقرة بالقلق من أن يؤدي الضغط الناجح على قطر إلى الضغط الإقليمي على تركيا نفسها. وكانت تركيا والسعودية في نفس الجانب مع تنظيم الدولة الإسلامية و/أو تنظيم القاعدة في المعارك الإقليمية، تركيا في سوريا والسعودية في سوريا واليمن، لكن لا يمكنهما السيطرة أو الثقة في الإسلاميين السلفيين الذين يسعون إلى الإطاحة بأنظمة البلدين في الداخل.
ولم تعد رؤية الرئيس «ترامب» لعالم سني متحدة مع الولايات المتحدة ضد كل من إيران والإرهاب أمرًا محتملًا، طالما أنّ الأنظمة السنية في الشرق الأوسط تتبنى وجهات نظر متباينة حول العلاقة بين الإسلام والسياسة. وكان من المفترض أن يهيمن على الشرق الأوسط الصراع الطائفي السني الشيعي، لكن ليس هناك مجال لأن يعمل السنة معًا.